دفع بدء السعودية بتطبيق إعفاء المقار الإقليمية للشركات من ضريبة الدخل لمدة 30 عاما إدارات تلك الشركات إلى التفكير جديا في نقل مقارها بالشرق الأوسط إلى داخل المملكة، ما يزيد من سخونة المنافسة الاقتصادية بين المملكة ودولة الإمارات، وتحديدا إمارة دبي، التي مثلت "مركزا" لمقار الشركات الإقليمية على مدى العقود الماضية.
وجاء بدء التطبيق السعودي، في 17 فبراير/شباط الجاري، ضمن برنامج أطلقته المملكة بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم، وعززته حكومة المملكة بإعلان إمكانية "تجديد" الإعفاء الضريبي للمقار الإقليمية المستوفية لمعايير التأهيل، وفقا لما أوردته الصحيفة الرسمية السعودية "أم القرى".
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الإعفاءات الضريبية وسيلة مثالية لجذب الاستثمار، وخصوصا إذا ما تمت مواكبتها بتأمين خدمات على صعيد البنى التحتية وعلى صعيد الإدارة والتواصل مع الخارج، وهو ما حققته السعودية مؤخرا عبر إجراءات ترجمتها طلبات 200 شركة لنقل مقارها الإقليمية إلى داخل المملكة.
ويرى عجاقة أن تطورا كهذا سيؤدي حكما إلى جذب الكثير من الشركات العالمية الأخرى إلى السعودية، خاصة تلك الكبيرة متعددة الجنسيات، والتي تسعى إلى توفير بند ضريبة الدخل من مصروفات مقارها الإقليمية.
ويضرب الخبير الاقتصادي مثالا بشركة الطيران الأميركية "بوينغ"، التي ستوفر مبالغ طائلة من نقل مقرها الإقليمي إلى الرياض، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة الأدوية الأميركية "فايزر".
ويلفت عجاقة إلى أن السعودية تستخدم أداة "الإعفاء الضريبي" ضمن سياستها الحكومية لجذب الشركات العالمية، ما يؤشر إلى أن رؤيتها الاستراتيجية ربما تتعدى العام 2030 إلى 2040 وربما أبعد من ذلك بكثير، خاصة أن مدى الإعفاءات الضريبية يمتد إلى 30 عاما قادمة "قابلة للتجديد".
وتستند تلك الرؤية، بحسب عجاقة، إلى التركيز بالأساس على جذب النشاطات غير النفطية إلى داخل السعودية، في إطار استهداف تنويع اقتصاد المملكة، مشيرا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة (السيادي) هو الداعم الأساسي لهذا التوجه.
ويتوقع عجاقة نجاح سياسات الضرائب السعودية الجديدة في جذب مزيد من الشركات العالمية، بما يرشح تأثيرا اقتصاديا مرتقبا في نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة، ما يعزز النمو اللافت بالفعل لهذا القطاع في السعودية، والذي بلغ نسبة 5% العام الماضي، في الوقت الذي يتراجع فيه النشاط الاقتصادي المرتبط بالنفط.
ولذا فإن أداة "الإعفاء الضريبي" قد تكون عاملا حاسما في دعم مستهدفات السعودية الخاصة بتنويع الاقتصاد، عبر تعظيم حجم النشاط غير النفطي ليكون قاطرة اقتصاد المملكة في المرحلة القادمة.
وفي حال استمرار وتيرة نقل المقار الإقليمية للشركات العالمية إلى السعودية، فإن المملكة في طريقها لأن تكون "مركزا إقليميا مستقبليا" نظرا لعدد المشروعات الهائل فيها، وتغطيتها لعدة مجالات، بما فيها المجال السياحي والتصنيع والطب، وحتى البحث العلمي، بحسب عجاقة.
وكان الخبير الاقتصادي، علي أحمد درويش، قد أشار، في تصريح سابق لـ "العربي الجديد"، إلى أن السعودية لم تكن تملك سوى 6% فقط من المقار الإقليمية للشركات العالمية في المنطقة، ما اعتبرته حكومة المملكة قليلا مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي، ولذا تبنت سياسات من شأنها تشجيع الشركات لفتح مقارها الإقليمية في الرياض خلال العامين الماضيين.
ومن شأن استقطاب المقار الإقليمية للشركات الأجنبية جذب رؤوس أموال يتراوح تقديرها بين 15 و20 مليار دولار، إضافة إلى خلق فرص عمل للشباب السعودي المتخصص، خاصة في القطاع المالي، ما يصب في صالح أهداف الخطة الشاملة التي تعمل الحكومة السعودية على تنفيذها، حسب درويش.
وكانت السعودية قد أعلنت في فبراير/شباط 2021 عن مهلة لنقل مقار الشركات الإقليمية لديها تنتهي في الأول من يناير/كانون الثاني 2024 وهو التاريخ الذي توقفت فيه عن التعاقد مع الشركات التي لا تقع مقارها الإقليمية في المملكة.