استفحلت السوق السوداء في سورية، لتبلع نحو 90% من الاقتصاد، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، في حين تبلغ النسبة رسمياً أكثر من 40%.
وتقسم جمعية العلوم الاقتصادية السورية اقتصاد الظل إلى نوعين؛ الأول نشاط قانوني لكنه غير مرخص، ويُعرف باسم "الاقتصاد غير الرسمي"، إذ لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، أما النوع الثاني فيعرف بـ"اقتصاد الجريمة أو الأسود" وتندرج ضمنه الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار والمتاجرة بالبشر.
وتُرجع الجمعية المتخصصة وغير الحكومية بسورية أسباب انتشار اقتصاد الظل إلى عوامل عدة، أبرزها تراجع دور الدولة والقوانين المختصة، انخفاض دخل الفرد وارتفاع معدل الإعالة، عدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل للقادمين إلى سوق العمل، ندرة السلع وانتشار السوق السوداء، عدم مرونة التشريعات الاقتصادية، وغيرها.
وفي هذا السياق، يرى الصناعي السوري، محمد طيب العلو، أن "جميع الأسباب اجتمعت لتنامي اقتصاد الظل"، سواء ارتفاع الضرائب وغلاء مستلزمات الإنتاج وعدم توفر حوامل الطاقة، أو هجرة العمالة وقلة القدرة الشرائية للمستهلكين، لأن اقتصاد الظل يطرح السلع بأسعار منافسة "لكنها غير مراقبة داخل المنشأة"، ما يعني وجود خطورة على صحة المستهلك، خصوصاً بالنسبة للسلع الغذائية، وآثار على الخزينة العامة بسبب التهرب الضريبي.
ويضيف العلو لـ"العربي الجديد" أن هذا الاقتصاد غير الشرعي أو غير المنظم بات واقعاً بسورية، يراه ويعرفه المسؤولون ويرون إنتاجه بالأسواق، لكن غض النظر عنه يعود لأسباب كثيرة، منها امتصاص جزء كبير من البطالة وتأمين معظم احتياجات السوق، إضافة إلى دور "اقتصاد الظل الأسود" بغسيل الأموال والتهرب من الرقابة الدولية، وذلك يخدم نظام بشار الأسد خلال فترة الحرب، بحسب الاقتصادي السوري.
وفي حين يقدر اقتصاديون تنامي اقتصاد الظل، من نحو 30% من حجم الاقتصاد عام 2010 إلى نحو 90% اليوم، تشير الأرقام الرسمية وتصريح سابق نائب رئيس الوزراء الأسبق عبد الله الدردري إلى أنّ الاقتصاد غير الشرعي والمرخص، كان يشكل 42% عام 2011 ويستوعب نحو 43% من قوة العمل ويساهم بأكثر من 35% من إجمالي الناتج المحلي.
ويقول الاقتصادي السوري، محمود حسين لـ"العربي الجديد" إن انسحاب حكومة بشار الأسد، خصوصاً بعد عام 2011، من تأمين المواد الأولية والمحروقات، بالتوازي مع تفشي الإتاوات وارتفاع الضرائب، ساهم باتساع هذا القطاع غير المنظم، لكن دخول "الاقتصاد الأسود" وبرعاية رسمية من حكومة الأسد أو مشاركة منها، كما نرى بالمخدرات والتهريب، زاد من مخاطر تقنينه لاحقاً ومن مخاطره على الأسواق والصحة".
وحول الشق الإيجابي بهذا القطاع، يضيف حسين إلى أنه يوفر فرص عمل بواقع انسحاب دور الدولة وانحسار الفرص بالقطاع الحكومي.
يقدر اقتصاديون تنامي اقتصاد الظل، من نحو 30% من حجم الاقتصاد عام 2010 إلى نحو 90% اليوم
من جهته، يقول مستشار التنمية الإدارية وتطوير الأعمال، نبراس شاليش، إن اقتصاد الظل يشمل وفق المعيار القانوني أنشطة شرعية لكن غير موثقة، حيث لا يخضع جزء من النشاط للرقابة والإحصاء. ويضيف شاليش خلال تصريحات صحافية سابقة أنّ تنامي اقتصاد الظل يضر أيضاً بالمنظومة الاجتماعية فالعمالة في ظله ستكون من دون حصانة تحمي حقوقها كما يحدث في تشغيل الأطفال المتسربين من المدارس.
ولا يلقى هذا القطاع أذناً لدمجه بالاقتصاد السوري، رغم الدعوات المتكررة التي يطلقها مسؤولون حكوميون ورؤساء المنظمات الاقتصادية غير الحكومية، كالتي دعا إليها رئيس اتحاد غرف الصناعة بسورية فارس الشهابي، مؤخراً، من إجراءات تصحيحية في الاقتصاد من أجل دمج اقتصاد الظل وإعادة دوران عجلة الإنتاج، مطالباً بجملة إجراءات، منها إعفاء المتضررين من الغرامات والفوائد، وجدولة القروض المتعثرة، وحماية الصناعة النسيجية وغيرها.