التضخم الجامح يفاجئ الأسواق الأميركية

15 يوليو 2022
محل خضر في مدينة شيكاغو وسط أميركا (Getty)
+ الخط -

في مفاجأة لأغلب المتعاملين في الأسواق، تجاوز التضخم الأميركي المسجل في شهر يونيو / حزيران الماضي توقعات المحللين مسجلاً 9.1% للمرة الأولى في أكثر من أربعة عقود، في إشارة على تزايد الضغوط على المستهلك، وتراجع الأجر الحقيقي الذي يحصل عليه العامل مقارنةً بما كان يتقاضاه قبل عامٍ واحدٍ فقط.

وأظهر التقرير الصادر عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي الأربعاء ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، المقياس المفضل لبنك الاحتياط الفيدرالي لقياس معدل التضخم، بسبب ارتفاع تكلفة وقود السيارات والبقالة وإيجارات المنازل والعناية بالأسنان. وأكد التقرير أن متوسط أجر العامل، بعد ضبطه بمعدل التضخم، انخفض 1% مقارنةً بالشهر الماضي، و3.6% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
وارتفعت أسعار الأغذية في أميركا خلال الشهر الماضي بنسبة 10.4% مقارنة بالعام الماضي، بسبب ارتفاع أسعار الزبد والسمن والدقيق والدواجن والحليب، وكذلك الأطعمة الجاهزة كالحساء ووجبات العشاء المجمدة، بنسب مرتفعة، وصلت في بعض أنواع الزبد إلى ما يقرب من 35%، منها 7% خلال الشهر الماضي فقط، بينما كانت في كرتونة البيض 33%، وفي اللبن كامل الدسم 17%.
ونقلت وسائل الإعلام الأميركية، في أعقاب إعلان الأرقام الواردة بالتقرير، آلام بعض المستهلكين المتضررين من ارتفاع الأسعار، وقولهم إنهم لم يتوقعوا قبل ستة أشهر أن يتوجهوا لشراء احتياجاتهم من سلاسل المتاجر منخفضة التكلفة Discount Supermarkets.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تكررت ظاهرة في المتاجر الكبيرة وهي مشهد انشغال البائعين في وضع ملصقات على البضائع تحمل أسعارها الجديدة، بينما انتشرت في المتاجر الصغيرة ظاهرة وضع ملصق على مدخل المتجر يؤكد أن البيع يتم بسعر يتجاوز ما هو مكتوب على المنتج بنسب تتراوح بين 10% - 15%، في مشهد لم يعتده الأميركيون، على الأقل خلال الأربعين سنة الأخيرة.

