استحوذت السلع التركية على مساحات أكبر من السوق المصرية، لتزيح السلع الصينية التي كانت تحظى بحضور طاغ في مختلف القطاعات، إذ استفاد المصدرون الأتراك بشكل كبير من تهاوي الليرة التركية، فضلاً عن مشاكل التوريد التي طاولت المنتجات الصينية خلال العام الماضي وارتفاع تكاليف شحنها بشكل حاد.
وفاجأت المصانع والشركات صاحبة العلامات التركية الشهيرة للملابس، المستهلكين المصريين بتقديم تخفيضات تتراوح بين 30% و70%، مع منافسة حادة للماركات العالمية والمحلية في أسابيع التسوق الشهيرة التي بدأت مما يطلق عليها "الجمعة البيضاء" في مصر ومختلف العربية منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وبينما توقفت التخفيضات، الأسبوع الماضي، في أغلب الأسواق المصرية، استمر الوكلاء المصريون للعلامات التركية، في تقديم نفس التخفيضات، بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد، التي تتزامن أيضاً مع موسم الشراء في فصل الشتاء.
وفي جولة ميدانية بالأسواق، رصدت "العربي الجديد" زحاماً ملحوظاً على شراء الملابس من فروع المحلات في المولات (المجمعات التجارية الكبرى) مثل توكيلات De Facto ، Lc Waikiki للملابس، وKorkanaz لأدوات المائدة، مع انخفاض ملحوظ لحركة الإقبال على المحلات المنافسة لها.
المولات والأسواق الشعبية
ولم تتوقف المنافسة عند "المولات" الكبرى، بل اشتدت سخونتها في أسواق الجملة الرئيسية في وسط القاهرة، في سوقي الموسكي والعتبة للملابس والمفروشات بأنواعها والمنتجات الجلدية. كما انتقلت المنافسة إلى الأسواق الشعبية الكبرى في الضواحي بمناطق أبو النمرس جنوب العاصمة، والمحلة الكبرى والمنصورة في الدلتا والمنشية بالإسكندرية (شمال).
وبخلاف الملابس، بدت الشركات المصرية قلقة من السجاد التركي رغم فرض رسوم جمركية تبدأ من 45% على واردات السجاد الأجنبي بصفة عامة.
وأدى تراجع الليرة التركية أمام الجنيه المصري والدولار الأميركي، إلى زيادة الواردات التركية، خلال العام الماضي بنسبة 20% والمتوقع استمرار نموها إلى 25% خلال العام الجاري 2022، وفقا لتصريحات صحافية أخيرة لعضو مجلس إدارة شعبة المستوردين في الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، متى بشاي، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين.
ووفق بشاي، فإنّ هبوط سعر العملة التركية أدى إلى تأثيرات إيجابية على انخفاض أسعار السلع التركية بالأسواق، وقيمة التكلفة الاستيرادية، مع سهولة حركة النقل البري والجوي بين البلدين.
وفي تصريحات سابقة لوكالة "الأناضول" قال أتيلا أتاسون، رئيس جمعية رجال الأعمال التركية - المصرية، إنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 5 مليارات دولار، العام المالي 2020-2021، حيث ورّدت مصر لتركيا منتجات بنحو ملياري دولار، متوقعا ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين ما بين 3 ـ 4 أضعاف خلال المرحلة المقبلة.
الليرة تخسر 44% من قيمتها
وفقدت الليرة التركية نحو 44% من قيمتها في مقابل الدولار العام الماضي، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أخيراً للحد من انهيار العملة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي عن إجراءات لحماية الودائع بالليرة من تقلبات القيمة لتقليص اكتناز الدولار، بعدما هبطت العملة إلى أدنى مستوى لها عند 18.36 مقابل الدولار منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
واستعادت الليرة نحو 50% من خسائرها في أعقاب هذه الإجراءات، ليصل الدولار إلى أقل من 11 ليرة، لكن سرعان ما عاودت الهبوط، لتصل أخيراً إلى 13.87 للدولار الواحد.
