الخطر القادم من الصين

الخطر القادم من الصين

27 ديسمبر 2022
في حال تفشي كورونا سيتباطأ الاستثمار الخارجي المتدفق على الصين (Getty)
+ الخط -

مرة أخرى تنتشر الإصابات بكورونا في الصين كالنار في الهشيم لتعيد الأخبار القادمة من هناك تذكير العالم بحالة الذعر الشديدة التي أصابته جراء تفشي الوباء في نهاية العام 2019 وبداية العام 2020.

الأرقام تشير إلى أن ارتفاعا هائلا في عدد المصابين في الصين، فنحو 248 مليون شخص أو ما يعادل 18%، من السكان، أصيبوا بالوباء، في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، وهناك 37 مليون شخص أصيبوا يوم الثلاثاء فقط.

والإصابات في أنحاء الدولة العملاقة ترتفع يوما بعد يوم، وأكثر من نصف سكان إقليم "سيتشوان" البالغ عددهم 81 مليون نسمة، مصابون، ومقاطعة شينجيانغ تواجه حاليا نحو مليون إصابة جديدة يوميا، وهناك توقعات أن يتضاعف العدد في الأيام المقبلة.

الصين باتت أكبر منافس لصندوق النقد الدولي في منح القروض والمنح والاستثمارات، وهناك نحو 68 دولة دخلت مصيدة القروض الصينية

يتكرر المشهد في المدن الكبرى وفي مقدمتها العاصمة بكين وغيرها من المناطق الصناعية والاقتصادية الكبرى. انتشار أوميكرون عاد بقوة بعد أسابيع من إنهاء الحكومة فجأة سياسة "صفر كوفيد" الصارمة، ووقف اختبارات كوفيد الإلزامية ورفع قيود السفر مع تزايد الاحتجاجات والتظاهرات.

السلطات توقفت عن نشر إحصاءات كورونا اليومية مع تفشي الوباء، شنغهاي دعت السكان إلى عدم مغادرة منازلهم وتجنب التجمعات خلال أعياد الميلاد، المطاعم ألغت حفلات عيد الميلاد التي تقيمها عادة، الفنادق حدت من الحجوزات بسبب نقص الموظفين.

موقف
التحديثات الحية

الأدهى من ذلك أن إحصاءات حديثة تقول إن نحو مليون شخص في الصين قد يموتون بسبب كوفيد-19، في حال إذا لم تتحرك السلطات بسرعة لتطبيق حملة واسعة النطاق للحصول على الجرعة التنشيطية من اللقاح وتدابير أخرى لتقليل تأثير الفيروس.

يبدو أن العالم مقبل على موجة وبائية جديدة "مدمرة"، حتى المستشفيات في ألمانيا غارقة في ارتفاع أمراض الجهاز التنفسي الحادة، وانتشار الفيروس يتسبب في إغلاق العديد من المنشآت في أوروبا، وربما يمتد لاحقا للمطارات.

خطورة ما يحدث في الصين أنه لا ينعكس فقط على صاحبة ثاني أضخم اقتصاد في العالم، بل ينعكس على العالم، فتباطؤ الاقتصاد الصيني يعني تراجع الطلب على منتجات الطاقة والسلع الأولية حول العالم، وهو ما يخفض أسعار النفط والغاز الطبيعي، حيث إن الصين أكبر مستهلك للطاقة.

إغلاق المدن الصناعية يؤثر على صادرات الصين وسلاسل الإمدادات، وهو ما يؤثر سلبا على أسواق الدول التي تعتمد على الصين في التزود بالسلع

وعودة الصين إلى الإغلاقات مرة أخرى جراء إغلاق المدن الصناعية الكبرى يؤثر على صادراتها الخارجية وسلاسل الإمدادات وتأمين احتياجات الموردين حول العالم، وهو ما يؤثر سلبا على أسواق الدول التي تعتمد على الصين في التزود بالسلع والمنتجات، بداية من الملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وأجهزة المحمول وغيرها، ونهاية بالسيارات والذهب وأشباه الموصلات والأسلحة.

فصادرات الصين تجاوزت 2.7 تريليون دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم 3 تريليونات دولار بنهاية العام، وهو رقم مهم في سوق التجارة الدولية.

وإصابة الاقتصاد الصيني بأزمة عنيفة أو حتى هزة جراء تفشي كورونا يمكن أن يؤثر سلبا على استثمارات الصين المتدفقة لدول العالم، وكذا على حجم القروض الممنوحة للدول النامية والعربية التي تعاني من فجوات تمويلية وتعتمد على الاستدانة في تغطية عجز الموازنة.

فالصين باتت أكبر منافس لصندوق النقد الدولي في منح القروض، ولا ننسى أن هناك نحو 68 دولة دخلت مصيدة القروض الصينية، ووفق تقديرات وزارة الخزانة الأميركية فإن إجمالي القروض المستحقة لصالح الصين يبلغ نحو تريليون دولار، ويتركز في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وفي حال تفشي كورونا سيتباطأ الاستثمار الخارجي المتدفق عليها والباحث عن فرص استثمار وربحية عالية، علما بأن الصين باتت تتفوق على الولايات المتحدة وتحتل المركز الأول عالميا كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر.

عطسة الاقتصاد الصيني تتسبب في حدوث قفزات في الأسعار داخل أسواق العالم وفي مقدمتها الدول العربية، واضطراب سلاسل الإمدادات وحركة النقل

كل هذه الأزمات المتوقعة جراء تفشي الفيروس في الصين قد تؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو وربما انكماش ثاني اقتصاد في العالم، وهو ما يعرقل محاولات الصين احتلال المركز الأول بحلول عام 2028 وفق توقعات سابقة.

قديما قيل إنه إذا عطس الاقتصاد الأميركي يصاب العالم بالزكام بل والرشح الشديد، أما الآن فإن عطسة الاقتصاد الصيني تتسبب في حدوث قفزات في الأسعار داخل أسواق العالم وفي مقدمتها الدول العربية والنامية، واضطراب سلاسل الإمدادات وحركة النقل والشحن، وتعميق الموجة التضخمية حول العالم.

المساهمون