وشهدت أسعار البقالة في المتاجر الأميركية ارتفاعاً أسرع مما شهدته أسعار الوجبات في المطاعم، أو الوجبات السريعة المتوفرة في ماكينات البيع، حيث سجل مكون الطعام المنزلي من مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعاً بنسبة 12.2% خلال الاثني عشر شهراً الماضية، في أكبر زيادة له منذ شهر أبريل / نيسان من عام 1979.
وعلى نحو متصل، طاول ارتفاع الأسعار مجموعة كبيرة من غذاء المواطن الأميركي اليومي، حيث ارتفعت أسعار الفاكهة والخضروات بما يقرب من ثمانية بالمائة، ومنتجات الألبان بما يقرب من 13.5%، واللحوم والدواجن والأسماك بنحو 12%، لتكمل شهرها السادس من الارتفاعات، ويتفاقم تأثيرها السلبي على مستوى معيشة الأميركيين.
وخلال الشهر نفسه، ارتفعت أسعار الملفوفات الطازجة والقهوة والكعك والدونتس والفطائر المجمدة والمشروبات وتوابل السلطة والأطعمة الجاهزة المجمدة بنسبة 15% مقارنة بأسعارها العام الماضي.
ووصف الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان بيانات التضخم الأخيرة بأنها "فظيعة"، مشيراً إلى كونها الأعلى منذ عام 1981، وأنها فاقت أغلب التوقعات التي لم تتجاوز 8.8%، مؤكداً أن تفاصيل تقرير مكتب إحصاءات العمل "تبدو مقلقة بنفس القدر".
وعلى حسابه على موقع التواصل المهني "لينكدإن" قال العريان: "الخلاصة أن البيانات الأخيرة تمثل ضربة أخرى للرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وتسلط الضوء على أسوأ أخطاء لسياسة بنك الاحتياط الفيدرالي منذ عقود". وبقدر ما يمثل ارتفاع معدل التضخم مشكلة كبيرة للأميركيين، الذين يعيش نسبة كبيرة منهم على إجمالي راتبهم الشهري دون وجود فرص للادخار، يهدد استمرار معدل التضخم في الارتفاع فرص الرئيس جوزيف بايدن لتحسين نسب الرضا عن أدائه وحزبه الديمقراطي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر عقدها خلال شهر نوفمبر / تشرين الثاني القادم، والتي تشير التوقعات إلى كسر الحزب الجمهوري خلالها سيطرة الديمقراطيين على مجلسيه. ويوم الأربعاء، قال بايدن إن "محاربة التضخم تأتي على رأس أولوياته خلال الفترة الحالية".
وفور إعلان بيانات التضخم، أكد بريان ديس، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي، أن البيانات الصادرة تخص الشهر الماضي، وأنها لم تعكس بعد تراجع أسعار النفط، ومنتجات الطاقة عموماً، خلال الأسبوعين الأخيرين.
وقال جوزيف جلوبار، كبير الباحثين لدى معهد أبحاث سياسات الغذاء الدولي، إن "أسعار السلع، مثل الذرة والقمح وفول الصويا، انخفضت خلال الأشهر الأخيرة"، متوقعاً تراجع أسعار الغذاء خلال الفترة القادمة لتعكس تلك الانخفاضات، وإن بنسب أقل.
وأشار جلوبار إلى أن مساهمة أسعار السلع في تكلفة الرغيف لا تتجاوز 5% - 10% من ثمنه لدى محل البقالة، بينما تعكس تكلفة الإعداد والنقل والتأمين والعمالة والطاقة، وكافة أوجه القيمة المضافة الأخرى من لحظة جمع محصول القمح حتى وصوله إلى أرفف المتاجر في صورة رغيف خبز، النسبة المتبقية. وتجدر الإشارة إلى أن قدرة الأميركيين على إعداد الخبز في منازلهم تراجعت بعد أن ارتفع سعر الدقيق خلال الشهر الماضي بنسبة 19%.

وينتظر المتقاعدون الأميركيون شهر أكتوبر / تشرين الأول الذي سيتم فيه إعلان نسبة الزيادة المنتظرة في مداخيلهم الشهرية العام القادم 2023، والتي ينتظر أن تكون الأعلى في أكثر من أربعة عقود، ويقدرها المحللون حالياً بأكثر من عشرة بالمائة.
وتحدد إدارة التأمينات الاجتماعية الأميركية الزيادة في تكلفة المعيشة، المعروفة اختصاراً باسم COLA، من خلال مقارنة متوسط قيم مؤشر أسعار المستهلكين خلال الربع الثالث من العام الحالي بنظيره من العام الماضي، وتشير التقديرات إلى تجاوزها 175 دولاراً في حالة وصول الزيادة في تكلفة المعيشة إلى نسبة 10.5% من راتب التقاعد للعامل البالغ حالياً نحو 1670 دولاراً شهرياً. وعانى المتقاعدون كثيراً خلال العام الحالي مع ارتفاع الأسعار المبالغ فيه في السوق الأميركية، بعد أن تم منحهم زيادة في تكلفة المعيشة لم تتجاوز 5.9% مطلع العام الحالي.