الجزائر تطوي صفحة أسعار الغاز التفضيلية لأوروبا

11 سبتمبر 2022
منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي جنوب الجزائر العاصمة (فرانس برس)
+ الخط -

تضغط الجزائر من أجل رفع أسعار الغاز الموجه إلى دول جنوب القارة الأوروبية، في مقدمتها إسبانيا وفرنسا، لتطوي بذلك صفحة "الأسعار التفضيلية" التي اتبعتها لسنوات طويلة من أجل الظفر بعقود طويلة الأمد مع المشترين، في حين تتغير خريطة الإمدادات إلى القارة الباردة حالياً كما تتصاعد الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة بعد توقف إمدادات روسية كبيرة خلال الأيام الأخيرة إلى أجل غير مسمى، في إطار حرب الطاقة المستعرة بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وبينما تقول الجزائر، إنها تمكنت من الوصول إلى صفقة مناسبة مع إيطاليا في ما يتعلق بالكميات المصدرة والأسعار، تشير إلى صعوبات في المفاوضات مع إسبانيا ومباحثات أطول مع فرنسا.

ولا تفصح شركة النفط والغاز الجزائرية سوناطراك عن أسعار الغاز المباع إلى الزبائن الأوروبيين وفق العقود التي تجددها، إلا أن محمد عبد الهادي بن عامر، مدير فرعي في الشركة قال لـ"العربي الجديد" إن "سوناطراك نجحت في فرض أسعارها، التي تراها مناسبة، وفق تطور الأسواق مع وضع توازن بين الشروط المالية وعدم خسارة زبائننا".

ورفعت الجزائر صادرات الغاز إلى إيطاليا إلى 25 مليار متر مكعب سنوياً، مقابل 21 مليار متر مكعب سنوياً سابقاً، وفق اتفاق جرى إبرامه في إبريل/نيسان الماضي، لترفع روما بذلك حصتها من إجمالي صادرات الغاز الجزائري إلى قرابة 50%.

تستحوذ فرنسا على 8% من إجمالي صادرات الغاز الجزائرية، التي تبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب سنوياً، وفق البيانات الرسمية

وسمحت العلاقات المتقاربة بين الجزائر وإيطاليا في إبرام الصفقة مبكراً، بينما تمهلت فرنسا التي توترت العلاقة مع الجزائر كثيراً منذ نحو عام، في حين أشارت مصادر فرنسية وجزائرية أخيراً إلى فتح ملف زيادة صادرات الغاز إلى فرنسا على هامش زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى البلد الواقع في شمال أفريقيا في نهاية أغسطس/آب الماضي.

وحسب المعلومات التي كشفت عنها إذاعة "أوروبا 1" الفرنسية قبل أيام، فإن قرار رفع الصادرات الجزائرية من الغاز نحو فرنسا يبقى التزاما شفهياً من جانب الجزائر، إذ من المنتظر الدخول في مفاوضات بين شركة الطاقة الفرنسية "إنجي" و"سوناطراك" الجزائرية، للاتفاق حول زيادة الكميات والأسعار.

وخلال زيارة ماكرون إلى الجزائر، كان الوفد الفرنسي متحفظًا بشأن ملف الطاقة، بالرغم من أن كاثرين ماكغريغور، مديرة شركة "إنجي"، قابلت على انفراد، وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، وكذلك مدير "سوناطراك" الجزائرية توفيق حكار، حيث جرى طرح موضوع رفع إمدادات الغاز.

وفي السياق يرى مراد برور، الخبير في الطاقة الجزائري ومدير مكتب "ايمرجي" للدراسات الاستراتيجية في باريس، أنه بالرغم من عدم اعتماد فرنسا كثيراً على الغاز الجزائري، إلا أن الظروف الأخيرة المتعلقة بالإمدادات نحو أوروبا دفعتها للبحث عن مزيد من الإمدادات". وتستحوذ فرنسا على 8% من إجمالي صادرات الغاز الجزائرية، التي تبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب سنوياً، وفق البيانات الرسمية.

يقول برور لـ"العربي الجديد": "فرنسا تريد رفع حصتها ليس عبر السفن، ولكن عبر الأنبوب الذي يربط الجزائر بإسبانيا، وهذا تقنيا ممكن، لكن تبقى قضية التسعيرة، كما هو معلوم هناك نقطة متعارف عليها وهي عدم الكشف عن أسعار الغاز في العقود المبرمة، لكن حسب ما ورد إلينا، تريد الجزائر أسعارا لا تقل عن 75% من مستويات الأسعار في الأسواق العالمية، وهي مطالب تحاول فرنسا تقليصها".

