تواصل الحكومة المصرية رفع أسعار العديد من الخدمات الضرورية ومنها الوقود والكهرباء رغم تصاعد معاناة الشارع الذي أصبح على حافة الانفجار المجتمعي، الأمر الذي دفع نواباً في البرلمان إلى المطالبة بتأجيل قرارات رفع الأسعار، محذرين من غليان شعبي.
رفضت الحكومة الاستجابة لطلب نواب بالبرلمان وقف تطبيق الشريحة الخامسة من برنامج رفع الدعم عن أسعار الكهرباء، المقررة منذ عام 2015، بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي. وقررت وزارة الكهرباء تطبيق الزيادة في فواتير الاستهلاك مع فواتير الاستهلاك الصادرة في مطلع شهر يوليو/ تموز المقبل، على أن تبدأ محاسبة المستهلكين بالسعر الجديد منذ بداية يونيو/ حزيران الجاري.
برر النواب في طلبهم العاجل للحكومة، الأحد الماضي، تأجيل الزيادة برغبتهم في تخفيف المعاناة عن المواطنين، إذ قال النائب مصطفى بكري، المقرب من الأجهزة الأمنية، إن "الشارع يغلي من زيادة الأسعار التي أصبحت شديدة الأثر على المستهلكين من كل الطبقات الاجتماعية".
وتجاهلت الحكومة نداءات الغرف الصناعية وجمعية رجال الأعمال، الذين طالبوا في خطابات رسمية للحكومة بخفض أسعار الطاقة للمصانع أو محاسبتهم على الاستهلاك الفعلي بدلا من المحاسبة على قيمة الكميات المتعاقد على شرائها من شركات التوزيع بسبب توقف 88% من المصانع، في ظل تعطّل واردات مدخلات الإنتاج من الخارج.
ولم يتوقف الأمر عند رفع قيمة فواتير الكهرباء فقط، بل امتد إلى الوقود، إذ قالت مصادر خاصة في مجلس النواب لـ"العربي الجديد"، إن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع بعض أنواع الوقود في مصر بشكل ربع سنوي، من المرتقب أن تقر زيادة جديدة في أسعار بيع البنزين بأنواعه الثلاثة، بقيمة 25 قرشاً (الجنيه = 100 قرش) لليتر لأشهر يوليو/ تموز وأغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2022، وهي الزيادة السادسة على التوالي بإجمالي 1.5 جنيه لليتر.
تراجع الاستهلاك
وكانت وزارة الكهرباء قد أوقفت العمل بمحطات توليد الكهرباء من الديزل والمازوت، وقامت بتعطيل العمل 3 أيام أسبوعيا في محطات التوليد العاملة بالغاز الطبيعي، بعدما تراجعت كميات الاستهلاك على مستوى الجمهورية بما يعادل 50% من قدرات التوليد المركبة على الشبكة الكهربائية الموحدة.
استثنت الوزارة محطات التوليد الثلاث التي تديرها شركة سيمنز الألمانية في العاصمة الإدارية الجديدة والبرلس، شمال الدلتا، وبني سويف بالصعيد، بقدرات توليد 14 ألفا و800 ميغاوات، من برنامج الوقف الأسبوعي عن العمل، لتضمن للشركة الألمانية الحد الأقصى للتشغيل ودفع مستحقاتها المالية بالكامل وفقا للعقد المبرم بين الوزارة والشركة، والذي يقضي بتشغيل وإدارة المحطة وصيانتها وبيع الإنتاج الكلي للدولة قبل نقل ملكية أصولها للوزارة عام 2024. تبلغ كلفة المحطات الثلاث 6 مليارات يورو، تصل إلى 8 مليارات يورو بفوائد القرض وقيمة التشغيل والإدارة والصيانة لمدة 8 سنوات، بدأت عام 2016.
وكشفت التقارير الرسمية لمركز التحكم القومي في الطاقة التابع للشركة القابضة لكهرباء مصر، والتقرير اليومي لـ"مرصد الطاقة" الذي يصدره جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، عن ارتفاع قدرات التوليد المركبة فعليا بمحطات الكهرباء بالبلاد إلى 60 ألف ميغاوات مع بداية العام الحالي. أكدت التقارير أن الحمل الأقصى لإنتاج الكهرباء، وقت الذروة المسائية، بلغ مساء الاثنين 6 يونيو 2022، نحو 31 ألف ميغاوات، مقابل 30 ألفا و900 ميغاوات مساء الأحد الماضي، بينما بلغ الحمل الأدنى للفترة الصباحية نحو 23 ألفا و411 ميغاوات.
