ضمن برنامج الاستكشاف المكثف الذي بدأته شركة "معادن" السعودية عام 2022، جاء إعلان الشركة، أخيراً، عن اكتشاف كميات كبيرة من الذهب، تمتد على مسافة 125 كيلومتراً في مناطق "منصورة ومسرة"، ليدعم تفاؤلاً بأن تكبح عوائد تلك الاكتشافات من تباطؤ تنفيذ مشروعات رؤية المملكة 2030، الذي أعلنه وزير المالية، محمد الجدعان، في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكشفت نتائج التنقيب عن "عروق" ممتدة من المعدن النفيس في مناطق الاكتشاف، بتوقعات بلوغ حجم موارد الذهب حوالى 7 ملايين أونصة، مع قدرة إنتاجية تصل إلى ربع مليون أونصة سنوياً، حسبما أورد بيان الشركة السعودية.
وقدم هذا الكشف مؤشراً على الإمكانات غير المستغلة للثروات المعدنية في السعودية، التي تضاف إلى حجم متزايد من الثروات المكتشفة، إذ تدير شركة معادن 7 مناجم للذهب بالإضافة إلى منجم نحاس.
ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي (السيادي)، الذي يقدر حجمه بحوالى 700 مليار دولار، حصة قدرها 67% من شركة معادن، ويأتي التوسع بنشاط الشركة ضمن خطة سعودية أشمل للتخلي تدريجياً عن الاعتماد على النفط في إطار رؤية 2023.
3 رسائل
يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ السعودية أطلقت، وفق رؤية 2030، الإمكانات الكامنة في قطاعات اقتصادية مختلفة، ومنها قطاع التعدين، الذي ينظر إليه باعتباره الركيزة الثالثة لاقتصاد المملكة، وأحد أهم القطاعات التي يمكن أن تقلّل من الاعتماد على قطاع النفط، أو تكبر حجم الناتج المحلي الإجمالي، بما يعني أنه أحد المرتكزات المهمة في تنويع الاقتصاد السعودي.
وبناءً على ذلك، هناك الكثير من الإعلانات التي تصدر عن السعودية في الاكتشافات المتعلقة بالمعادن المختلفة، تقدم أكثر من رسالة: الأولى للمستثمرين، وهي أنّ المملكة لديها إمكانات كبيرة كامنة، وأنّ الفرصة سانحة أمامهم ليستفيدوا كثيراً من الاستثمار في قطاع التعدين، وأنّ الدولة تملك ثروة في باطن الأرض تنطوي على احتياطيات كبيرة من المعادن تُقدَّر قيمتها بحوالى 1.3 تريليون دولار، بما تعادل قيمة 16 مليار برميل من النفط.
وتوجه السعودية الرسالة الثانية لمواطنيها، بحسب عايش، ومفادها أن هناك موارد أخرى يمكن أن تعوض الانخفاض بأسعار النفط، في ظل تراجع الإيرادات النفطية لأسباب تتعلق بالتخفيض الطوعي والجماعي للإنتاج، وأوضاع الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصاد الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، التي خفضت من الطلب على النفط، وبالتالي قللت من أسعاره.
أما الرسالة الثالثة، فتوجهها السعودية لعموم المراقبين بأنّ بعض مشاريع رؤية 2030 يتأجل أو يتباطأ الإنجاز فيه على وقع تراجع الإيرادات، لكن إيرادات قطاع التعدين يمكن أن تساهم بالاستمرار في هذه المشروعات مستقبلاً، بحسب عايش.
وتشترك هذه الرسائل جميعاً في الإشارة إلى الإمكانات الكامنة الهائلة لدى السعودية في قطاع التعدين وإمكانية جذبه لاستثمارات ضخمة، ما يراه عايش رافعاً لتقديرات القدرات الاقتصادية السعودية ويستخدم في المعايير والمؤشرات العالمية لتثبيت الحضور السعودي ضمن قمة العشرين، وأيضاً ضمن مجموعة بريكس، والمنظمات الاقتصادية العالمية الأخرى.
مزج القطاعات
من شأن ارتفاع هذه التقديرات أن يرسّخ إشارة مفادها أن السعودية لا تعتمد على النفط في حضورها العالمي، بل تعتمد أيضاً على مصادر أخرى، وفي ذلك مزج بين قطاعات اقتصادية مختلفة، بحيث توجه السعودية الأنظار إلى الإمكانات الاقتصادية الكبيرة فيها، خصوصاً بعد ما صدر عن قمة المناخ "كوب 28" من إشارات إلى التوقف التدريجي عن استخدام الوقود الأحفوري في الاقتصاد العالمي، بحسب عايش.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى نظرة المسؤولين في السعودية إلى أن المملكة قد تكون مستهدفة بالاتفاقيات الخاصة بمنع الوقود الأحفوري بشكل عام، باعتباره من المسببات الرئيسية للغازات الدفيئة والاحتباس الحراري، ولذا يحاولون تقديم صورة جديدة لاقتصاد المملكة، باعتباره مزيجاً متنوعاً من القطاعات التي توفر الاحتياجات الأساسية لصناعات متنوعة، بما فيها الصناعات التكنولوجية الجديدة.
ويعزز من هذا التوجه السعودي احتياطيات المعادن الهائلة في المملكة، إذ تبلغ قيمة احتياطيات الذهب ما يقارب 230 مليار دولار، والنحاس 220 مليار دولار والزنك 138 مليار دولار، ما يؤشر على حصيلة من الاحتياطيات المعدنية الكفيلة بإبقاء السعودية في قلب المشهد الاقتصادي العالمي، حتى في حال تصاعُد الاستهدافات لقطاع النفط، بحسب عايش.
دعم التنويع
يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن إعلان "معادن"، وهي من كبريات شركات المعادن في السعودية، اكتشاف كميات كبيرة من الذهب، يعزز المركز المالي للمملكة كواحدة من أكثر الدول العربية امتلاكاً لاحتياطيات الذهب ببنكها المركزي.
ويضيف الناير أن الكميات المكتشفة حديثاً من الذهب ستمكن السعودية من الدخول بقوة في سوق إنتاج المعدن النفيس، ما يضيف الكثير إلى الاقتصاد السعودي، خصوصاً في ظل تحديات الإنفاق الذي تواجهه باستضافة معرض إكسبو 2030 وكأس العالم لكرة القدم 2034.
كذلك تساهم اكتشافات الذهب في دعم التنويع الاقتصادي بالمملكة، وهو أحد أهم أهداف رؤية السعودية 2030، بحسب الناير، الذي أشار إلى أن تحقيق هذا التنويع مرهون بنجاح المملكة في الوصول إلى مرحلة واسعة من الإنتاج.