تعيش أسرة الفلسطيني سليمان النعيزي من مدينة غزة أسوأ الظروف، بفعل تدهور أوضاعها المادية، نتيجة مجريات العدوان الإسرائيلي، الذي يتزامن مع الانقطاع الكامل لشيكات وزارة التنمية الاجتماعية، المُخصصة للأسر الفلسطينية الفقيرة والمُتعففة.
ويتشارك مع أسرة النعيزي في الأوضاع المادية السيئة، مئات آلاف الأُسر في قطاع غزة، التي كانت تحصل على مبلغ مالي كُل ثلاثة أشهر، انقطعت بشكل كامل مُنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الأمر الذي فاقم أوضاع تلك الأُسر الإنسانية، التي تندرج تحت توصيف "أفقر الفقراء".
وحسب إحصائية أممية، فإن 80 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
وسبق العدوان الإسرائيلي سلسلة من الانقطاعات لمُخصصات الأُسر الفقيرة، جراء عدة عوامل، كانت تُرجعها السُّلطة الفلسطينية (قبل الحرب) إلى الأزمة المالية التي تعصِف بها، إلا أن أزمة تلك الأُسر تضاعفت بفعل ويلات الحرب، التي لم تشفع لتلك الأُسر بالحصول على مُخصصاتهم البسيطة، التي كانت بالكاد تكفيهم لتوفير مُتطلباتهم الأساسية.
ويقول سليمان النعيزي (56 عاماً) الذي يعيل أسرة مكونة من ثمانية أفراد، إنه لم يمرّ بظروف أقسى أو أسوأ من الظروف التي يمر بها خلال الفترة الحالية، والتي اجتمعت فيها خطورة الأوضاع الميدانية بفعل الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين، مع الأوضاع الاقتصادية المُتردية، بسبب الشلل التام في الحياة اليومية، وانقطاع شيكات الشؤون الاجتماعية بشكل كامل.
ويلفت النعيزي "العربي الجديد" إلى أنه حصل مُنذ بداية الحرب على طرد غذائي بقيمة مائة شيكل، ولم يحصُل على أي مُخصص مالي، رغم استحقاق موعد الشيك قبل الحرب، ويقول: "نعيش حالة مأساوية مُنذ عامين، إذ لم تنتظم عملية صرف المُخصصات لأسباب سياسية، إلا أن العدوان الإسرائيلي جاء ليُضاعِف سوء الأوضاع المعيشية".
ويُبين النعيزي أنه اضطر قبل الحرب إلى بيع بعض الأدوات المنزلية أمام بيته، رُغم مُعاناته الشديدة بسبب مرض القلب الذي رافقه مُنذ عشرين عاماً، وتوصيات الأطباء له بضرورة عدم إرهاق نفسه، إلا أنه خسر بيته، ومصدر رزقه مُنذ الأسبوع الأول للحرب، ونزح بعدها إلى مدينة دير البلح، ولم يتمكن من معاودة العمل، لخسارته رأس ماله، إلى جانب اشتداد الألم نتيجة قساوة حياة النزوح.
من ناحيته، يلفِت الفلسطيني سُلطان أبو النجا، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، إلى أن الحرب التي لا يزال يكتوي بنارها كُل أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، هي الأقسى من النواحي كافة، سواء على صعيد السلامة الشخصية، أو على الصعيد الاقتصادي، أو على الصعيد المعيشي، وإمكانية توفير المُستلزمات المعيشية للأسرة.
ويلفت أبو النجا "العربي الجديد" إلى أنه لا يمتلك أي مصدر دخل آخر سوى شيك الشؤون الاجتماعية. ويقول: "كُنا نُعاني الأمرَّين قبل العدوان الإسرائيلي بسبب قطع السُّلطة لمُخصصات الشؤون الاجتماعية على مدار أكثر من دورة بحُجة الأزمة المالية، وقد شاركنا في الأنشطة والفعاليات كافة الرافضة لقطع المُخصصات، والتي نعتمد عليها بشكل أساسي في توفير قوت أطفالنا، إلا أن الحرب جاءت لتُكمل فصول المُعاناة، التي لم يعُد يحتملها أحد".
