ثمة حلفاء داخل المنطقة العربية، ساهموا بشكل مباشر في صمود إيران نسبيا أمام العقوبات الاقتصادية التي رزحت تحتها منذ سيطرة الخميني على الحكم في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ما يبرر تمسك طهران بالتمدد في هذه المناطق بشكل يفوق التصورات الأيديولوجية ولا ينتهي عند حجم المكاسب الضخمة التي حققتها إيران من هؤلاء الحلفاء.
وخلفت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات تبعات سلبية باهظة على اقتصاد البلاد، كما دفع اقتصاد إيران الثمن غاليا إثر سعيها إلى تطوير برنامجها النووي، ففُرضت عقوبات غربية مشددة على مختلف القطاعات الإيرانية.
ولكن كان لدى إيران أولوية في التوجه نحو حلفائها في المنطقة بهدف سد ثغرات اقتصادها ولو نسبيا، ومحاولة الصمود أمام تلك الضغوط.
الجار العراقي
ويحتل العراق المرتبة الأولى في الشراكة الاقتصادية مع إيران بين حلفاء المنطقة، فبين البلدين تقاطعات جغرافية، حضارية وثقافية تسمح بتقارب طبيعي حتى في ظل وجود الخلاف السياسي أحيانا، والذي تضاءل إبان الحرب الأميركية على العراق.
بالدرجة الأولى استطاعت طهران عبر تأمين الغاز الطبيعي للعراق أن تعود على اقتصادها المثقل، بفوائد جمة، فالعراق هو البلد الثاني بعد تركيا من بين مستوردي الغاز الإيراني.
وتصدر إيران حاليا ما يقارب 90 مليون متر مكعب من الغاز، وهو ما يعود عليها بنحو 17 مليار دولار سنويا.
ومع التدشين المرتقب لمشروع خط غاز بغداد سيرتفع هذا الرقم كثيرا وفق الخبراء. وهو مشروع من المفترض أن ينقل الغاز إلى محطة المنصورة في بغداد بعد مد أنابيب بطول 227 كيلومترا من مدينتي كرمانشاه وخرمشهر الإيرانيتين.
من جهة ثانية، فإن الحدود المشتركة بين البلدين والتي يبلغ طولها 1400 كيلومتر، تسمح بتبادل البضائع بحرية كبيرة، حيث تتوزع خمس عشرة نقطة على هذا الشريط، وهي التي ساهمت بشكل كبير بارتفاع مستوى الصادرات الإيرانية إلى العراق، والتي تنوعت بين المواد الغذائية والاستهلاكية، فضلا عن صناعات بتروكيماوية، وأخرى عسكرية.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بحدود 14 مليار دولار سنويا، وفق تقديرات اتحاد الغرف التجارية العراقية، أكثر من 90% من هذه المبادلات هي صادرات إيرانية للعراق.
ومع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وحصار بغداد شمالا وغربا، بات الطريق إلى طهران الجارة الجنوبية أكثر نشاطا، بفعل توقف حركة التجارة بين الأردن والعراق، ما شجع طهران على توقيع المزيد من الاتفاقيات مع بغداد، خلال العام الماضي، لتسهيل التجارة وتمرير المزيد من الصادرات الإيرانية إلى هناك.
وطوّر الاستثمار الإيراني في مشاريع مختلفة بالعراق، علاقات طهران الاقتصادية مع هذا الحليف. وثمة بيانات رسمية وشبه رسمية، تكشف معاناة إيران من أن العراق تكفل بسد النقص في مصادر إيران المالية خلال سنوات العقوبات، مقابل تأمين احتياجات بغداد، الأساسية من غاز وكهرباء، فضلا عن أن النقاط التجارية الحدودية سمحت بتأمين فرص عمل لآلاف الإيرانيين في تلك المناطق الفقيرة نسبيا.
