استمع إلى الملخص
- المحلل المالي ألكسندر رازوفايف يربط تراجع الروبل بالمخاطر الجيوسياسية وصعود الدولار، مشيراً إلى أن الحكومة الروسية تستفيد من ضعف الروبل لتمويل الميزانية، رغم أن العوائد المصرفية المرتفعة تجعل الادخار بالروبل جذاباً.
- التضخم يشكل تحدياً كبيراً رغم جهود المصرف المركزي الروسي، حيث يتوقع الخبراء استمراره حتى الربيع المقبل، مع تأثير القيود الخارجية وسعر الفائدة المرتفع على السوق.
يواصل الروبل الروسي منذ قرابة أسبوع تراجعاً لأدنى مستوياته منذ أكثر من عامين ونصف العام، في ظل استقرار سعر صرف الدولار عند مستوى يفوق 105 روبلات في مستهل تعاملات أمس الثلاثاء، تحت وطأة تنامي التوترات الجيوسياسية المرتبطة بحرب أوكرانيا. يتزامن ذلك مع فرض حزمة جديدة من العقوبات الأميركية على الاقتصاد الروسي، لتشمل "غازبروم بنك" الذي يؤدي دوراً محورياً في إجراء حسابات تصدير الغاز الروسي، الذي تشكل عوائده واحداً من أعمدة ملء الخزانة الروسية.
وسجلت العملة الروسية أدنى مستويات لها منذ مارس/آذار 2022، حين قفز سعر صرف الدولار إلى أكثر من 120 روبلاً بعد أسابيع عدة على بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط من العام ذاته، وما ترتب عليها من فرض عقوبات غربية غير مسبوقة على الاقتصاد الروسي وتجميد الأصول الروسية المودعة لدى الغرب بقيمة تفوق 300 مليار دولار.
ويعزو المحلل المالي، ألكسندر رازوفايف، الحلقة الأخيرة من تراجع الروبل إلى اجتماع بضعة عوامل سلبية في آن معا، وفي مقدمتها المخاطر الجيوسياسية، مشككاً في الوقت نفسه في صعود الدولار إلى أعلى مستوياته تاريخياً أمام الروبل في الأفق المنظور.
ويقول رازوفايف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "بحلول نهاية العام، اجتمعت بضعة عوامل تشكل ضغطاً على الروبل، ومنها تنامي المخاطر الجيوسياسية، وصعود الدولار أمام سلة العملات العالمية بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتخفيف شروط بيع العوائد بالعملة الأجنبية للمصدرين، وضرورة الوفاء بالميزانية الفيدرالية، حيث إن ضعف الروبل يساعد في تمويل البنود الأمنية من الميزانية وزيادة أجور الموظفين الحكوميين ورواتب التقاعد".
ومع ذلك، يشكك في واقعية عودة الدولار إلى مستويات مارس/آذار 2022، مضيفا: "يبدو أن الدولار فوق الـ100 روبل أصبح واقعاً جديداً، ولكن على الأرجح، لن يصعد إلى 120 أو 125 روبلاً، لأن ذلك سيفقد جاذبية الادخار بالروبل، وهو أمر لا تتمناه الحكومة، خاصة وأن عوائد الودائع المصرفية التي تفوق 20%، تحقق أرباحاً تفوق وتيرة تراجع الروبل، ما يعني أن أصحاب المدخرات لن يهرعوا لشراء الدولار".
وتشير تقديرات وحدة الاستثمار في مصرف "غازبروم بنك" إلى أن مدخرات الأفراد والشركات طرف المصارف الروسية ازدادت بمقدار يزيد عن 10 تريليونات روبل (100 مليار دولار) تقريباً، بينما تظهر إحصاءات المصرف المركزي أن مجموع الأرصدة يقارب 110 تريليونات روبل (أكثر من تريليون دولار)، ما يعني أن إجمالي عوائد الودائع قد يصل إلى 20 تريليون روبل (200 مليار دولار تقريباً)، مع صعوبات في تقدير قيمتها على وجه الدقة نظرا لوجود ودائع فتحت قبل الحلقات الأخيرة من رفع الفائدة.
