عادت رياح التغيير لتهب مجددا على البنك المركزي الجزائري، منهية قرابة 20 شهراً من الاستقرار، بتعيين محافظ جديد هو الثالث منذ بداية الحراك الشعبي في 2019، ليعود الجدل مجددا حول دور المؤسسة المالية الأولى في البلاد ومهمة الرجل الأول فيها والذي تنتظره ملفات عدة، تتصدرها ملفات وقف تدهور قيمة الدينار ومعالجة نقص السيولة في البنوك، وإطلاق ورشة إصلاح القوانين المنظمة لنظام النقد والتسليف.
الرئيس عبد المجيد تبون كان قد أقال في 23 مايو/ أيار المنصرم محافظ "بنك الجزائر" السابق رستم فاضلي، وعيّن بدلاً منه صلاح الدين طالب، أمين مجلس النقد والقرض في البنك المركزي، علما أن فاضلي كان قد خلف في هذا المنصب أيمن عبد الرحمن بعد تعيينه وزيراً للمالية في يونيو/ حزيران 2020، قبل أن يتولى رئاسة الوزراء عاماً بعد ذلك.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن إقالة فاضلي جاءت في أعقاب شكاوى رفعتها منظمات رجال الأعمال وأرباب العمل، على مدار سنة كاملة من العراقيل والإجراءات المشددة التي أقرها البنك المركزي حيال منح القروض لتمويل مشاريع الاستثمار، حيث ألزم البنوك العمومية والخاصة بتلقي ضمانات مضاعفة، خاصة العقارية، مقابل منح التسليفات، وهو ما أثار حفيظة رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، تزامنا مع الركود الذي كانت قد فرضته جائحة كورونا.
وتتجه الأنظار نحو المحافظ الجديد للبنك المركزي الجزائري صلاح الدين طالب، الذي تنتظره رهانات وامتحانات عديدة ومترابطة، ينتظر أن يسابق الزمن لحلها، تحت ضغط الرئاسة الجزائرية التي ربطت مهمته "الإصلاحية" بعامل الزمن، أي قبل نهاية عهد الرئيس تبون في آخر عام 2024، تمهيدا لإعادة ترشحه في ظروف مالية حسنة في حال قرر ذلك.
وبحسب السيرة الذاتية للمحافظ الجديد، فإن طالب يُعد من المدافعين عن فتح المؤسسات المالية المحلية على العالم، بمعنى "تدويل" النظام المصرفي.
وحاز طالب من جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا الجزائرية على شهادة الدراسات العليا في الرياضيات والأبحاث التقنية سنة 1981، لينتقل إلى الولايات المتحدة وتحديداً لجامعة "أوريغون" ليحصل على ماستر في الاختصاص نفسه سنة 1984 ثم شهادة الدكتوراه في تخصص الإحصائيات سنة 1987، قبل عودته إلى الجزائر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي والتحاقه ببنك القرض الشعبي العمومي، سنة 1996 كمسؤول قسم التدقيق، ثم مراقب عام سنة 2008 إلى غاية 2008، ليتم تعيينه في السنة نفسها مسؤول التدقيق في المركزي الجزائري، ثم أمينا عاما لمجلس النقد والقرض منذ 2014 إلى غاية 2022.
وأكد محافظ بنك الجزائر السابق عبد الرحمان حاج ناصر لـ"العربي الجديد"، أن "الإشكالية في البنك المركزي، كما في الجزائر، تتعلق بالتشغيل والإدارة وليس في التمويل، فمثلا قانون القرض والنقد المعدل جذريا سنة 2001 من طرف الرئيس الراحل السابق عبد العزيز بوتفليقة، قوّض صلاحيات محافظ بنك الجزائر وجعله مجرد إداري لا يقدم على أي خطوة من دون استشارة الحكومة والرئاسة على السواء، كما لا يبادر بقرارات مهمة، وترك الأمر بيد مجلس القرض والنقد المكون من ممثلين عن الحكومة ورئيس البلاد والبنوك".
وبحسب ناصر فإن "المحافظ الجديد يحمل خريطة طريق تتعلق بتحسين صورة المنظومة البنكية لدى الخارج بحكم مساره التدريبي والمهني، من أجل استقطاب مستثمرين وتمويلات أجنبية، وهي مهمة صعبة نظرا للتركة التاريخية الكبيرة التي ورثها عن سابقيه، والتي تتميز بتشديد الإجراءات وتكبيل البنوك، في وقت كشفت فيه قضايا الفساد المفتوحة أمام العدالة عن استفادة الكارتل المالي في عهد بوتفليقة من امتيازات مصرفية كلفت الجزائر مليارات الدولارات".
ويتزامن تغيير محافظ بنك الجزائر مع استمرار تراجع مساحة تحرك المؤسسات المالية، فالمصارف دخلت في نفق أزمة نقص السيولة، زادت من حدتها أزمة كورونا، رغم تدخلات البنك المركزي لإنقاذها، فيما دفع شح الموارد غالبية المصارف إلى اللجوء للاحتياطات الإلزامية، وبالتالي دخلت في أزمة غير مسبوقة، لم تعتدها المنظومة المصرفية سابقا. وتفيد الأرقام بأن سيولة البنوك بلغت في مطلع مارس/ آذار المنصرم 1500 مليار دينار، أي ما يعادل 10.34 مليارات دولار، بعدما كانت 4 مليارات دولار في منتصف 2021.
ورغم هذا التحسن، تبقى السيولة ملامسة للخطوط الحمراء بعدما كانت بين 18 و25 مليار دولار بين 2010 و2019، الأمر الذي يُنذر بتواصل شح الموارد المالية. ويأمل رجل الأعمال ونائب رئيس الكونفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل المقاولين (أكبر تكتل لرجال الأعمال)، كمال عثماني، أن "يحمل المحافظ الجديد للمركزي حلا لمعضلة تمويل البنوك للمشاريع الاستثمارية، حيث سجل التكتل معدل رفض لطلبات بمعدل 3 من كل 5 طلبات، وهذا رقم مرتفع، ولا يخدم الاقتصاد".
وأضاف: "الأكيد أن الشركات والمؤسسات متعثرة وتجد صعوبة في العودة إلى نشاط ما قبل كورونا، إذ رغم تعليمات رئيس الجمهورية بقي المركزي يطالب المصارف بتشديد إجراءات منح القروض الاستثمارية"، وانتهى إلى القول: "نحن مستعدون للتعاون مع المحافظ الجديد والاستماع لخطته وورقة طريقه ومرافقته لما يفيد البلاد".