أسفرت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن حدوث انهيار في كل شيء داخل السودان، وتدمير مقومات الدولة الحالية وأصول أجيالها المستقبلية، بحيث لم تعد هناك مقومات للدولة أصلا، سواء من الناحية الاقتصادية أو المالية أو المعيشية.
فقد نهبت عصابات وأفراد كل شيء وقعت عليه أعينهم ووصلت إليه أيديهم في ظل فوضى شاملة تعيشها البلاد، وباتت أعمال السلب والسرقة ظاهرة جماعية تشهدها الدولة في ظل اشتعال حرب شرسة بين قوات نظامية ومليشيات مسلحة.
وعمقت من تلك الظاهرة الخطيرة الفوضى التي أحدثتها المليشيات والتي باتت تحرق وتدمر كل شيء، حتى لو أدى ذلك إلى إفلاس الدولة لاحقا، وقبلها اختفاء السلع من الأسواق وتجويع وإفقار ملايين السودانيين.
وسط هذا الدمار الشامل، يقف الطرفان المتحاربان يتبادلان الاتهامات والمسؤولية بشأن المتسبب في تطبيق "سياسة الأرض المحروقة"
ووسط هذا الدمار الشامل، يقف الطرفان المتحاربان يتبادلان الاتهامات والمسؤولية بشأن المتسبب في تطبيق "سياسة الأرض المحروقة"، وللأسف، يتغاضى كل طرف عن مواجهة ظاهرة حرق ونهب المزيد من البنوك والمحال وتخريب بعض الأفراد ما تبقى من أنشطة اقتصادية ومالية.
ومنذ منتصف شهر إبريل/نيسان الماضي، امتدت يد النهب إلى أكثر الأنشطة الاقتصادية حساسية لدى المواطن، وهو القطاع المصرفي، فقد نُهبت العصابات عشرات المقار الرئيسية للبنوك وشركات الصرافة، وعبث اللصوص بخزائن تلك البنوك وأفرغوها من العملات، كما قاموا بتدمير ماكينات الصرف الآلي ATM ومحاولة تفريغها من السيولة النقدية.
وامتدت يد العبث إلى بنك السودان المركزي حيث نشب حريق ضخم في فرعه الرئيس بالعاصمة الخرطوم، وبدلا من أن يسارع طرفا الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى إبعاد البنوك عن دائرة الصراع المحتدم، راحا يغضان الطرف عن تسهيل وتنفيذ عمليات النهب والسطو على عدد من فروع البنوك في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى تعد ساحة مفتوحة للقتال، وهو ما أثار مخاوف المودعين على أموالهم في تلك البنوك، كما دفع ذلك التغاضي الرسمي مئات السودانيين العاملين في الخارج نحو التوقف عن تحويل النقد الأجنبي إلى الداخل عبر البنوك.
لا تقف عمليات السطو والنهب على البنوك والصرافات والمؤسسات المالية، بل امتدت إلى مجمع الذهب الرئيسي في الخرطوم، الذي شهد قبل أيام عمليات تخريب ونهب أسفرت عن خسائر فادحة للتجار قدرت بمليارات الجنيهات.
لا تقف عمليات السطو والنهب على البنوك والصرافات والمؤسسات المالية، بل امتدت إلى مجمع الذهب الرئيسي والشركات والمحال والمؤسسات الخاصة
وامتدت يد السلب أيضا إلى الشركات والمحال التجارية وأصول الشركات الموجودة في العاصمة والمدن التي تحولت إلى ساحة قتال وموقع محصن للمتحاربين.
في ظل هذه الأجواء الخطيرة التي انعكست بشكل كبير على المشهد الاقتصادي والمالي، انتشرت العصابات المنظمة والمتخصصة في تنظيم عمليات السرقة والنهب والتي يطلق عليها اسم "النيقرز".
يساعدها في ذلك انفلات أمني غير مسبوق تعانيه البلاد منذ ما يقرب من الشهرين، وفرار مئات المحكومين من السجون السودانية منذ بدء الاشتباكات في منتصف شهر إبريل /نيسان الماضي.
ومع تكرار عمليات السلب للقطاع المصرفي، باتت أموال المودعين في خطر شديد وحقيقي، ولن يكفي هنا خروج بنك السودان المركزي ببيانات من وقت لآخر تطمئن المودعين وأصحاب الحسابات المصرفية بأن أموالهم في القطاع المصرفي بأمان، وأن عمليات النهب أو السرقة لبعض فروع البنوك التجارية لا تؤثر على ودائع العملاء في تلك البنوك، فالواقع يقول إن البنوك السودانية عادت إلى عصر ما قبل النحاسة وفترة التخلف في أداء الخدمات المصرفية الحديثة، وإن خطوات تطوير الأنشطة المصرفية عادت إلى نقطة الصفر.
الواقع يقول إن البنوك السودانية عادت إلى عصر ما قبل النحاسة وفترة التخلف في أداء الخدمات المصرفية الحديثة
اللافت هنا أنه لم يعرف عن الشعب السوداني ارتكابه مثل هذه الممارسات الشاذة من أعمال سلب ونهب وحريق وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، فمن أين تأتي تلك العصابات التي تثير الذعر داخل القطاعات الاقتصادية، ومنها البنوك والمحال التجارية؟
أم أن الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب وغلاء الأسعار واختفاء السلع من الأسواق وأرفف المحال في ظل تلك الحرب هو الذي قاد نفراً من السودانيين نحو ارتكاب مثل هذه الأمور غير الأخلاقية.