الجزائر: عجز غير مسبوق في العمالة الزراعية

18 ابريل 2022
قطاع الزراعة يُشغل نحو 900 ألف شخص (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه قطاع الزراعة في الجزائر، عزوفا حادا وغير مسبوق لليد العاملة، فمع مرور السنين، أصبح كابوس نفور اليد العاملة منه يؤرق المستثمرين في القطاع، ما خلق أزمة في ميدانٍ تراهن عليه الحكومة كثيرا لبعث الاقتصاد المحلي الريعي الذي لا يزال يعاني من تبعات تهاوي إيرادات النفط في العقد الأخير.
وحسب الأرقام الصادرة عن الديوان الجزائري للإحصائيات التي تحوزها "العربي الجديد"، فإن قطاع الزراعة في الجزائر يُشغل حاليا نحو 900 ألف شخص ما يمثل 7 بالمائة من اليد العاملة في البلاد، مقابل 1.2 مليون نهاية 2019، و2.5 مليون عامل سنة 2013.
ويبلغ العجز الذي سجله قطاع الزراعة بداية هذه السنة حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري قرابة 1.3 مليون منصب، ما جعل أصحاب الأراضي والمستثمرات على وجه الخصوص في مواجهة أزمة حادة مع بداية ونهاية كل موسم فلاحي، تحديدا عند غرس المحصول وجنيه.
ويؤكد رئيس الاتحاد الجزائري للفلاحين عبد اللطيف ديلمي هذه الأرقام في حديث مع "العربي الجديد". ويضيف أن "العجز يرتفع بحوالي 150 ألفاً إضافية في موسم الحصاد وجني الثمار".

واستشهد ديلمي بموسم جني القمح المنصرم الذي أدى خلاله نقص اليد العاملة إلى تأخر الكثير من المزارعين في حصد المزارع ما أسفر عن ضياع حوالي 10 في المائة من القمح المزروع حسب ديلمي.
في منطقة "المتيجة" المشهورة بزراعة الحمضيات، على بعد 100 كلم جنوب العاصمة، يقف المزارع عبد القادر بلغيث عاجزا عن وصف معاناته في إيجاد سواعد لقطف البرتقال واليوسفي (ماندرينا) مع بداية موسم جنيها مطلع فصل الشتاء المنصرم.
ويكشف المزارع لـ"العربي الجديد" أنه "تأخر في جني المحصول 13 يوما، وكادت الأمطار أن تذهب بالمحصول، لولا لطف الله"، كاشفا أنه استعان بمهاجرين أفارقة.
وأضاف عبد القادر: "أصبح شبابنا لا يثق في قطاع الزراعة، في الماضي كان أبناء المدن هم من يرفضون العمل في الحقول والمزارع، أما الآن حتى أبنائنا في الريف والمناطق الداخلية أصبحوا ينفرون من العمل في الزراعة ويفضلون البطالة عليها أو السفر إلى المدن الكبرى بحثا عن عملٍ قد لا يجدونه."
وحسب التوزيع الجغرافي فإن محافظات شرق الجزائر هي الأكثر تضررا من نقص اليد العاملة في قطاع الفلاحة بحكم الطبيعة الزراعية للشق الشرقي للجزائر، تليها منطقة الجنوب الذي أصبح كبار المزارعين فيه يعانون في بداية كل موسم في إيجاد عمال يتكفلون بعملية "القطيع" أي قطف ووضع التمر في الصناديق تحسبا لتسويقه، ما كلف بقاء التمر في النخل وتلفه.
يعاني صاحب مزرعة، نواري حيرش، على غرار الآلاف من الناشطين في مجاله من مشكل غياب اليد العاملة، التي باتت تؤثر سلبا على القطاع الزراعي وحتى على القطاعات المتصلة به كالصناعات الغذائية التحويلية. فالمشهد نفسه يتكرر حسب نواري عند موعد الجني ما يؤدي إلى تلف المحاصيل في الأرض ما ينجر عنه ضياع المحصول، وأضحت "مشكلة ومصدر أرقٍ للمزارعين الذين أصبح يصعب عليهم العثور على من يتكفل بعملية الغرس والجني".
وأضاف صاحب المزرعة الواقعة في محافظة "أم البواقي" 450 كلم شرق العاصمة الجزائرية أن "الصعوبات التي يواجهها المزارعون تحولت من مشاكل تقنية إلى مشاكل متعلقة بالعامل البشري، كون أن أغلب الفلاحين باتوا يملكون أحدث الآلات والعتاد الزراعي".

وأضاف نفس المتحدث: "ما نقدمه أجرة يوم واحد تعادل أو تفوق أحيانا أجرة ما يقدمه أصحاب مقاولات البناء، إلا أن الشباب أصبح يفضل قطاع البناء على الزراعة".
وإذ يصعب تحديد الأسباب الكامنة وراء عزوف الجزائريين خاصة فئة الشباب عن العمل في حقول الزراعة بدقة، إلا أن الخبراء يؤكدون أن تدني الأجور مقارنه مع القطاعات الأخرى وتضارب السياسات الحكومية من أبرز الأسباب.
وفي السياق، يؤكد الخبير في الزراعة عمر بلقاضي لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة شاركت من حيث لا تدري في ارتفاع العجز في اليد العاملة في قطاع الزراعة، بعد إطلاقها لبرنامج "دعم وتشغيل الشباب"، حيث سهلت على الشباب الحصول على قروض لإنشاء شركات صغيرة دون مراعاة الطابع الجغرافي ولا التكوين الدراسي والمهني للشباب، وبالتالي أصبح الشباب يفضل الحصول على قروض بنكية طويلة الأمد عوض دخول الحقول والمزارع".
وأمام هذه الوضعية لم يجد الكثير من المزارعين وأصحاب الحقول من حل سوى بالاستنجاد باليد العاملة الأجنبية من أفارقة مهاجرين وغيرهم.
وهو الخيار الذي تبناه المزارع أخضر غوماري من محافظة البويرة (100 كم جنوب شرق العاصمة)، حيث فضل " تشغيل أفارقة مهاجرين بأجرة يومية، عوض تضييع وقته في مفاوضة شباب لا رغبة لهم في العمل رغم عدم وجود أي فرص لهم للعمل خارج هذا القطاع.
وأضاف المزارع في حديث لـ "العربي الجديد" أن "شباب المنطقة أصبحوا يتكلمون عن "القروض البنكية" أو التوجه إلى المدن الكبرى للعمل في المقاهي ومحلات الأكل والحلاقة عوض العمل في البيئة التي نشأوا فيها".

المساهمون