الملفت للنظر أنّ حركة التبادل التجاري تخطت المؤسسات الرسمية والشركات المتعاملة بين السوقين، فقد نشطت حركة التجارة الفردية التي يمارسها مواطنون يسافرون إلى تركيا بتأشيرات سياحية، لجلب احتياجات العرائس ومحلات الملابس وأدوات المائدة بصفة خاصة.
كما تتبادل الأسر المصرية المقيمة في تركيا مع معارفهم في مصر نقل المشتريات عبر شركات الشحن الجوي والعبارات، لتحقيق أرباح مالية جيدة، بسبب اختلاف قيمة العملة.
وتحمل تلك الحقائب عادة منتجات مصرية بداية من المأكولات الشعبية مثل الفسيخ والعسل الأسود والفطائر إلى الفاكهة كالمانجو والخبز البلدي والفطائر.
ورغم التضييق الأمني على المسافرين ومطالبتهم بدفع مبالغ جمركية باهظة على مشترياتهم الزائدة عما تحدده مصلحة الجمارك المصرية، فإن كثرة مواقع البيع والتسوق المنتشرة حاليا عبر الإنترنت تبرز نمو الظاهرة في الأشهر الأخيرة، بعد أن أصبحت البضائع التركية لها من المكانة والشهرة والسعر المنخفض بما يجعلها جاذبة للعملاء في أنحاء البلاد.
جودة الملابس التركية
ويعبر أحد المواطنين عن رأيه بقوله:" أحياناً، يكون ارتداء ملابس تركية رسالة احتجاج على السياسيين الذين يريدون قطع علاقات الشعوب فيصلونها بأنفسهم ويعلنون عن ذلك صراحة بما يرتدونه، من دون إمكانية وقوعهم تحت بطش العقوبات".
وتستورد مصر عادة الملابس التركية، لارتفاع جودتها أسوة بمثيلاتها الأوروبية، فضلا عن تناسبها مع أغلبية الجمهور المحافظ، وتجهيزات العرائس، بالإضافة إلى مواد التجميل والمكسرات، ومنتجات الطاقة والتدفئة والتنظيف وأدوات زراعية ومدرسية وغيرها من المنتجات، ما جعل الميزان التجاري يميل عادة لصالح تركيا، بما دفع بعض الأصوات السياسية إلى مطالبة السلطات المصرية، بوقف العمل باتفاق التجارة الحرة بين البلدين، بينما كانت مصر قد أوقفت في 2014 العمل فقط باتفاقية الخط الملاحي المعروف باسم "الرورو" بين مصر وتركيا والموقعة خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.
ويقول عمرو عادلي، الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في دراسة تحليلية عن العلاقات التجارية المصرية ـ التركية "إن حفاظ مصر على اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا يرجع كذلك في المقابل إلى زيادة صادراتها من السلع المصنعة إلى تركيا، ما يعني أن الإلغاء ستترتب عليه عواقب وخيمة على المصنعين المصريين ويحرمهم من أسواق أجنبية مهمة في فترة حرجة".
ورغم الانخفاض الكبير في قيمة الليرة التركية عام 2021، فإنّ العديد من المنتجات المصرية حافظت على معدلات صادراتها إلى تركيا، خاصة المواد الغذائية الطازجة والمعلبة، ولأول مرة يتم تصدير المواد الخام وعلى رأسها البليت (خامات الحديد) والبروبلين ومشتقات البترول، والمنتجات القطنية والبوليستر وقطران الفحم والبترول، والأسمدة النتروجينية، التي وجدت صعوبة في الوصول للأسواق الدولية وخاصة الصين وشرق أوروبا بسبب مشاكل سلاسل التوريد، وتحولت تركيا إلى منفذ بيع أو منطقة عبور لتلك المنتجات عبر الوكلاء الأتراك لوسط آسيا وشرق أوروبا.