الصين تنافس صندوق النقد وتُقرض باكستان وسريلانكا 26 مليار دولار

08 اغسطس 2022
الصين تتوسع في إقراض دول طريق الحرير (Getty)
+ الخط -

على مدى الأعوام الخمسة الماضية، أغدقت الصين على باكستان وسريلانكا قروضاً قصيرة ومتوسطة الأجل تُقدر بنحو 26 مليار دولار، مع تحول إقراضها الخارجي من تمويل البنية التحتية إلى توفير الإغاثة الطارئة.

تُظهر بيانات جمعتها "إيد داتا"، وهي وحدة أبحاث في جامعة وليام أند ماري الأميركية، التحول من مبادرة الحزام والطريق الصينية البالغة قيمتها 900 مليار دولار والمعروفة باسم طريق الحرير، إلى قروض تستهدف تخفيف نقص العملات الأجنبية منذ عام 2018.

قال براد باركس، المدير التنفيذي لـ"إيد داتا"، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، إن الصين "ابتعدت بشكل كبير عن إقراض المشروع واتجهت نحو إقراض ميزان المدفوعات والإقراض من أجل الإنقاذ في حالات الطوارئ".

قدّمت البنوك الصينية الحكومية قروضاً قصيرة الأجل بقيمة 21.9 مليار دولار للبنك المركزي الباكستاني منذ يوليو/تموز 2018، بينما تلقّت سريلانكا قروضاً متوسطة الأجل في الغالب بـ3.8 مليارات دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، بحسب أرقام جمعتها "إيد داتا"، بناءً على وثائق رسمية وتقارير إعلامية.

60 % من الإقراض الخارجي للصين موجهة إلى دول تعاني الآن من ضائقة ديون

تُظهر القروض أن الصين تلعب حالياً دوراً مماثلاً لصندوق النقد الدولي، حيث توفر تمويلاً أثناء أزمات ميزان المدفوعات، بدلاً من تمويل المشاريع الميسرة على غرار البنك الدولي الذي يمكن مقارنة إقراض مبادرة الحزام والطريق به بشكل عام.

يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار الطاقة الأميركية إلى هروب العملات الأجنبية من الدول النامية التي تشكل جزءاً من طريق الحرير الصيني، ما يزيد من مخاطر تعثر سداد الديون المقومة بالعملات الأجنبية.

يقول باحثون في البنك الدولي إن نحو 60% من الإقراض الخارجي للصين موجهة إلى دول تعاني الآن من ضائقة ديون.

وأصدر بنك الشعب الصيني خلال العام الماضي قرضاً طارئاً بقيمة 300 مليون دولار، لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لجارته لاوس.

كما عززت تشيلي مقايضة العملات مع الصين في عام 2020 لدعم اقتصادها خلال فترة تفشي وباء كورونا، بينما قدم بنك الصين في العام نفسه قرضاً بقيمة 200 مليون دولار للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد من أجل برنامج الإغاثة من الوباء.

يقول المدير التنفيذي لـ "إيد داتا" إن "بكين تعمل وفقاً لافتراض مفاده أنه عندما تواجه الدول المقترضة ضمن مبادرة الحزام والطريق ضغوط سيولة كبيرة، فإن الخطوة الأنسب هي إبقاء سيولة كافية لدى هذه الدول لتجاوز العاصفة".

باكستان تعاني من تكاليف الاستيراد والديون الخارجية

وأضاف أن القروض "تركز بشكل مباشر على مساعدة المقترض في حل مشكلتين: الأولى تتمثّل في سداد ديون مشروعك القديم، والثانية محاولة تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي".

انتعش الإقراض الصيني الطارئ لباكستان، عندما بدأت إسلام آباد تواجه مشاكل في موازنة مدفوعاتها الدولية في عام 2017 نتيجة لارتفاع تكاليف الاستيراد والديون الخارجية.

ودفعت هذه الأزمة البلاد إلى عقد مفاوضات مطولة مع صندوق النقد الدولي، الذي طالب بزيادة الضرائب كشرط للحصول على القروض.

ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن 27% تقريباً من الدين الخارجي لباكستان مستحق للصين، وجزءاً كبيراً من هذه الديون ناتج عن مشاريع البنية التحتية.

بالنسبة لسريلانكا، تفاقمت مشكلات خدمة الديون الخارجية في البلاد نتيجة تفشي الوباء، عندما انهارت السياحة الدولية، وهي مصدر رئيسي للعملات الأجنبية، وبلغت وضعاً متأزماً هذا العام مع ارتفاع أسعار النفط، كما أنها تسعى للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، وتعهدت بخفض الإنفاق الحكومي.

بالإضافة إلى ذلك، أوضحت الحكومة أن حوالي 10% من ديون سريلانكا الخارجية مستحقة للصين.

تعتمد قروض الطوارئ الصينية على أسعار فائدة متغيرة، بدلاً من أسعار فائدة ثابتة كما كان معتاداً في إقراض البنية التحتية، بحسب المدير التنفيذي لـ"إيد داتا"، إضافة إلى أنها تتميز بآجال الاستحقاق أقصر بكثير من 10 أو 20 عاماً المعتادة في قروض البنية التحتية.

