يبدو أن التحالف السياسي القائم بين موسكو وبكين لمواجهة واشنطن، بات تحت الاختبار الصعب، على خلفية الهزائم المرة للجيش الروسي في أوكرانيا، والأزمات المالية والاقتصادية القاسية، بسبب العقوبات الغربية على الطاقة الروسية التي تشكل مصدر الدخل لتمويل الجهد العسكري، وحظر التقنية الغربية.
ووفق محللين، فإنّ من المتوقع أن تشكل الطاقة والتقنية المحاور الرئيسية للقاء بين الرئيسين، الصيني شي جين بينغ، والروسي فلاديمير بوتين، الذي سيعقد على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تبدأ أعمالها اليوم الخميس في أوزبكستان. فبوتين بحاجة ماسة للحصول على مساعدات مالية وتقنية من الصين، والتشاور معها في كيفية زيادة إمدادات الغاز الروسي إليها لتعويض خسارة روسيا للسوق الأوروبية.
في المقابل، لا يبدو أن الصين في وضع اقتصادي مريح في الوقت الراهن، حيث تعيش البلاد مرحلة من التباطؤ الاقتصادي بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى إغلاق النشاط الصناعي في بعض المقاطعات، ولا تزال أزمات إفلاس شركات الإنشاءات تحاصر النمو الاقتصادي.
لكن رغم هذه التحديات، يرى محللون أن بكين ستبقي على التحالف مع موسكو، لكنها ستكون حذرة لحماية مصالحها التجارية الضخمة مع واشنطن وأوروبا. فحتى الآن، تقف الصين على الحياد من الحرب الأوكرانية، إذ إنها لم تدن صراحة الغزو الروسي ولم تدعمه، لكنّها لم تشارك في حملة المقاطعة الاقتصادية والمالية الغربية التي نُفذت لعزل روسيا عن النظام المالي والاقتصادي العالمي.
على الصعيد التجاري، رغم أنّ التبادل التجاري الصيني مع روسيا ليس كبيراً، مقارنة بحجم تجارتها مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، إذ إنه لم يتجاوز 140 مليار دولار في عام 2021، إلا أنه من ناحية مكوناته يكتسي أهمية بالغة للنمو الاقتصادي والدفاعي الصيني، إذ إنه يشتمل على واردات النفط والغاز الطبيعي.
كذلك تستفيد الصين من التقنية العسكرية الروسية في تطوير صناعاتها الدفاعية. وفي المقابل، فإن تجارتها مع كل من أميركا وأوروبا تفوق 1.36 تريليون دولار.
وحسب بيانات الإحصاء الأميركية، بلغ حجم التجارة الأميركية مع الصين 541.53 مليار دولار في عام 2021، ومع دول الكتلة الأوروبية 828.1 مليار دولار. لكن الصين تدخر روسيا لاحتمالات المواجهة مع الولايات المتحدة، وفق مراقبين.
في هذا الشأن، يرى مدير برنامج الصين بمركز ستيمسون للدراسات في واشنطن، يون صون، أن بكين قد لا تغير موقفها من التحالف مع موسكو، لأنه تحالف استراتيجي رابح بالنسبة إلى بكين.
ويقول في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال": "إذا كسبت روسيا الحرب، فإن بكين ستكسب حليفاً قوياً ضد القوى الغربية، وإذا خسرتها ستكون دولة تابعة لها".
ويرى محللون أن الطاقة والتقنية ستكونان من أهم بنود اجتماع شي وبوتين، حيث إن روسيا بحاجة ماسة لمواجهة العقوبات الغربية على النفط والغاز الطبيعي، وتبحث عن منافذ جديدة للتسويق.
وحتى الآن خسرت روسيا سلاح الطاقة الذي اعتمدت عليه في كسر التحالف الغربي وحدوث انقسام داخل الكتلة الأوروبية أو حدوث اضطرابات سياسية وثورات شعبية في بعض دول أوروبا بسبب ارتفاع فاتورة الكهرباء والتدفئة.
وراهنت موسكو على سلاح الغاز الطبيعي في الحرب الروسية الأوكرانية، لكن النتيجة كانت عكس ما توقعت، إذ تمكنت أوروبا عبر استيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة وأذربيجان ودول عربية وأفريقية من ملء الخزانات الأرضية بنسبة أكثر من 80%، وباتت مستعدة لموسم الشتاء. وفي المقابل، خسرت أهم أسواقها في أوروبا، وتبحث عن أسواق بديلة لتصدير الغاز الذي كانت تبيعه لأوروبا عبر الأنابيب.
من بين أهم المشاريع المقترحة لتعويض خسارة روسيا لسوق الغاز الأوروبي، الذي بات من المؤكد أنها ستفقده تماماً على المدى الطويل، التصدير للسوق الصيني.
