يبحث الفلسطيني محمد أبو دان منذ قرابة الشهرين عن شقة سكنية بمساحة مُناسبة لأسرته المكونة من خمسة أفراد، إلا أنه فوجئ بالأسعار المُرتفعة للشقق السكنية، والتي لا تتناسب مع مدخراته ودخله الشهري.
ولا يختلف واقع أبو دان عن واقع آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين تأثروا بفعل المُعضلات المُركبة التي سببتها التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ ستة عشر عامًا، والذي أصاب قطاع العقارات في مقتل وخاصة في السنوات الأخيرة.
ويساهم غلاء أسعار العقارات والشقق السكنية (مقارنة بالأوضاع العامة) في تواصل حالة الركود التي تضرب سوق العقارات، المتدهور بالأساس، والتي تتصادم مع الواقع الاقتصادي الصعب للفلسطينيين في غزة، والذين يعانون من ارتفاع في معدلات الفقر التي قفزت عن حاجز 80%، ونسب البطالة التي تجاوزت 60% في صفوف الشباب.
ويُرجع التُجار والوُسطاء ارتفاع أسعار العقارات إلى العديد من الأسباب، وفي مقدمتها غلاء أسعار المواد الخام، بفعل ارتفاع تكاليف النقل، وتأثيرات الأحداث العالمية، وفي مقدمتها تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيرات فيروس كورونا في الأسعار عالميًا.
ويوضح وسيط العقارات الفلسطيني خالد العوضي، أن كتابة عقود البيع والشراء باتت شحيحة للغاية، وذلك لقلة أعداد المشترين، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وغلاء أسعار العقارات، مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطنين، والذين يعاني معظمهم من أزمات مادية.
وتُضاف إلى الأسباب العامة لركود سوق العقارات، وفق حديث العوضي مع "العربي الجديد" أسباب داخلية تخص الواقع الاقتصادي في القطاع، والذي يعاني من نقص حاد في السيولة النقدية، انعكس بشكل واضح على القدرة الشرائية، علاوة على قيود المصارف في صرف منح المرابحات والقروض الخاصة بالموظفين، في ظل عدم صرف السلطة الفلسطينية راتباً كاملاً لموظفيها، وإحالة الآلاف منهم إلى التقاعد المُبكر.
ويأتي ذلك إلى جانب المخاوف المتواصلة لدى موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" من تأثر رواتبهم، بسبب الأزمة المالية التي تلوح بها المؤسسة الأممية بين الفينة والأخرى.
وتشهد شوارع قطاع غزة عمليات بناء خجولة للعمارات السكنية، مقارنة بعمليات البناء الكبيرة في السنوات العشر الأخيرة، 2020، وذلك انصياعًا لقاعدة العرض والطلب، والتي تفرض على الأسواق وفقًا لإمكانات المواطنين الشرائية.
فيما يوضح التاجر الفلسطيني يزن زيدية، وهو صاحب مكتب عقارات، وجود فجوة بين العرض والطلب، وذلك بسبب ما وصلت إليه الأحوال المادية للمواطنين، بفعل الأزمات المزدوجة التي باتت تواجههم، إلى جانب المتطلبات المُتزايدة، في غياب مصادر دخل يمكنها أن تسد كل تلك الاحتياجات.
ويبين زيدية لـ "العربي الجديد" أن مطوري البناء أمام تحديات كبيرة، بدأت بأزمة كورونا التي أثرت على كل أشكال الحياة، وانتقلت إلى غلاء الأسعار عالميًا، علاوة على الأوضاع الاقتصادية المتردية للمواطنين، وعدم وجود أمان وظيفي لهم.
ويشير إلى أن الشيكات المرتجعة تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه تجار العقارات والمقاولين، إذ يتم الاعتماد عليها بشكل كبير في إتمام عمليات البيع، لتسديد باقي أسعار الشقق بعد الدفعة الأولى، حيث تحولت من عنصر مُساعِد، إلى عنصر خطر، زج بنسبة كبيرة منهم في السجون، فيما تلاحق نسبة أخرى قضائيًا، لعدم التزام أصحاب تلك الشيكات بالدفع، تحججًا بالأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ولا تُغري التسهيلات التي تطرحها العديد من الشركات المشترين، إذ تكتظ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالعروض الخاصة من مكاتب العقارات وأشخاص يودون بيع شققهم السكنية، حيث تصطدم تلك العروض، بالواقع المادي الصعب للفلسطينيين.
ويقول الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، إن تواصل حالة الركود في سوق العقارات، وعدم تجاوب المشترين مع العروض المطروحة، يرجع إلى أن الوضع العام في قطاع غزة سيئ للغاية، على الرغم من حاجة الناس إلى السكن، حيث يرتبط الموضوع بالقدرة الشرائية، المرتبطة بتسهيلات النظام المصرفي، إذ إن 90% من عمليات بيع العقارات، سواء الأراضي أو الشقق السكنية، تكون عبر المعاملات المصرفية.
ويشير أبو جياب في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن عدم استقرار الوضع السياسي والأمني وعدم انتظام صرف رواتب الموظفين، دفع البنوك إلى الحذر والإحجام عن برامج التسهيلات الائتمانية في موضوع العقارات، إلا بشروط معقدة، فيما لا تسمح الأوضاع الاقتصادية للناس بالشراء نقدًا.
وينعكس الوضع الاقتصادي بشكل كبير على سوق العقارات، إذ إن ارتفاع نسب الفقر والبطالة والأسر المعتمدة على المساعدات، يدفع المواطن للحفاظ على الأولويات الأساسية، فيما يتجه البعض للعودة إلى التقاليد القديمة، والسكن المشترك في البيت الواحد، وفق أبو جياب، الذي يضيف: "هناك توقع بأن يشهد مطلع العام المقبل تسهيلات ائتمانية جديدة".
ويرى الخبير الاقتصادي أن مستقبل سوق العقارات يرتبط بالعديد من المحددات، وفي مقدمتها المواجهة الحقيقية لمعدلات البطالة، إلى جانب الاستقرار السياسي، وإعادة الاعمار، والتسهيلات البنكية والمصرفية، والتي تساهم بمجملها بدفع قطاع العقارات للأمام.