يحتفظ المزارع عبد الرحيم محافظ بقليل من الأمل في تساقط أمطار تنقذ ما يمكن إنقاذه من محصول الحبوب، في ظل جفاف "عنيف" للعام السادس، يهدد هذا القطاع الحيوي للاقتصاد المغربي.
وعلى طول الطريق الرابطة بين الدار البيضاء ومزرعته في ضواحي مدينة برشيد (غرب)، تبدو مساحات شاسعة من الحقول عارية من الخضار، بعدما كانت تغطيها عادة في هذه الفترة من العام "سنابل حبوب تناهز 60 سنتيمترا"، كما يوضح محافظ.
ويعد القطاع الزراعي من القطاعات المهمة في المغرب، من حيث عدد الوظائف التي يوفرها ومساهمته في الصادرات.
ولا يكاد يبرز أي نبات في مزرعته الممتدة على نحو 20 هكتاراً، كما هي الحال في حقل المزارع حميد ناجم (52 عاماً) الذي يُعرب عن قلقه إزاء "موسم قاس لم يسبق أن شهدت مثله".
تقدّر حاجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنوياً، 87% منها للاستهلاك الزراعي، لكن موارد المياه لم تتجاوز نحو 5 ملايين متر مكعب سنوياً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة
وترتوي 88 بالمائة من مزارع هذه المنطقة الممتدة على 155 ألف هكتار بالأمطار مباشرة، وهي أحد أهم مصادر الحبوب في المملكة المغربية، وفق وزارة الزراعة.
أما المزارع المسموح سقيها بمياه السدود فتراجعت مساحتها من 750 ألفاً إلى 400 ألف هكتار في مناطق البلاد، وفق ما أعلن وزير الزراعة محمد صديقي قبل أسبوعين، بسبب "جفاف استثنائي وعنيف منذ ستة أعوام".
وحتى يناير/كانون الثاني، شهدت المملكة تراجعاً في تساقط الأمطار بـ57 في المائة مقارنة مع متوسط سنة عادية، وفق ما أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة.
وتفاقم هذا الوضع بسبب تبخّر المياه المخزنة في السدود، في ضوء ارتفاع معدل الحرارة بـ1.8 في المائة مقارنة مع متوسط الفترة بين العامين 1981 و2010. وحتى الثامن من فبراير/شباط، لم تتجاوز نسبة ملء السدود 23 في المائة، مقابل 32 بالمائة للفترة نفسها من العام الماضي.
وفي ظل مخاطر شح مياه الشرب، قامت السلطات بإغلاق الحمامات العمومية ومحال غسل السيارات لثلاثة أيام في الأسبوع في عدة مدن، مع منع سقي الحدائق وملاعب الغولف بمياه الشرب.
أثر وخيم
لكن هذه الإجراءات الرامية إلى ضمان مياه الشرب لا تغير شيئاً من "الخطر الذي يهدد" الموسم الزراعي الحالي، وفق تعبير الخبير في القطاع الزراعي عبد الرحيم هندوف، علماً أن الزراعة تستهلك حصة الأسد من موارد البلاد المائية.
في ظل مخاطر شح مياه الشرب، قامت السلطات بإغلاق الحمامات العمومية ومحال غسل السيارات لثلاثة أيام في الأسبوع في عدة مدن
وينبه هندوف إلى أن هذا الموسم انطلق أصلاً بتضاؤل المساحة المخصصة لزراعة الحبوب إلى حوالى 2.3 مليون هكتار فقط، مقابل متوسط 4 إلى 5 ملايين هكتار في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي "سيكون له أثر وخيم على الاقتصاد"، كون القطاع الزراعي يوظف نحو ثلث العاملين في المغرب، ويساهم بنحو 14 بالمائة من الصادرات.
وبعد خمس سنوات عجاف، كان عبد الرحيم محافظ (54 عاماً) يأمل في هطول الأمطار هذا الموسم لعله يستدرك ما تراكم من خسائر، خصوصاً أنه اعتمد تقنية جديدة لزرع البذور بدون حرث أولي، ما يمكنه من الاستفادة من الرطوبة الطبيعية للتربة.
لكن "محصول هذا الموسم ضاع سلفاً"، كما يقول آسفا، بدون أن يفقد "الأمل في تساقط الأمطار خلال فبراير/شباط ومارس/آذار، بما يوفر على الأقل علفا للماشية".
ويبدو الوضع أقل قسوة بالنسبة لكبار المزارعين، كما هو شأن حميد مشعل الذي يمكنه الاعتماد على المياه الجوفية لإنقاذ محصول 140 هكتاراً من الحبوب والجزر والبطاطس، في ضواحي مدينة برشيد.
ويستفيد مشعل من حصة محددة بخمسة آلاف طن من المياه يتم ضخها من باطن الأرض لكل هكتار "من أجل تدبير أفضل" لهذه المادة الحيوية، كما يوضح، مع إقراره بأن هذه الزراعة تشكل ضغطاً قويًا على الموارد المائية المحلية.
ويقول إنه بسبب الجفاف صار مضطرًا إلى اللجوء للمياه الجوفية لسقي نحو 85 بالمائة من مزرعته، "بينما كانت تكميلية فقط في السنوات الماطرة"، على حد قوله.
ومع تجدد الجفاف للعام السادس، يطرح مجدداً النقاش حول فاعلية السياسة الزراعية المعتمدة في المملكة المغربية منذ 15 عاماً، والتي تستهدف بالأساس رفع الصادرات من خضروات وفواكه تستهلك حجما كبيرا من المياه، بينما تشهد الأخيرة "تراجعاً كبيراً"، كما ينبه الخبير الزراعي محمد طاهر سرايري.
يراهن المغرب على تحلية مياه البحر لمواجهة هذا العجز، ويخطط لبناء سبع محطات تحلية جديدة بنهاية 2027
وحسب التقرير، تقدّر حاجات المغرب من المياه بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنوياً، 87 بالمائة منها للاستهلاك الزراعي، لكن موارد المياه لم تتجاوز نحو 5 ملايين متر مكعب سنوياً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
ويراهن المغرب على تحلية مياه البحر لمواجهة هذا العجز، ويخطط لبناء سبع محطات تحلية جديدة بنهاية 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنوياً، فيما تتوافر حالياً 12 محطة بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنوياً، وفق معطيات رسمية.
(فرانس برس)