كبح التضخم أم دعم النمو الاقتصادي؟ سؤال يطفو على سطح النقاش بقوة في المغرب، بعد ردود الأفعال التي أثارها رفع البنك المركزي لمعدل الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
فقد قرّر مجلس البنك المركزي رفع معدل الفائدة في 21 مارس/ آذار من 2.50 في المائة إلى 3 في المائة، وهو اليوم نفسه الذي كشفت فيه المندوبية السامية للتخطيط عن معدل التضخم الذي وصل إلى 10.1 في المائة في فبراير/ شباط. وتوضح المندوبية السامية للتخطيط أن التضخم يأتي مدفوعا بارتفاع مؤشر أسعار السلع الغذائية بـ20.8 في المائة في فبراير، فيما يؤكد البنك المركزي أن رفع معدل الفائدة يأتي من أجل تجنب الانزلاق إلى دوامات تضخمية، لافتاً إلى الاتجاه نحو بلوغ التضخم حدود 5.5 في المائة في العام الحالي، بعد 6.6 في المائة في العام الماضي، علما أن الحكومة تستهدف معدل 2 في المائة.
لكن هذه المرة، تجاوز الاهتمام بقرار الزيادة في سعر الفائدة وسائل الإعلام والاقتصاديين، حيث وجد صدى له في الشارع وكذا على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نشطت التخمينات حول مدى معاكسة ذلك لهدف الحكومة في تنشيط الحركة الاقتصادية وخلق فرص العمل.
هذا السجال نقل على شكل أسئلة إلى الحكومة حول ما إذا كان قرار البنك المركزي يتناقض مع أهداف دعم النمو، حيث نفى الناطق الرسمي باسمها ذلك، مؤكدا بعد انعقاد المجلس الحكومي أخيراً، أن البنك المركزي، بحكم الدستور، مستقل يتخذ قراراته بناء على قراءته للوضع الاقتصادي والنقدي. والنقاش لم يتوقف، حيث أكد داعمو قرار البنك المركزي أن مهمته الرئيسية تتمثل في الحرص على استقرار الأسعار عبر السعي لكبح التضخم. وأن هذا جوهر السياسة النقدية التي يقودها.
ويعتبر مراقبون أن بنك المغرب واجه وضعا صعبا، متمثلا في نشاط اقتصادي هش، وظرفية متسمة بعدم اليقين وتضخم مستورد، ما يعني أن رفع معدلات الفائدة يمكن أن يضر بالدينامية الاقتصادية. غير أن هؤلاء المراقبين يرون في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن بنك المغرب سعى عبر قراره إلى التأكيد على مصداقيته في سياق تجاوز فيه التضخم 10 في المائة، رغم ما يمكن أن يحدثه ذلك، بعيدا عن الأفراد والشركات، من قلق لدى الحكومة على اعتبار أنه يرفع قيمة الدين الداخلي للخزانة ويقلص هامش الموازنة للدولة.
لم يخمد النقاش، خاصة بعدما أدلى مدير المندوبية السامية للخطيط أحمد الحليمي بدلوه في تصريحات محلية، مؤكداً على أن التضخم مدفوع بارتفاع أسعار السلع الغذائية. الحليمي لا يرى جدوى من رفع سعر الفائدة الرئيسي من أجل خفض الطلب والتأثير على التضخم، فهو يعتبر أن المشكلة تكمن في عدم كفاية العرض، خاصة على مستوى السلع الفلاحية.
ويشدد على أنه يجب التأثير على العرض، مشددا على أنه يجب التعايش مع التضخم الذي سيصبح معطى هيكليا، حيث يمكن أن ينخفض مع عدم رفع الإنتاج، وفي انتظار ذلك يمكن قبول تضخم يتراوح بين 4 و5 في المائة. وسبق للحليمي أن أكد في مناسبات سابقة أن المغرب لا يتمتع باستقلاله الغذائي.
وما دام يستورد 40 في المائة من حاجيات الاستهلاك، فإن مواجهة صعوبات على الصعيد الفلاحي، ستفضي إلى ارتفاع التضخم بفعل الاستيراد. في وقت ينفلت فيه التضخم، يتذكر الكثيرون دفاعه عن فكرة "التضخم الجيد".
يوضح أنه إذا استطاع المغرب الانخراط في تضخم جيد، الذي يعني ارتفاع الأجور بموازاة ارتفاع الأسعار، فإنه سيكون ضمن مسلسل تضخم غير مؤذ، غير أنه يؤكد على أن واقع الحال ليس كذلك.
غير أن الخبير في القطاع البنكي، مصطفى ملغو، يرى في حديث مع "العربي الجديد" أن كبح التضخم يحيل إلى نوع من الحيرة، حيث لا يرى البنك المركزي حلا خارج التحكم في مستوى الكتلة النقدية، بينما يعتبر المندوب السامي أن الحل النقدي لا يجدي، داعيا إلى التعايش مع التضخم وتحمل ارتفاع الأسعار دون أن يأتي ببدائل.
ويشير ملغو إلى أن رفع سعر الفائدة الرئيسية سيؤثر سلبا على كلفة القروض، معتبرا أنه إذا ما زادت الفوائد على القروض سيفضي ذلك إلى تراجع الطلب عليها بما لذلك من تأثير انكماشي على الاستثمار والنمو الاقتصادي. ويعبتر مراقبون أن مشكلة الأسعار مرتبطة في جزء كبير منها بطبيعة السوق والفاعلين فيه.
وليس بعيدا عن السياسة النقدية، يعتبر محمد الهاكش، الخبير في القطاع الزراعي، في حديث مع "العربي الجديد" أن ارتفاع الأسعار سيضغط أكثر على الأسر التي تشتكي من الزيادات التي تضر بقدرتها الشرائية، خاصة في سياق متسم بضعف الأجور وعدم زيادتها بما يساير مستوى التضخم.
ويرى أن معالجة مشكلة الغلاء تبدأ في إعادة النظر في طريقة الإنتاج، فعوض التركيز على التصدير على المستوى الزراعي الذي يهم الفلاحين الكبار، يتوجب دعم المزارعين الصغار والمتوسطين وكذا المستهلك، إذ يعاني كل هؤلاء من ارتفاع التكاليف وعدم وضوح مسار السوق.