التهاوي الكبير لليرة وخطأ أردوغان المكرر

23 مارس 2021
هزة عنيفة لليرة التركية عقب عزل البنك المركزي (getty)
+ الخط -

يخطئ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقدامه على عزل محافظ البنك المركزي التركي ناجي آغبال من منصبه، بعد أقل من 5 أشهر على تعيينه، باعثا برسالة خطيرة للأسواق العالمية والمحلية على حد سواء، مفادها أن النظام السياسي يتدخل في شؤون وقرارات البنك المركزي، ويتدخل كذلك في إدارة السياسة النقدية وتحديد اتجاهات سعري صرف العملة والفائدة بحيث لا تعبر عن قوى السوق وآليتي العرض والطلب وظرف الاقتصاد وتدفقات النقد الأجنبي.

وبذلك يخالف الرئيس التركي هنا الأعراف المصرفية الدولية المتبعة التي تقول إن إدارة السلطات النقدية مهمة أصيلة للبنك المركزي وليست من مهام الحكومة والأنظمة ولا تخضع لرغبات الأحزاب الحاكمة. 
ويخطئ أردوغان ثانيا حينما يعزل ثلاثة من محافظي البنك المركزي التركي خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز العام ونصف العام، باعثا برسالة أخطر لكبار المستثمرين الدوليين مفادها أنه لا استقرار داخل مؤسسة (البنك المركزي) المسؤولة عن دعم الاستقرار المالي والنقدي في البلاد، وأن أي محافظ للبنك المركزي يعمل بشكل مستقل وبعيد عن ضغوط السياسة ورغباتها ويرفع سعر الفائدة سيكون مصيره العزل والإقالة من منصبه كما حدث مع مراد أويصال، الذي أقيل من منصبه في نوفمبر الماضي، ومراد تشتين قايا الذي عزل في يوليو 2019.

عزل أردوغان محافظ البنك المركزي التركي ناجي آغبال من منصبه، بعد أقل من 5 أشهر على تعيينه، باعثا برسالة خطيرة للأسواق العالمية

ويخطئ أردوغان ثالثا حينما يتخيل أن كرهه لأسعار الفائدة المرتفعة وربطها بقضية الربا المحرم شرعا يعني عدم استخدام هذا السلاح من قبل البنك المركزي التركي في علاج الأزمات المالية والاقتصادية الطارئة التي تمر بها البلاد ومنها مكافحة التضخم العالي وزيادة حدة المضاربة على العملة الوطنية.
فسلاح سعر الفائدة بات أحد أبرز أدوات السياسة النقدية التي تستخدمها كل البنوك المركزية في العالم في علاج تضخم الأسعار وكبح المضاربات على العملات الوطنية، والاقتصاد التركي ليس بمعزل عن الاقتصاد العالمي، خاصة أن تركيا عضو في مجموعة العشرين. 

عزل أردوغان محافظ البنك المركزي التركي ناجي آغبال كان أحد أبرز أسباب التهاوي الكبير للعملة التركية والتي فقدت على أثره نحو 17% من قيمتها ليلة يوم الأحد، وهو أعلى معدل تفقده منذ صيف 2018 حين فرض دونالد ترامب عقوبات مفاجئة استهدفت الاقتصاد التركي وليرته. بل إن البعض أطلق على هذا التهاوي المفاجئ "الأثنين الأسود" بسبب خسائره الفادحة. 
صحيح أن الليرة التركية استردت جزءا كبيرا مما فقدته ليلة الأحد عقب امتصاص الأسواق صدمة عزل محافظ البنك المركزي الذي رفع سعر الفائدة إلى 19% لدعم العملة المحلية مقابل الدولار.
وصحيح أن الجميع تأكد أن التهاوي الكبير لليرة لم يكن إلا لساعات وبفعل قوى داخلية وخارجية استغلت قرار العزل وقرار البنك المركزي زيادة سعر الفائدة في احداث فوضى في سوق الصرف الأجنبي، لكن تهاوي العملة تسبب بالفعل في هز الأسواق ولو لساعات، وهو ما سعى المضاربون إلى تحقيقه.

التهاوي الكبير لليرة لم يكن إلا لساعات وبفعل قوى استغلت قرار العزل وقرار البنك المركزي زيادة سعر الفائدة في احداث فوضى في سوق الصرف الأجنبي

كثيرون لا ينكرون استهداف الاقتصاد التركي وعملته من قبل قوى إقليمية ودولية وبشكل متواصل، وهو ما يظهر مباشرة عقب وقوع تطورات سياسية مهمة مثل محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، أو الاستحقاقات الدستورية واجراء انتخابات.
وهؤلاء لا ينكرون استخدام هذه القوى لورقة محاولة إضعاف الليرة للضغط على الاقتصاد التركي ونظامه السياسي، ومحاولة تخويف الاستثمارات الأجنبية والشركات الدولية الراغبة في ضخ استثمارات ضخمة داخل تركيا.

لكن في المقابل فإن النظام السياسي التركي يعطي مبررا لهذه القوى الإقليمية والدولية للتلاعب في سوق الصرف الأجنبي حينما يعزل أردوغان 3 محافظين للبنك المركزي في أقل من عام ونصف، رغم إشادة حزب العدالة والتنمية الحاكم بالمحافظين عقب توليهم منصبهم.

ويحاول النظام الحاكم أن يفرض القواعد السياسية على إدارة السياسة النقدية وهو ملف تقني ومالي واقتصادي بحت قبل أن يكون سياسياً، ويرفض قرارات رفع سعر الفائدة رغم تذبذب الليرة وزيادة التضخم.

المساهمون