ويضيف " تبدو الجزائر مصرة هذه المرة على مراجعة الأسعار التي تربطها مع دول جنوب القارة الأوروبية، خاصة أن العقود طويلة الأمد التي وقعتها منذ 2019، تسمح بمراجعة الأسعار في السنة الثالثة، وكان ذلك بطلب من إسبانيا وفرنسا، وها هي الجزائر تُفعل هذا البند".

الظروف مهيأة للجزائر

وتبدو الظروف مهيأة للجزائر أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى اتفاق يرضى طموحاتها فيما يتعلق بتسعير إمداداتها إلى القارة الباردة. إذ اعلنت شركة غازبروم الروسية، يوم الجمعة الماضي، أنه لن يكون بإمكانها استئناف تدفقات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، مشيرة إلى تسرب زيت في توربين الغاز الرئيسي في محطة بورتوفايا للضخ بالقرب من مدينة سان بطرسبرغ، فيما تتهم الحكومات الغربية موسكو بالبحث عن ذريعة لقطع الإمدادات، رداً على العقوبات التي فُرضت عليها.

وكانت روسيا قد أغلقت الخط الذي ينقل الغاز إلى ألمانيا يوم 31 أغسطس/آب، بسبب ما قالت "غازبروم" إنها أعمال صيانة ستستغرق ثلاثة أيام فقط حتى السبت الماضي. و"نورد ستريم 1" أكبر خط أنابيب غاز روسي إلى أوروبا من ناحية الكمية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنوياً.

وتظهر التطورات الأخيرة أن توقف الإمدادات الروسية سيتسع وسيستمر إلى أجل غير مسمى، حيث أظهرت بيانات من الشركة المشغلة لخط الأنابيب "يامال ـ أوروبا"، أن تدفقات الغاز المتجهة شرقا من روسيا إلى بولندا توقفت، يوم الاثنين الماضي أيضا.

وأشارت البيانات، وفق وكالة رويترز، إلى أن تدفقات الغاز في نقطة مالنو على الحدود الألمانية هبطت إلى الصفر. وأعلن نيكولاي شولغينوف، وزير الطاقة الروسي، الثلاثاء، أن بلاده ستخفض في الأغلب إنتاجها من الغاز بنحو 7% هذا العام.

ومع التطورات الأخيرة يمكن أن يزداد الوضع سوءاً بمجرد أن تتضاءل المخزونات في أوروبا، وخاصة مع اقتراب نهاية موسم التدفئة، أو إذا تعرضت القارة لنوبات برد شديدة. وتسبب توقف هذه الإمدادات في قفزات كبيرة لأسعار الغاز.

رفعت الجزائر صادرات الغاز إلى إيطاليا إلى 25 مليار متر مكعب سنوياً، مقابل 21 مليار متر مكعب سنوياً سابقاً، وفق اتفاق جرى إبرامه في إبريل/نيسان الماضي

فقد ارتفع سعر العقود الآجلة الهولندية وهي العقود القياسية للسوق الأوروبية بنسبة 35%، بينما من المقرر أن يعقد وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي اجتماعاً خاصا يوم الجمعة المقبل، لمناقشة إجراءات جذرية لمواجهة أزمة الطاقة غير المسبوقة في القارة. وقبل هذه الزيادة كان سعر الغاز في الأسواق الآسيوية يدور حول نحو 45 دولاراً لمليون وحدة حرارة بريطانية (وحدة قياس لبيع الغاز الطبيعي).

وكانت روسيا تمدّ الاتحاد الأوروبي بـ 41% من حاجته من الغاز الطبيعي العام الماضي، قبل أن تتراجع النسبة إلى ما دون 30% في الوقت الحالي، وسط مخاوف أوروبية من قطع كامل للغاز قبل حلول الشتاء.

في الأثناء، تشير الجزائر إلى إمكانية زيادة صادراتها إلى أوروبا لسد جزء من النقص في الإمدادات الروسية، معتمدة في ذلك على الاكتشافات الأخيرة، وفق محمد عبد الهادي بن عامر، المدير الفرعي في سوناطراك.

وبينما يشير مصدر في سوناطراك، إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع فرنسا بشأن زيادة الإمدادات، يقول إن إسبانيا تبدي مقاومة شديدة لمطالب الجزائر بشأن مراجعة أسعار الغاز، بالرغم من إرسال الشركة الجزائرية طلبين رسميين لشركة "ناتورجي" الإسبانية بهذا الشأن، مضيفا أنه من غير المستبعد التوجه الى التحكيم الدولي، في ظل الخلافات الحاصلة بين الجزائر ومدريد منذ أشهر.