لكن ترى نشرات متخصصة، أن عمليات تصدير الغاز الروسي للصين تواجه عقبات وتحتاج إلى سنوات عديدة لتجهيز البنية الرئيسية للتصدير، كذلك لا تزال روسيا دولة مبتدئة في صناعة الغاز المسال.
أولى العقبات، أن مدّ الأنابيب من حقول سيبيريا في شمال روسيا إلى الصين مكلف مالياً ويحتاج إلى تقنيات غربية، حتى إذا وافقت عليه الشركات الصينية التي تتحسب للحظر الغربي على روسيا.
من بين المشاريع المقترحة أنبوب "باور أوف سيبيريا 2". وحسب نشرة "بايب لاين تكنولوجي جورنال" الأميركية، فإن مشروع "باور أوف سيبيريا 2"، وُضعت الخطوط العريضة له، ويخضع للنقاش بين الصين وروسيا منذ عام 2021.
ووفق النشرة، فإن المشروع وضعت خطة أولية للبدء بتنفيذه في عام 2024، ليكتمل في عام 2030. وهو خط طوله 2600 كيلومتر يمر عبر منغوليا إلى الأراضي الصينية. ومن المقدر أن تبلغ طاقة الأنبوب 50 مليار متر مكعب في العام، وتقدر كلفته بنحو 13.6 مليار دولار.
لكن هذا ما كان مخططاً له قبل غزو روسيا لأوكرانيا، وبعد الغزو، فإن الوضع مختلف، حيث يرى محللون أن تنفيذ المشروع يواجه عقبات بعد الحظر الاقتصادي والمالي والتقني على روسيا، حيث إن الصين وروسيا لا تملكان التقنيات لتنفيذ الأنبوب، كذلك إن الشركات الغربية لن تشارك في بناء الأنبوب بسبب مخاوفها من العقوبات حتى إذا أُغريَت بعروض مالية سخية.
ولدى روسيا أنبوب غاز "باور أوف سيبيريا 1" الذي بدأ ضخ الغاز إلى الصين في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019، لكن طاقته التصديرية ضعيفة. وصدرت روسيا عبر الأنبوب نحو 4.1 مليارات متر مكعب في عام 2020.
وتنوي روسيا رفع صادرات الغاز الطبيعي للصين إلى 38 مليار متر مكعب في عام 2023، حسب نشرة "غلوبال إنيرجي مونيتور". واقترحت بكين مرور "باور أوف سيبريا 2" عبر منغوليا، لا عبر إقليم شينجيانغ الذي تسكنه جماعة الإيغور المسلمة التي تتعرض للاضطهاد الصيني.
وكانت شركة غازبروم قد أنشأت آلية مشتركة مع الحكومة المنغولية لتنفيذ الدراسات الأولية للأنبوب. وحسب نشرة "بايب لاين تكنولجي مونيتور"، صدّرت روسيا نحو 16.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في العام الماضي 2021، وهو عبارة عن كميات من الغاز المسال التي كانت تذهب إلى السوق الأوروبية وغاز الأنابيب عبر " باور أوف سيبيريا1".
وتقول خبيرة الطاقة بشركة "كونترول ريسك" للاستشارات العالمية، فيتا سيتفاك، إن مسؤولي الكرملين متحمسون لمشاريع تصدير الغاز الروسي عبر الأنابيب.
على صعيد النفط، تواجه صادرات النفط والمشتقات البترولية الروسية الأزمة الناتجة من وضع القوى الغربية سقفاً لسعر لا يتجاوز كثيراً سعر كلفة الاستخراج والتصدير ويعاقب الدول والشركات التي تخرق هذا الحظر. وبالتالي، يتوقع محللون أن يركز اللقاء على كيفية مساعدة بكين لروسيا لتفادي خسائر دخلها من النفط.
أما على صعيد التقنية، فيتوقع محللون أن تطلب روسيا من الصين مدها بمنتجات التقنية العالية التي خسرتها بسبب العقوبات الغربية التي من بينها أشباه الموصلات، لكن حسب تحليل في "وول ستريت جورنال"، فإن المسؤولين بالصين يتخوفون من العقوبات الغربية.
وكانت واشنطن قد وضعت 5 شركات إلكترونية في يونيو/ حزيران الماضي في القائمة السوداء بتهم مساعدة الصناعات الدفاعية الروسية.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يسعى الرئيس شي في أثناء اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم إلى جانب الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى الهند وباكستان، لطمأنة هذه الدول على مستقبلها السياسي بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وظلت هذه الدول تخضع للمظلة الأمنية والهيمنة الروسية على مواردها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكنها بعد غزو أوكرانيا، باتت هذه الدول تنظر إلى موسكو كمهددة لاستقرارها السياسي، لها أطماع توسعية وليست دولة ضامنة لاستقرارها السياسي.
وتتخوف بكين التي تستثمر أكثر من 70 مليار دولار في دول آسيا الوسطى من أن تبحث هذه الدول عن تمتين علاقتها مع واشنطن، بحثاً عن الحماية.