سورية ولبنان
بالدرجة الثانية، يأتي كل من لبنان وسورية، وحتى كردستان العراق، وهي أسواق شكلت منافذ للمنتجات الإيرانية في المجال الزراعي، وتصدير المنتجات الاستهلاكية والصناعات البتروكيماوية، وحتى السجاد والسيارات الإيرانية.
اقرأ أيضا: "صنع في إيران" يحتل الأسواق العراقية
ووقعت إيران، ولا تزال تسعى، اتفاقيات تعاون عسكرية وأمنية لبيع الأسلحة وإرسال المستشارين العسكريين لهؤلاء الحلفاء.
ويتوقع خبراء قيام مزيد من المشاريع الاستثمارية المتقدمة بين إيران وسورية ولبنان وكردستان العراق، بحال إتمام الاتفاق النووي بشكل نهائي، والذي من المفترض أن يعلن عنه مطلع يوليو/تموز المقبل.
مكاسب ضخمة
ويقول خبير الاقتصاد الإيراني، محمد رضا فتح أباد، لـ "العربي الجديد": إن عائدات كل هذه المشاريع كانت تساهم بشكل أو بآخر في مواجهة طهران لتبعات العقوبات الاقتصادية.
واعتبر فتح أباد، أن المصادر المالية هي المكسب الأهم لطهران من علاقاتها مع الحلفاء.
وأضاف، أن الاستثمار في المجال الزراعي منح اقتصاد البلاد رونقا أيضا، كما أن ارتفاع معدل الصادرات الإيرانية زاد من ميزان التبادل التجاري بين إيران والآخرين وعاد بالفائدة على إيران أولا وعلى الأطراف الأخرى ثانيا.
وعن الصعوبات، قال فتح أباد إن الأمور ليست بالبساطة التي تبدو عليها، فإيران واجهت تحديات في نقل بضائعها وفي تسلم مردودها وعائداتها في وقت يخضع فيه اقتصادها لعقوبات غربية مشددة، وهو ما دفع طهران لمحاولة الاستفادة من البدائل والالتفاف على الحظر، لتوصل بضائعها وتحصل على عائداتها بمختلف الطرق، وأهم الطرق هي تمرير البضائع والموارد عبر وسيط ثالث.
يعتبر هذا الخبير أن هذا الأمر زاد من التنافس الاقتصادي والسياسي مع إيران في المنطقة، وهو ما أدى لزيادة نفوذها الاستراتيجي السياسي في الإقليم وساهم بقلب الموازين في العديد من القضايا الإقليمية أحيانا، وفتح أمامها متنفسا للصمود بوجه تبعات العقوبات على سوقها النفطية بالدرجة الأولى وعلى باقي القطاعات أيضا.
ورغم كل المكاسب السياسية والاقتصادية، فإن هذا لا يعني أنها كافية لبلد كإيران، وهو ما يدركه المسؤولون والخبراء في الساحة الإيرانية والدولية على حد سواء، حيث يعمل هؤلاء على التوصل لاتفاق نووي مع الغرب لإدراكهم أن ساحة الحلفاء تمر بظروف معقدة لا يبدو أنها ستُحل في الأمد القريب.
كذلك يدرس البعض في الداخل الإيراني سيناريوهات فشل الحوار النووي، وتبعات احتمال عدم إلغاء كل العقوبات المفروضة على كل القطاعات الاقتصادية الإيرانية بشكل فوري. وفي هذه الحالة يوصي خبراء الاقتصاد في إيران بالتركيز على ضرورة تعزيز الصادرات الغير النفطية، وإيجاد أسواق غنية غير أسواق الحلفاء.
من جهة ثانية، يوصي كُثُر بضرورة جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الداخل الإيراني، سواء من قبل الحلفاء أو من غيرهم، فهذا القطاع سيعود على كل الأطراف بالفائدة الاقتصادية.
اقرأ أيضا: مغانم طهران وخسائر العرب