أن يسمع أو يقرأ أي إنسان، أن الصادرات السورية غزت، خلال الأشهر المنصرمة من العام الجاري، 110 دول، فسيرفع القبعة للاقتصاد السوري، إن كان غربياً ممن يضعون القبعات، أو ينحني إجلالاً لاقتصاد حقيقي منيع استمر في الإنتاج والتصدير، بعد عشر سنوات من الحرب، إن كان القارئ ممن لا يضعون القبعات.
وسيتلقف ذلك القارئ أو المستمع الخبر بدهشة، إذ كيف لاقتصاد بلد محاصر عالمياً وتغيب عن منشآته الصناعية حوامل الطاقة، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الأولية المحلية 35 ضعفاً، وأوقف نظام الأسد "الممانع" استيراد السلع من الخارج، أن يستمر بالدوران وكفاية الأسواق المحلية، لا بل ويصدر إلى أكثر من نصف دول العالم.
وسيسأل ذلك المتلقف، أو على الأرجح أن يسأل، عن حجم وقيمة ونوعية الصادرات السورية، في بلد عريق غزا إنتاجه منذ قرون الأسواق العالمية وامتاز أهلوه بالتجارة حتى صار "التاجر الشامي" ميزة يتشهاها تجار المنطقة.
وستصل الإجابة عبر معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية بحكومة الأسد، بسام حيدر، بأن قيمة الصادرات خلال هذا العام بلغت 398.266 مليون يورو، بمتوسط شهري نحو 57 مليوناً، وأن كمية الصادرات بنحو 1.201 مليون طن.
أما طبيعة الصادرات، فهي الغذاء الذي يتشهاه السوريون ولا يطاولونه، من خضر وفواكه وزيت زيتون وفستق حلبي وبعض الأقمشة، أو مواد أولية من هبة الطبيعة، وليس لحكومة الأسد منّة بها، كالفوسفات وأحجار البناء والنباتات الطبية، بل وحتى التربة الغضارية.
ولكن، حتى الآن، ورغم غزارة المعلومات "الحيدرية" التي زفها السيد المعاون، ثمة حقائق ناقصة، فأن يتم الحديث عن التصدير من دون المستوردات، ففي ذلك تغرير بالمتلقي والمهتم والباحث، وأن يروي المسؤول حكاية التجارة مقلوبة، تصدير من دون التطرق لوفرة الإنتاج في الأسواق المحلية وتناسب الأسعار مع الدخول، فلذلك أهداف على الأرجح، غير اقتصادية تتعلق بـ"صمود سورية الأسد أمام الاستهداف العالمي والمؤامرة الكونية" وإسقاط جميع قرارات المقاطعة والحصار، ابتداء من قرارات الجامعة العربية منتصف عام 2011 إلى قانون قيصر الأميركي العام الماضي.
كيف لاقتصاد بلد محاصر عالمياً وتغيب عن منشآته الصناعية حوامل الطاقة، بعد أن ارتفعت أسعار المواد الأولية المحلية 35 ضعفاً، وأوقف نظام الأسد استيراد السلع، أن يستمر بالدوران وكفاية الأسواق المحلية، لا بل ويصدر إلى أكثر من نصف دول العالم
لذا، تقتضي الغيرة على القارئ أن نكمل ما أخفاه معاون الوزير، أو ربما ما سقط عمداً ممن أعد له الأرقام ليتلوها أمس.
للأمانة، وبكل صدق، يستمر نظام الأسد بالتصدير، إذ بلغت زنة الصادرات عام 2019 نحو 1.348 مليون طن وقيمتها 523.361 مليون يورو، بل وللشفافية، لا بد من الاعتراف أن الصادرات ارتفعت إلى 1.99 مليون طن وبقيمة مليار يورو خلال 2020.
ولكن بالمقابل، وصلت القيمة الفعلية لمستوردات سورية خلال 2019 إلى نحو 5.6 مليارات يورو للقطاعين العام والخاص، وتراجعت بنحو مليار يورو العام الماضي، ولم تزد خلال الأشهر الماضية من هذا العام، عن ملياري يورو.
والسبب ليس إحلال المنتج المحلي مكان المستورد، كما رفعته حكومة الأسد شعاراً منذ عامين، بل على الأرجح لأمرين.
الأول استمرار حكومة الأسد بمنع استيراد ما تراه سلعاً كمالية، بما في ذلك مواد أولية تدخل في صناعات غذائية وحتى دوائية، لأن الاستيراد يستنزف القطع الأجنبي الذي يحتاجه الأسد لاستكمال شراء الأسلحة و"القضاء على آخر ملامح الإرهاب، والحرب الكونية على سوريته".
أما السبب الثاني في تراجع الاستيراد، هو تراجع القدرة الشرائية للسوريين، فبواقع زيادة تكاليف المعيشة الشهرية للأسرة إلى 1.2 مليون ليرة، وأجر لا يتجاوز 72 ألف ليرة، تحوّل أكثر من 90% من السوريين إلى ما دون خط الفقر، واقتصر جلهم بمشترياته على الخبز وبعض حبات الخضر والفاكهة وغرامات الشاي واللبن، بعد أن تبدل النمط الغذائي وصار السوريون يشترون بالحبة والغرامات.
نظام الأسد الذي يتفاخر بصادرات تقل عن ربع مستورداته، يحرم السوريين من الطعام، وعدد السوريين الذين بات انعدام الأمن الغذائي يتهددهم، ارتفع بالتوازي مع صادرات هذا العام بنحو 3 ملايين، ليصبح، 12.4 ملايين مواطن
نهاية القول: على الأقل، ووفق أقل ردود الأفعال وأكثرها أدباً، سيستوي الذي انحنى ويعاود من رفع قبعته وضعها على رأسه، وقت يعلم أن نظام الأسد الذي يتفاخر بصادرات تقل عن ربع مستورداته، يحرم السوريين من الطعام، والأرجح أن يرد على أضاليل حكومة الأسد بما تستأهل، حينما يعلم أن عدد السوريين الذين بات انعدام الأمن الغذائي يتهددهم، ارتفع بالتوازي مع صادرات هذا العام بنحو 3 ملايين، ليصبح عدد من يكافحون للعثور على طعام يكفيهم 12.4 ملايين سوري.
وأما حينما يعلم أن 65 بالمئة من أطفال سورية لم يتناولوا حبة فاكهة منذ 3 أشهر، فوقتها سيجلس ليتفكر بأسباب دعم نظام بشار الأسد، ومحاولات العالم الديمقراطي إعادة إنتاجه، شريطة تبديل سلوكه فقط.