أقدمت الشرطة الفرنسية على تفريق المتظاهرين ضد مشروع "إصلاح نظام التقاعد" بالهراوات وقنابل الغاز، بعدما دُعوا إلى الحراك في الشارع اليوم الخميس، في أحدث تعبئة عشية قرار حاسم للمجلس الدستوري بشأن هذا المشروع الذي بات رمزاً للولاية الرئاسية الثانية لإيمانويل ماكرون.
وبعد حوالى ثلاثة أشهر من الاحتجاج، لا يزال من المتوقع خروج مئات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع فرنسا، لكن يبدو أنّ زخم التعبئة شهدت تراجعاً في أيام التحرك الأخيرة.
وتتوقع وزارة الداخلية خروج بين 400 ألف و600 ألف شخص إلى الشوارع، في مقابل 570 ألفاً في 6 إبريل/ نيسان و740 ألفاً في 28 مارس/ آذار.
في تولوز (جنوب شرق)، شاركت فيرونيك غوتاني (60 عاماً) التي تعمل لدى الخطوط الجوية الفرنسية، في جميع التظاهرات، وما زالت تأمل في "جعل الحكومة تتراجع" ولكن ليس لديها أوهام بشأن القرار الحاسم الذي سيصدر عن المجلس الدستوري.
وقالت إنه "بالنظر إلى تشكيلته (ستة من أعضائه عيّنهم إيمانويل ماكرون)، لا يمكن توقّع أي شيء على الإطلاق".
وتتجه كل الأنظار إلى المجلس الدستوري الذي يتخذ من باليه رويال (Palais Royal) مقرّاً في وسط باريس. وصباح الخميس، أوقف أربعة أشخاص بعد محاولة حصار وجيزة للمكان بعبوات قمامة وقنابل دخانية.
وسيعلن أعضاء المجلس الدستوري، غداً الجمعة، ما إذا كانوا يؤيدون أو يرفضون، جزئياً أو كلياً، الإصلاح الذي يعدّ تغييراً مهمّاً وينصّ على رفع سن التقاعد القانوني من 62 إلى 64 عاماً.
وقال مدير الشرطة إنّ المكان ومحيطه سيُمنعان أمام أي تظاهرة ابتداءً من مساء الخميس وحتى صباح السبت.
من جهته، أكد المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران أنّ "المجلس الدستوري ينبغي أن يتمتع بالهدوء"، مطالباً بأن "يُحترم (قراره) من الجميع".
"سنلتقي مجدّداً"
مع ذلك، لا تزال هناك بعض بؤر الاضطرابات في البلاد. غير أنّ الاضطرابات تبدو أقل بكثير من تلك التي شهدتها بداية التعبئة في قطاعات النقل، من السكك الحديد إلى الطيران وقطارات الأنفاق.
في هذا الإطار، تمّ الإبلاغ عن تعطيل العمل في مدارس ثانوية وجامعات في عدّة مدن، من بينها ليل (شمال) وباريس وستراسبورغ (شرق).
كذلك، تحرّك موظّفو المصافي، من دون أن يؤدّي ذلك إلى تعطيل نشاطها بشكل كبير. من جهة أخرى، دعا الاتحاد العمالي العام (CGT) العاملين في مجال جمع القمامة في باريس إلى إضراب جديد اعتباراً من الخميس.
وكانت حركة هؤلاء العاملين، الذين لم يجمعوا القمامة على مدى ثلاثة أسابيع في العاصمة الفرنسية في مارس، من أبرز مظاهر الأزمة.
وقالت الأمينة العامة للاتحاد صوفي بينيه، من محرقة النفايات في إيفري سور سين قرب باريس، التي أغلقها المتظاهرون مجدّداً، "هذا ليس آخر يوم من التعبئة، سنلتقي مجدداً كثيراً".
في هذه الأثناء، جرت عمليات إغلاق أخرى في عدّة مدن في الغرب، خصوصاً في كان وبرست ورين، حيث أغلقت محطّات حافلات أيضاً.
في باريس، اجتاح المتظاهرون لفترة وجيزة المقرّ الباريسي لمقر مجموعة لوي فيتون للسلع الفاخرة في شارع الشانزيليزيه، بقنابل دخان وصفّارات.
"روح توافقية"
بعد تمرير الحكومة القانون من دون تصويت في 20 مارس استناداً إلى نص دستوري يسمح بذلك سيكون قرار المجلس الدستوري الجمعة الخطوة الأخيرة قبل إصدار النص ودخوله حيز التنفيذ. ويريد ماكرون بدء تطبيقه بحلول نهاية العام الحالي.
ويبدو من غير المرجح أن يرفض المجلس، المكلّف التأكد من دستورية القوانين، الإصلاح بأكمله. لكن يمكن لأعضاء المجلس الدستوري من ناحية أخرى تخفيف النص بشكل واسع أو محدود، وتعزيز حجج الجبهة النقابية المشتركة لصالح تعليق الإصلاح أو سحبه.
ويفترض أن ينظر المجلس أيضاً في إمكانية قبول إجراء استفتاء تطلبه المعارضة اليسارية، وهو إجراء ينبغي أن يجمع 4.87 ملايين توقيع للسماح بتنظيم مشاورة حول النص.
ومن هولندا، مدّ ماكرون اليد إلى النقابات التي يقيم معها علاقات متوترة جداً، مقترحا عليها لقاء "بروح توافقية" بعد قرار المجلس الدستوري.
وتعدّ فرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سنّ للتقاعد ولو أنّ أنظمة التقاعد غير متشابهة ولا يمكن مقارنتها تماماً.
ويعتبر معارضو الإصلاح التعديل "غير عادل" خصوصاً للنساء والعاملين في وظائف صعبة، فيما تبرر السلطة التنفيذية المشروع بالحاجة إلى الاستجابة للتدهور المالي لصناديق التقاعد وتشيخ السكان.
(فرانس برس)