وفي وقت عمل المصرف المركزي الروسي خلال الأشهر الأخيرة جاهداً لكبح جماح التضخم عبر رفع سعر الفائدة الأساسية إلى 21%، يقلل رازوفايف من أهمية التوقعات بأن تراجع الروبل سيؤدي إلى قفزة في معدلات التضخم وتهاوي قيمة مدخرات المواطنين، قائلا: "منذ 15 نوفمبر/تشرين الثاني، كان سعر صرف الدولار يلامس عتبة الـ100 روبل، ما يعني أن نسبة التراجع الأخيرة طفيفة نظرا لزحف العملة الأميركية إلى مستوياتها الحالية على نحو تدريجي".
وكانت رئيسة المصرف المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، قد أقرت في كلمة أمام مجلس الدوما (النواب) في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بأن الاقتصاد الروسي بلغ نقطة التحول بعد تسجيل معدل التضخم تباطؤاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إلا أن خبراء استطلعت صحيفة إزفيستيا الروسية آراءهم أجمعوا على أن وتيرة التضخم في روسيا لن تتراجع قبل الربيع المقبل، معتبرين أن سعر الفائدة الأساسية المرتفع، هو الوسيلة الوحيدة لإبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار ذات مفعول مؤجل وتؤتي أكلها بعد ربعين أو ثلاثة أرباع من العام.
ونقلت "إزفيستيا" في عددها الصادر الاثنين الماضي، عن دينيس بوبوف، كبير الخبراء بمركز التحليل التابع لمصرف بروم سفياز بنك، قوله: "بالفعل، يتراجع معدل التضخم تدريجياً منذ بلوغه ذروته بواقع 9.1% على أساس سنوي في يوليو/تموز الماضي إلى 8.5% في أكتوبر/ تشرين الأول، ولكن هذا التوجه ليس ثابتاً.. كذلك تبقى توقعات السكان وقطاع الأعمال بالتضخم عند مستوى مرتفع، مما يقلل من اليقين بتراجع المخاطر". واعتبر بوبوف أن التضخم بلغ نوعا من "هضبة التضخم".
بدوره، اعتبر فلاديمير تشيرنوف المحلل في شركة فريدوم فينانس غلوبال للتداول، أن "القيود الخارجية هي المحرك الرئيسي لتسارع التضخم في روسيا والتي تزيد من كلفة إمدادات السلع إلى البلاد وأعبائها اللوجستية"، متوقعا أن تتخطى وتيرة ارتفاع الأسعار 9% في ديسمبر/كانون الأول المقبل. ولفت إلى أن سعر الفائدة المرتفع يكبح وتيرة إقراض الأفراد فقط، بينما يواصل إقراض الشركات نموه بوتيرة عالية. من جهتها، اعتبرت أولغا بيلينكايا المحللة في المجموعة المالية "فينام"، أن التشديد غير المسبوق للسياسات النقدية لا يقلص الطلب فحسب، وإنما أيضا عرض السلع والخدمات من قبل الشركات غير المدعومة من الدولة.
من جانب آخر، قال فلاديمير يريمكين الباحث في مختبر البحوث الهيكلية التابع للأكاديمية الرئاسية، إن المخاطر المتعلقة بالعملات الأجنبية تتصدر المشهد بعد فقدان الروبل 15% من قيمته منذ أغسطس/آب الماضي، مما زاد من كلفة الواردات.
وأظهر تقرير "ديناميكية الأسعار الاستهلاكية" الصادر عن المصرف المركزي الروسي أن تراجع وتيرة التباطؤ في أكتوبر يعود إلى انخفاض أسعار خدمات السياحة والنقل لعوامل موسمية، بينما واصلت أغلبية مؤشرات الصعود المستديم للأسعار ارتفاعا. وتشير توقعات المصرف المركزي إلى أن التضخم السنوي في عام 2024 قد يبلغ ما بين 8% و8.5%. ومع ذلك، يتوقع المصرف أن يتراجع التضخم إلى ما بين 4.5% و5% في العام المقبل، على أن يستقر عند 4% في ما بعد.