غلاء الفواتير رغم وجود فائض
وتؤكد مؤشرات إنتاج الكهرباء وجود فائض ضخم من الكهرباء لا يحتاجه المستهلكون من كافة القطاعات بالدولة، حيث تبلغ نسبة الاستهلاك المنزلي 41.7% من قدرات التوليد الحالية، بينما يحتاج القطاع الصناعي لنحو 27.8%، والإدارات الحكومية والتجارية 8%.
ويشير خبراء إلى أن الفائض الكبير في الطاقة دفع وزارة الكهرباء إلى وقف تشغيل المحطات العملاقة، التابعة لشركات الإنتاج الحكومية، التي أنفقت ما قيمته 32 مليار دولار على إنشاء بعضها وتطوير المتهالك منها، وعدم المساس بالامتياز الممنوح للشركة الألمانية بقرارات سيادية، مع صعوبة تصدير فائض الطاقة إلى الدول العربية، بسبب ضعف قدرات شبكات النقل، وعدم الانتهاء من بعض خطوطها التي تصل بين شبكات النقل في مصر والأردن والسعودية، وجنوبا إلى السودان.
توضع مصادر لـ"العربي الجديد"، فضلت عدم الإفصاح عن هويتها، أن كثرة الديون الخارجية والمحلية على قطاع الكهرباء لتنفيذ محطات معطلة فعليا عن العمل تقف وراء إصرار الحكومة على رفع أسعار الكهرباء، التزاما باتفاقها المسبق مع صندوق النقد الدولي، وأملا في تدبير الموارد المالية لدفع قيمة الديون، وتخفيض بدلات التشغيل والحوافز والأرباح للعاملين في القطاع، وتمهيدا لرفع الكهرباء من قوائم الدعم السنوي من الدولة، مع تطبيق المرحلة السادسة والأخيرة لرفع أسعار الطاقة في مطلع يوليو 2024.
تتوقع الشركة القابضة لكهرباء مصر تزايد استهلاك الطاقة خلال شهر أغسطس/ آب المقبل، ما بين 3% و4%، على أقصى تقدير، مع ارتفاع درجات الحرارة. وتشير دراسات أجراها خبراء مصريون بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، إلى انخفاض ذروة الطلب على الطاقة في مصر خلال المرحلة المقبلة متأثرة بزيادة أسعار الكهرباء وترشيد الاستهلاك، لتتراجع من النمو بنسبة 4.1% سنويا، إلى 3.4%، حتى عام 2040.
يعتبر معدل استهلاك الفرد سنويا في مصر من المعدلات المنخفضة عالميا، حيث يصل إلى 1510 كيلووات سنويا، بما يمثل نصف استهلاك المواطن في أوكرانيا وثلث استهلاك المواطن في ماليزيا وأقل من 10% في الإمارات.
غلق المصانع يرفع الأسعار
يؤكد عضو بجمعية رجال الأعمال بغضب، عدم استماع الحكومة إلى طلب تأجيل رفع أسعار الطاقة، في وقت تواجه فيه المصانع الغلق الإجباري، بسبب وقف استيراد مستلزمات المصانع من الخارج، وتزداد الأسعار على المواطنين بما يفجر أزمة اقتصادية خانقة.
وأرجع المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، عدم قدرة النواب أو المواطنين على ضبط أسعار الكهرباء، لاستمرار الحكومة في احتكار إنتاج الطاقة وبيعها للجمهور.
وتشكل الحكومة مجلس إدارة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك بقرار من رئيس الوزراء، فأصبحت هي صاحبة سلعة احتكارية، وتحدد الأسعار وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة، بغض النظر عن تضرر الآخرين، حسب المصدر نفسه.
وتوضح مصادر مطلعة أن الديون المتراكمة على قطاع الكهرباء سترتفع قيمتها خلال المرحلة المقبلة، مدفوعة بزيادة الفوائد البنكية، محليا ودوليا، مع زيادة تكاليف التشغيل والصيانة والعمالة والوقود، بما سيؤدي إلى استمرار الشركات في فرض الأسعار بدون سقف زمني.