ينطوي الإقراض الطارئ لباكستان على آجال استحقاق بين عام إلى ثلاثة أعوام ومعدلات فائدة محسوبة استناداً إلى معدلات الإقراض السائدة بين البنوك في لندن أو شنغهاي، إضافة إلى هامش بين 1% إلى 3%، وفقاً لـ"إيد داتا".

إجمالي المشاركة المالية للصين في مشروعات دول الحزام والطريق منذ بدء المبادرة عام 2013 بلغ نحو 931 مليار دولار

كذلك، وصلت آجال استحقاق القروض المقدمة إلى سريلانكا بشكل عام إلى 10 أعوام تقريباً مع فترة سماح مدتها 3 أعوام، وأسعار فائدة محسوبة استناداً إلى معيار "ليبور"، وهو معيار مستخدم في التعامل بين البنوك في لندن، إضافة إلى هامش يقدر بنحو 2.5%.

جاءت القروض المقدمة لباكستان وسريلانكا بشكل أساسي من بنك الشعب الصيني في شكل مقايضات للعملات وقروض من بنك التنمية الصيني وبنك الصين والبنك الصناعي والتجاري الصيني.

لم يستجب البنك المركزي الصيني والبنوك المركزية في سريلانكا وباكستان لطلبات التعليق على الفور، وكذلك البنوك الصينية وإدارة الدولة للنقد الأجنبي، وفق بلومبيرغ.

وتعتمد الدول التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات بشكل متزايد على ترتيبات مقايضة العملات مع بنك الشعب الصيني، وتزودها بالعملة الصينية التي يمكن بيعها أيضاً بالدولار.

يقول المدير التنفيذي لـ"إيد داتا" إنه على الرغم من أن مثل هذه الصفقات تعزز احتياطيات الدول من العملات الأجنبية على المدى القصير، إلا أن "الأساسيات لم تتغير من حيث صافي القيمة، فالأموال القادمة تخرج على الفور".

ويضيف: "إذا كانت هناك مشكلة ملاءة بدلاً من مشكلة سيولة، فمن المحتمل أن تزيد الأمور سوءاً".

ووقّع البنك المركزي الصيني اتفاقيات مقايضة مع 40 دولة ومنطقة بقيمة تقارب 4 تريليونات يوان (590 مليار دولار)، بحسب تقرير رسمي.

ولجأت الدول إلى الصين خلال حالات الطوارئ من قبل، حيث اعتمدت الأرجنتين على خط المبادلة الصيني في عام 2014.

وجرى كذلك تمديد التزامات منغوليا الخاصة بترتيبات المقايضة تجاه الصين، والتي بدأت في الاعتماد عليها منذ نحو عقد، عدة مرات وتبلغ قيمتها الآن 1.8 مليار دولار، أو 14% من الناتج المحلي الإجمالي لمنغوليا، مع موعد استحقاق في عام 2023، بحسب أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي عن البلاد.

 قروض الطوارئ الصينية تعتمد على أسعار فائدة متغيرة، بدلاً من أسعار فائدة ثابتة

ولدى الصين سجلّ في مضاعفة الإقراض لدول تواجه صعوبات في السداد. وعندما تسبب انخفاض أسعار النفط في زيادة صعوبة سداد ديون أنغولا للصين في عام 2016، زادت الصين إقراضها للدولة الأفريقية إلى 19 مليار دولار في عام واحد بدلاً من السماح لشريك تجاري رئيسي بالتعثر في السداد، وفقاً لتقرير صادر عن جامعة بوسطن.

ويهدف الإقراض التابع لمبادرة الحزام والطريق الصينية للسماح للصين بجني عوائد من احتياطياتها من العملات الأجنبية التي تزيد عن 3 تريليونات دولار، مع سد العجز الهائل في البنية التحتية لدى الدول النامية، لكن محللين ينظرون بالكثير من الريبة للقروض الصينية خاصة في ما يتعلق باستحواذها على مرافق حيوية في الدول التي تتعثر عن السداد.

وبلغ إجمالي المشاركة المالية للصين منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 ما قيمته 931 مليار دولار، وفقاً لمركز التمويل والتنمية الأخضر، التابع لجامعة فودان في شنغهاي.

وبينما تتعرض أغلب الاقتصادات العالمية لصعوبات كبيرة في ظل التضخم الجامح وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، يواصل الاقتصاد الصيني توسعه.

فقد ارتفعت صادرات ثاني أكبر اقتصاد في العالم في يوليو/تموز الماضي، بأسرع وتيرة منذ بداية العام الحالي، مخالفة بذلك توقعات بتراجع الطلب العالمي عليها، الأمر الذي سيوفر الدعم للاقتصاد الذي يكافح تفشي كورونا وتراجع العقارات.

وذكرت الإدارة العامة للجمارك، في بيان لها، أمس الأحد، أن الصادرات نمت بنسبة 18% الشهر الماضي مقارنة بنفس الفترة من عام 2021، لتصل إلى 332.96 مليار دولار، وهو ما يفوق توقعات المحللين.

وتعد وتيرة ارتفاع صادرات الصين خلال شهر يوليو الماضي، الأسرع منذ يناير/كانون الثاني 2022، بينما ارتفعت الواردات 2.3%، وفقاً لوكالة رويترز. وسجلت فائضاً تجارياً قياسياً بلغ 101.26 مليار دولار في يوليو/تموز.

المساهمون