تباشر لجنة تحقيق برلمانية، بدءاً من يوم الأحد المقبل، عمليات التحري والتحقيق في أسباب ندرة بعض المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، والتي تشهدها الجزائر منذ أسابيع، لا سيما الزيت والحليب، والتي اختفت من الرفوف وبات الحصول عليها يتطلب الوقوف بطوابير طويلة، فيما تتهم السلطات التجار والمضاربين بالوقوف وراء الأزمة.
وتم اليوم، الخميس، في مقر مجلس الأمة (البرلمان) تأليف اللجنة البرلمانية للاستعلام والتحقيق حول الندرة، والتي ستباشر عملها ابتداء من 16 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث ستزور اللجنة بداية الولايات الحدودية، حيث تعتقد السلطات أنّ تهريب هذه السلع والمواد المدعمة أسعارها إلى دول مثل تونس وليبيا ومالي والنيجر، فاقم من مشكلات الندرة، قبل أن تزور عدداً من المصانع والمخازن وتلتقي بصناعيين ومتعاملين اقتصاديين.
وقال رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، خلال تنصيب اللجنة، إنّ الأخيرة ستباشر في مرحلة أولى عملها اعتباراً من الأحد المقبل بزيارة جميع الولايات الحدودية، وهي تبسة وسوق أهراس والطارف والوادي الحدودية مع تونس، شرقي البلاد، والنعامة وتلمسان وبشار على الحدود الغربية مع المغرب، إضافة إلى أدرار وبرج باجي مختار وتمنراست وإن قزام على الحدود مع كل من مالي والنيجر، وإليزي وجانت على الحدود مع ليبيا، وولاية ورقلة، جنوبي الجزائر.
وأكد قوجيل أنّ اللجنة ستجري لقاءات مع مسؤولين في بعض الدوائر الوزارية والمصالح ذات الصلة بالقطاعين التجاري والصناعي، وتنظيم لقاءات مع كل الهيئات والمتعاملين والمتدخلين في القطاعين العام والخاص وكذا فعاليات المجتمع المدني، كما ستتنقل إلى كبرى المدن الجزائرية للاطلاع على مسالك التوزيع والمشكلات القائمة المتعلقة بمعضلة الندرة والمضاربة غير المشروعة والاحتكار الذي مسّ بعض السلع ذات الاستهلاك الواسع.
وحث قوجيل أعضاء اللجنة على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم "نظراً إلى البعد الوطني الذي أضحت تكتسيه الحرب التي أعلنتها الدولة ضد مدبري هذه الأفعال اللامسؤولة الخارجة عن القانون والمتلاعبين بمعيشة المواطنين وقوتهم، ووجوب توحيد كافة الطاقات والجهود من أجل المساهمة في حلحلة هذه المعضلة لاتخاذ الإجراءات التي تبقى ضرورية من أجل معالجة مواطن الخلل وحبر الممارسات التي كانت سبباً في ذلك"، وفق قوله.
كما دعا المسؤول الجزائري لجنة التحقيق إلى "أكبر قدر من الفاعلية والنجاعة والتحلي بمنتهى الموضوعية والجدية في هذه المهمة الوطنية أثناء البحث عن مكامن الخلل واستقاء الحقيقة والمعلومات من السلطات الوصية والفاعلين في الميدان، وتوخي أقصى درجات الحياد"، وشدد على أن تكون جميع تنقلاتهم ونشاطاتهم بعيدة عن وسائل الإعلام ومن دون أي تصريحات.
ويظهر بيان تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية أنّ اللجنة استبقت أعمال الاستطلاع وألقت بكل مسببات الأزمة التموينية والندرة على المضاربة والمضاربين وشبكات الاحتكار، من دون أن تبقي هامشاً لوجود أسباب أخرى تخص مشكلات جدية لدى المنتجين في تحصيل مستحقات الدعم وتوريد المادة الأولية من الخارج، بسبب سياسات التقشف المالي التي تنتهجها الحكومة.
وتنكر السلطات الجزائرية وجود أزمة تموين أو نقص في الإنتاج، وتعتبر، بحسب آخر تصريحات لوزير التجارة كمال رزيق، أنّ مشكلات ندرة الزيت والحليب والطحين وغيرها من المواد التموينية مردها أساساً إلى وجود مضاربين يقومون بتخزين المواد التموينية الحساسة لخلق حالة من الندرة ثم إعادة بيعها بأسعار مرتفعة واستغلال الهلع الشرائي من قبل المواطنين في تحقيق أرباح إضافية.
وكانت السلطات قد أقرّت، قبل أسبوعين، قانوناً جديداً يجرم المضاربة بالسلع التموينية، تصل العقوبات فيه إلى 30 سنة، وأجبرت التجار والموزعين والمنتجين على ضرورة التصريح الإلزامي عن كل مقتنياتهم وبالكميات التي تحويها مخازنهم، تجنّباً لحجزها وإحالتهم إلى القضاء، حيث أدان القضاء، أمس الأربعاء، موزّعاً كان يخزن كميات كبيرة من الزيت بالسجن 7 سنوات، فيما أعلنت السلطات عن كشف مخزن فيه 11 ألف صفيحة زيت كانت مخزنة في قبو، وتم توقيف صاحبه وإحالته إلى القضاء.
ورغم استقلالية المؤسسة النيابية والفصل التام بين السلطات اللذين ينصّ عليهما الدستور، فإنّ رئيس مجلس الأمة أقرّ بأنّ إنشاء لجنة التحقيق جاء بتوجيه من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وكلّف اللجنة بإعداد تقرير مفصل حول الملف لرفعه إليه، ما يعني أنّ التقرير قد لا يعرض للنقاش البرلماني في جلسة عامة، وهو ما يعتبره نواب في الغرفة السفلى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إخلالاً باستقلالية المؤسسة النيابية.
وهم يعتقدون أنّ مجلس الأمة (الذي يضم حصراً أعضاء من أحزاب الموالاة ومعينين من رئاسة الجمهورية)، بادر إلى تشكيل لجنة تحقيق على مستواه، لقطع الطريق على مبادرة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، بحسب ما أفاد النائب في كتلة "حركة مجتمع السلم" عز الدين زحوف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، كان نواب من كتل معارضة في الغرفة السفلى للبرلمان يعتزمون تشكيلها.
كما يتخوف مراقبون من أن يكون مصير عمل هذه اللجنة مماثلا لمصير العمل الذي قامت به لجنة تحقيق برلمانية في أزمة ما عرف "بالزيت والسكر" عام 2011.