الصومال: حملة لـ"قصقصة" أجنحة الفساد الإداري

الصومال: حملة لـ"قصقصة" أجنحة الفساد الإداري

13 يوليو 2023
في إحدى شركات الصرافة في مقديشو (محمد عبد الوهاب/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الحكومة الصومالية لكبح الفساد المستشري في مؤسسات الدولة الرسمية، باعتبار هذه الخطوة مدخلاً لرفع ميزانية الدولة والإيرادات المحلية التي تناهز أربعين في المئة من ميزانية الحكومة.

ويشنّ مكتب المراجع العام في الأشهر الأخيرة حملة استهدفت مؤسسات عدة من بينها إدارة الهجرة والجنسية، ووزارة العمل والأشغال العامة، ووزارة المالية، وفروع البنك المركزي الصومالي، وطاولت الحملة أيضاً الأجهزة الأمنية، ووزارات الإعلام، والسياحة والثقافة، وهي الحملة التي اعتبر جهاز المراجع العام أنها الثانية منذ ستين عاماً لمكافحة المحسوبية والنهب العام واستغلال السلطة.

وقال أحمد عيسى جوتالي المراجع العام في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي إن نحو 21 مليون دولار هو حجم الأموال التي فقدت من خزينة الدولة في البنك المركزي الصومالي، وإن التحقيقات بدأت في أبريل/ نيسان الماضي لفحص سجلات المؤسسات التي تخضع للتحقيق منذ مارس/ آذار 2018 وحتى أبريل/ نيسان 2023.

ولفت إلى أن الاتهامات تشمل مسؤولين حكوميين في وزارة المالية وإدارة الهجرة والجنسية، وأن التحقيقات استهدفت في الحملة الأولى 15 مؤسسة حكومية، وستستمر لتشمل كافة مؤسسات الدولة (67 مؤسسة رسمية). وفي السياق، وجَّه النائب العام الصومالي سليمان محمد محمود، الخميس الماضي، اتهامات بالفساد إلى 18 مسؤولا حكوميا، وقال النائب العام في تسجيل مصور بثه التلفزيون الرسمي، إن الاتهامات تتعلق بتزوير الوثائق الرسمية، واختلاس المال العام، إلى جانب استغلال السلطة والتقصير في الواجبات الإدارية. كما تم توجيه الاتهام لتسعة مسؤولين آخرين غيابياً.

وقال باشي يوسف أحمد رئيس المحكمة العليا تعقيباً على حملة الفساد "إن الوقت قد حان لمكافحة الفساد، وإن هذا العار غير مقبول أن يلاحق مؤسسات القضاء والعدلية، وينبغي العمل بنزاهة والابتعاد عن كل شائبة تؤدي إلى اختلاس المال العام واستغلال المناصب والسلطة من قبل موظفي مؤسسات القضاء، ولا يمكن السماح بالتعاون أو التهاون مع الفساد".

واعتبر أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة الصومال عبد العزيز أحمد إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد" أن آلية مكافحة الفساد يجب أن تبدأ أولاً بآليات تعيين المسؤولين والموظفين في الوزارات، حيث يجب أن تكون عملية الاختيار والتعيين شفافة، وعن طريق إجراء امتحانات عادلة، إلى جانب توفير إعانات مالية كافية ومكافأت للعاملين في تلك المؤسسات، تغنيهم عن الاختلاس والسرقة.

ولفت إلى أنه يمكن الحد من الفساد داخل مؤسسات الدولة عبر توفير تطبيقات ذكية لكافة المؤسسات المختصة بجمع الضرائب في الجمارك، ويمكن أن تلعب التكنولوجيا المتطورة دوراً في منع التهرب الضريبي والفساد في المؤسسات المالية.

وأوضح أن طريقة دفع الغرامات والضرائب هي مكمن الخلل في استشراء الفساد في ظل اعتماد طرق تقليدية في جمع إيرادات الدولة المحلية، وهذا ما يسهم في اختلاس وسرقة المال العام، لأن تداول العملة الورقية والإلكترونية يزيد صعوبة متابعة إيرادات الدولة والتدقيق فيها، ولهذا يجب توفير تطبيقات ذكية للمحاسبة والتدقيق بالشؤون المالية في الوزارات وهيئات الدولة.

وقالت مصادر "العربي الجديد" إن الحد من الفساد في هيئات الدولة الرسمية يمكن أن يقلص مستويات البطالة في أوساط الشباب، (70 في المئة) وأن يسهم بتنمية الاقتصاد المحلي، وذلك في وقت تشهد فيه قطاعات اقتصادية عدة نمواً كبيراً.

وكشفت الهيئة الوطنية للإحصاء، التابعة لوزارة التخطيط، أن معدل النمو الاقتصادي للبلاد بلغ 2.4 في المائة العام الماضي، وتضمن التقرير مؤشرات تدل على تعافي اقتصاد البلاد من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الأزمات البيئية نتيجة موجات التغير المناخي التي ضربت منطقة القرن الأفريقي.

وشرحت الناشطة والباحثة الصومالية أركسن إسماعيل في حديث مع "العربي الجديد" أن مكافحة الفساد هي خطوة إيجابية من قبل الحكومة الفيدرالية، وأنها يمكن أن تنهي جذور الفساد في الهيئات الحكومية، إذا كُتب لها الاستمرار، والقضاء على الحيتان الكبيرة التي تنمو داخل المؤسسات الرسمية، ويجب أن تشمل هذه الحملة الشخصيات الرفيعة داخل المجالس التشريعية والحكومة الفيدرالية، وأن يصبح الجميع تحت طائلة القانون والمحاسبة.

وأشارت أركسن، إلى أن الحد من الفساد يمكن أن يخلق فرص عمل لفئة الشباب، بعد انتعاش إيرادات الحكومة من خلال تحصيل مبالغ ضخمة كانت تذهب إلى جيوب الضالعين بالفساد، وهذا الخطوة يمكن أن تعطي بصيص أمل للشباب للاستفادة من إمكاناتهم وكفاءاتهم، كما تساهم في تمكين الكفاءات النسوية في العمل، والتي لم تنخرط بشكل أكبر في المؤسسات الرسمية نتيجة المحسوبية واستغلال السلطة والمناصب.

وأوضحت أركسن أن التهم التي وجهت حالياً لـ18 شخصاً كلهم ذكور، ما يعني أن الموظفات في الهيئات الحكومية أقل فساداً من أقرانهن من الرجال. وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد قال في حديث سابق له بمناسبة عيد الأضحى، إن الحرب ضد الفساد لا تقل أهمية عن الحرب ضد الإرهاب. وأكد أنه لا شفاعة للفاسدين داخل مؤسسات الدولة.

المساهمون