السيسي وخفض الأسعار.. من الوعود إلى المقاطعة

31 مارس 2019
+ الخط -
من الوعود المتواصلة بخفض أسعار السلع والخدمات وتخفيف العبء عن الأسر الفقيرة، إلى دعوات بالمقاطعة وحثّ المصريين على تغيير سلوكهم الإنفاقي.

هكذا تعامل السيسي مع أزمة ارتفاع الأسعار التي اشتعلت في ولايته الأولى ثم الثانية، فقبل تولّيه الحكم وعد السيسي المصريين بالمن والسلوى والرخاء والرفاهية، وبعد توليه منصبه وعد مرات كثيرة وفي مناسبات عديدة بخفض الأسعار التي ازدادت بشكل قياسي، وخاصة في مرحلة ما بعد تعويم الجنيه المصري في شهر نوفمبر 2016 وباتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي.

وبعدما كان معدل التضخم يبلغ 11% فقط في يناير 2011، شهر الثورة المصرية، وأقل من هذا الرقم في العام 2012 وحتى منتصف العام 2013، سجّل المعدل أكثر من 32.5% في شهر مارس 2017، وهو أعلى مستوى له منذ 75 عاماً، بل كان المعدل الأعلى منذ الأربعينيات، أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945، ثم تراجع المعدل إلى 14.4 في فبراير 2019.

بل وعد السيسي المصريين بعدم حدوث زيادة في الأسعار، حتى ولو ارتفع سعر الدولار كما قال في إحدى المناسبات، إذ يلعب الدولار دورا مهماً في تحديد حركة الأسعار داخل الأسواق، حيث أن مصر تستورد نحو 60% من احتياجاتها الغذائية من الخارج.


لكن هذه الوعود تبخرت بسبب قرارات حكومية وليس بسبب سلوكيات المستهلكين أو جشع التجار كما يتردد دائماً، ومن بين هذه القرارات زيادة الرسوم الجمركية على مئات السلع المستوردة أكثر من مرة، وتقييد حركة الاستيراد وعدم توفير النقد الأجنبي للمستوردين في بعض الأوقات، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه، وهو ما رفع كلفة الانتاج ودفع الشركات الصناعية إلى زيادة الأسعار، وزيادة سعر الدولار الجمركي أكثر من مرة أيضاً.

كما اشتعلت أسعار السلع عقب قفزة سعر العملة الأميركية من 8.8 جنيهات إلى نحو 18 جنيهاً قبل أن يتراجع السعر منذ نهاية يناير الماضي ليدور حالياً حول 17.32 جنيهاً.

ورغم التراجع الأخير في سعر الدولار، وقبله التراجع الحادّ في أسعار النفط والغذاء عالمياً (مصر أكبر مستوردي القمح في العالم)، إلا أن الأسعار واصلت ارتفاعها في الأسواق المحلية، لدرجة باتت معها ملايين الأسر تعجز عن ملاحقة الزيادات وخاصة في السلع الغذائية والأساسية، ولجأت الأسر إلى المقاطعة الاجبارية للكثير من السلع بسبب ضعف قدرتها الشرائية ونقص السيولة المتاحة لديها.

وبدلاً من أن يخرج السيسي على المصريين بقرارات حاسمة تخفض الأسعار الملتهبة منذ سنوات، دعا أمس السبت لمقاطعة السلع المرتفعة السعر، قائلا "الأسعار عايزين تسيطروا عليها.. الحاجة (السلعة) اللى تغلى متشتروهاش .الموضوع بسيط. والله والله والله أي حد بيبيع ويشترى عايز يكسب وينجح لو لقى نفسه الأسعار بتاعته فيها مغالاة والناس مرحتش تشترى السلع دى هتنزل الأسعار".

هذه الدعوة يمكن أن تخرج من جمعية أو مؤسسة تدافع عن حقوق المستهلكين أو عن منظمة مجتمع مدني أو عن غروبات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أن تخرج من رأس الدولة فهذا أمر ملفت، لأن الدولة ليس من مهامها دعوة الناس لمقاطعة السلع، بل مهمتها الأساسية هي توفير السلع في الأسواق وبأسعار تتناسب مع دخول المستهلكين وظروفهم المعيشية، لأن توافر السلع وزيادة المعروض منها سيقلل سعرها بشكل تلقائي طبقاً لنظرية العرض والطلب، ومن مهام الدولة تشديد الرقابة على الأسواق ومواجهة عمليات الاحتكار وتخزين السلع.

كما أن مقاطعة السلع ليست الحل الأمثل لمواجهة ظاهرة زيادة الأسعار، لأن المقاطعة يمكن أن يترتب عليها أضرار بالغة بالاقتصاد الوطني والمنتجين والشركات وحصيلة الضرائب، وقد تدفع المصانع لخفض العمالة بها تقليلاً للنفقات وكلفة الإنتاج، كما تؤثر سلبا على حصيلة الضرائب.

دعوة السيسي المصريين إلى مقاطعة السلع هي بمثابة إلقاء الكرة في ملعب المواطن أو المستهلك، والتخلي عن دور الدولة في توفير السلع بأسعار مناسبة والرقابة على الأسواق.