وفي 31 أكتوبر 2021، قررت الجزائر التخلي عن إمداد إسبانيا بالغاز عبر أنبوب "المغرب العربي ـ أوروبا"، الذي يعبر الأراضي المغربية، في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية الذي أقدمت عليه الجزائر صيف 2021.

وحولت الجزائر إمدادات الغاز مع إسبانيا عبر أنبوب "ميدغاز" فقط، الذي يربط ميناء بني صاف الجزائري بألميريا الإسبانية، على أن تكون السفن الملاذ في حال تسجيل اختلالات تقنية أو عجز في الأنبوب الجديد الذي يحمل طاقة نقل تعادل 10 مليارات متر مكعب.

مصلحة متبادلة

وفي السياق، يقول الصحافي الإسباني المختص في الشأن النفطي، بيدرو كاناليس، لـ"العربي الجديد" إن " إسبانيا تحاول ربح الوقت حاليا، لكن الأكيد أن المفاوضات لمصلحة البلدين". وسبق للجزائر وإسبانيا أن دخلا في حرب أسعار حول إمدادات الغاز عام 2019، حيث رفضت الجزائر تخفيض الأسعار آنذاك، وطالبت بأن تتماشى مع مستويات الأسواق العالمية، بينما لوحت مدريد باللجوء إلى التحكيم الدولي، لولا تدخل قيادة البلدين، من أجل التوافق على سعر وسط أرضى الجزائر ومدريد.

خصص الساسة الأوروبيون نحو 280 مليار يورو (279 مليار دولار) لتخفيف آلام ارتفاع أسعار الطاقة على الشركات والمستهلكين، بعد تقليص روسيا الإمدادات

وتؤكد بنوك استثمار عالمية أن معطيات إمدادات الغاز والأسعار في أوروبا تتغير بشكل كبير بعد توقف الإمدادات الروسية أخيراً. ووفق تقرير لبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، فإن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا سترتفع قرب مستوياتها القياسية التي سجلتها خلال أغسطس/آب الماضي.

ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، الأحد الماضي، عن داميان كورفالين، رئيس أبحاث الطاقة في البنك، أن إعلان موسكو توقف الإمدادات لأجل غير مسمى، من المحتمل أن "يعيد إشعال حالة عدم اليقين في السوق في ما يتعلق بقدرة منطقة الاتحاد الأوروبي على إدارة المخزونات خلال فصل الشتاء". وعدم استئناف الإمدادات عبر "نورد ستريم 1" تحديداً يزيد من مخاطر انقطاع التيار الكهربائي ويشعل موجة غلاء السلع والخدمات.

وحسب تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية في يوليو/تموز الماضي، فإن أوروبا ستضطر إلى دفع أموال أكثر لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال خلال العام الجاري وربما حتى عام 2025 بسبب عدم وجود الغاز المسال الكافي لتلبية الطلب العالمي.

سلاح الغاز الروسي

ويرى محللون أنّ روسيا تستخدم الغاز سلاحاً للقضاء على تماسك وحدة القرار الأوروبي في المستقبل حيال العقوبات المفروضة على موسكو، وإشعال نار ثورات شعبية بسبب الفواتير الضخمة التي يدفعها المواطنون للكهرباء والتدفئة.

وبالفعل، شهدت العاصمة التشيكية براغ، السبت الماضي، مظاهرات عارمة قادها عشرات آلاف المواطنين ضدّ الحكومة، للمطالبة بتوفير المزيد من المساعدات، وسط ارتفاع فواتير الطاقة، في ما يعد أكبر مظهر من مظاهر السخط والاستياء التي عبّر من خلالها المحتجون تجاه أسوأ أزمة ارتفاع لتكاليف المعيشة التي تشهدها البلاد منذ ثلاثة عقود.

من جهتها، أعلنت الحكومة تقديم مساعدات إلى المواطنين تبلغ قيمتها 177 مليار كرون تشيكي (أي ما يُعادل 7.2 مليارات دولار) أو نحو 3% من الناتج الاقتصادي للبلاد. ومن المقرر أن تشمل حزمة الإجراءات الجديدة زيادات في المعاشات التقاعدية وزيادات في أجور موظفي الدولة و66 مليار كرون تشيكي لدعم الطاقة.

وإجمالاً خصص الساسة الأوروبيون بالفعل نحو 280 مليار يورو (279 مليار دولار) لتخفيف آلام ارتفاع أسعار الطاقة على الشركات والمستهلكين، لكن ضخامة الأزمة تُعرّض المساعدات لخطر التضاؤل.

المساهمون