ويُبين أنه إلى جانب حياة النزوح القاسية، وعدم مواءمة مراكز اللجوء للاحتياجات الخاصة للأشخاص ذوي الاعاقة، وتحديداً الحركية، يتجرع هو وباقي الأُسر الفقيرة ممن فقدوا مُخصصاتهم المالية مرارة الحِرمان، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية، ويقول بلهجة غلبت عليها الحُرقة: "تُحيط بنا النار من الجوانِب كافة".
وتتشارك الأرملة الفلسطينية أُمنية زيدان مع باقي النساء من الأُسر الفقيرة الواقِع ذاته، وتُشير لـ "العربي الجديد" إلى أن المأساة خلال الحرب لم تترك شخصاً دون أن تؤثر فيه سلباً، سواء بفقدان أُسرته أو أفراد منها، أو بفُقدان مصدر رزقه، إلا أنها كانت الأقسى على الأُسر الفقيرة، حيث "قطعت الحبل السُّري الوحيد الذي كانوا يقتاتون منه، ويتمثل بشيك الشؤون".
وتضيف: "لم تكن الحياة وردية قبل الحرب، ولم يكُن شيك الشؤون الذي يُصرَف كل ثلاثة أشهر يكفينا لتوفير أيٍّ من مُتطلبات أُسرتي المتزايدة، بعد وفاة زوجي الذي كان يعمل في مهنة جانبية لتوفير بعض النقود المُساعِدة، إلا أن حالة الحِرمان الشديدة التي تعيشها أُسرتي في الوقت الحالي تُعتبر الأشد قسوة مُنذ سنوات".
تتشارك الأرملة الفلسطينية أُمنية زيدان مع باقي النساء من الأُسر الفقيرة الواقِع ذاته، وتُشير لـ "العربي الجديد" إلى أن المأساة خلال الحرب لم تترك شخصاً دون أن تؤثر فيه سلباً
وتدعو زيدان، التي تشعُر بقِلة الحيلة أمام مُتطلبات أُسرتها في ظل الواقع الصعب الذي تمُر به في إحدى خيام اللجوء بمدينة رفح جنوبيّ قطاع غزة جميع المؤسسات الإغاثية والخيرية إلى جبر خاطر الأُسَر المُتعففة التي حُرمت أبسط حقوقها، عبر توفير المساعدات المالية والإغاثية التي يُمكن أن تُبقي أفرادها على قيد الحياة.
وتجمّعت الأسباب التي ضاعفت الأزمة الإنسانية التي تعصف بالأسر الفقيرة، والمُنقطِعة عن مُخصصاتها المالية، بدءاً بالعدوان الإسرائيلي المُباشر لهم، ولمنازلهم، مروراً بحالة النزوح العام، التي أُجبِر على إثرها نحو مليوني فلسطيني على ترك منازلهم، ومصالحهم التجارية، ومناطق سكنهم نحو المُحافظات الوُسطى والجنوبية، التي يدعي الاحتلال الإسرائيلي أنها "مناطق آمِنة".
ويُعتبر انعدام مصادر الدخل الخاص بتلك العائلات التي يتجاوز عددها 250 ألف أُسرة من أقسى العوامل التي فُرضت بفعل تواصل العدوان مُنذ أربعة أشهر، علاوة على شُح المُساعدات الغذائية والمالية، وحالة الغلاء الجنوني في الأسعار بفعل نفاد المواد الغذائية والمُتطلبات الأساسية، نتيجة إغلاق المعابر، وتشديد الحِصار الذي كان مفروضاً مُنذ ستة عشر عاماً.
وما فاقم معاناة الأسر الفقيرة استهداف الاحتلال الإسرائيلي مقارّ وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في القطاع وتدمير مدارسها وخدماتها، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأعباء على الأسر التي كانت تعتمد على المساعدات التي تقدمها لهم.
وعزز الحصار الإسرائيلي من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة في غزة، بعدما كانت قبل الحصار في مستوى يتلاءم مع الواقع المعيشي والاقتصادي للسكان الذين يعيشون في مساحة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً.
وحسب بيانات حديثة، كانت البطالة في القطاع 26 في المائة قبل الحصار الإسرائيلي، وتجاوزت وفق آخر الإحصائيات 50 في المائة، في حين كانت معدلات الفقر أقل من 30 في المائة، وتتجاوز حالياً أكثر من 70 في المائة.