التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان: خلافات تنتهي بتمديده

05 نوفمبر 2020
خلال تحرك سابق أمام مصرف لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

دخل ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي مرحلة صعبة، في ظلّ امتناع حاكم البنك المركزي رياض سلامة عن تسليم كافة البيانات لشركة "الفاريز آند مارسال" المكلفة بعملية التدقيق الجنائي، من بوابة السريّة المصرفيّة وقانون النقد والتسليف.

وعلى وقع الخلافات، أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية غازي وزني، الخميس، تمديداً لمدة ثلاثة أشهر للموعد النهائي لتقديم كامل البيانات المطلوبة لتدقيق جنائي بشأن البنك المركزي، حيث حجب الأخير معلومات مطلوبة من الشركة للبدء في التدقيق، وهو مطلب أساسي للحصول على مساعدات مالية خارجية، لمساعدة لبنان في مواجهة الانهيار المالي.

وجاء تصريح وزني بعدما عقد الرئيس اللبناني ميشال عون اجتماعاً في قصر بعبدا الجمهوري معه بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس فريق التدقيق الجنائي من شركة "ألفاريز آند مارسال" جميس دانيال. وأكد الرئيس عون ضرورة التزام الحكومة إجراء التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان، وأهمية هذه الخطوة في مجال الإصلاحات الضرورية لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد.

و"لم يسلّم البنك المركزي شركة التدقيق سوى 42 في المائة فقط من الملفات"، وفق ما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.

وحذّر الأخير من محاولة الإطاحة بالتدقيق الجنائي، لمنع اللبنانيين من معرفة حقيقة خلفيات اختفاء ودائعهم، وأسباب الانهيار المالي والتلاعب المدروس بسعر العملة الوطنية. وقال "المطلوب اليوم هو أن يبادر مصرف لبنان إلى تسليم شركة التدقيق الجنائي المستندات والمعلومات التي تطلبها، كي ينطلق التدقيق لكشف الوقائع المالية وأسباب هذا الانهيار"، معتبراً أن "أي محاولة لعرقلة التدقيق الجنائي هي شراكة في المسؤولية عن التسبّب بمعاناة اللبنانيين على المستويات المالية والاقتصادية والمعيشية".

وينصّ العقد مع شركة التدقيق على تسليم مصرف لبنان للشركة المستندات والمعلومات التي طلبتها، لإطلاق ورشة التدقيق الجنائي. ويقول المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان يهدف الى فحص جميع المعاملات المالية للمصرف المركزي، عبرَ تمحيص البيانات والمعلومات والمستندات المتعلقة بها، وذلكَ لمعرفة ما إذا كان يوجد بشأنها هدر وفساد مالي، ولا سيما في ضوء الخسائر الكبيرة اللاحقة بالمصرف المركزي، والتي قُدّرت بستين مليار دولار أميركي، بحسب ما جاء في الخطة الإصلاحية للحكومة المستقيلة.

ويشير إلى أنه لهذه العلة وبسبب اعتبارات الاستقامة والشفافية يقتضي لزاماً تزويد حاكم مصرف لبنان شركة "ألفاريز أند مارسال"، بكلّ المستندات والبيانات المطلوبة للتمكن من حُسن قيامها بمهامها التي أوكلتها بها الحكومة اللبنانية، عبر وزارة المالية، وخصوصاً أنَّ إحجامه عن تزويدها بمستندات أساسية واقتصاره فقط على تزويدها ببعض البيانات يحولان بالتأكيد دون وصولها إلى كشف حقيقة الخسارة الكبيرة التي تعرّض لها المصرف المركزي ولعقودٍ من الزمن".

ويلفت المحامي عزو إلى أن حاكم المصرف المركزي برّر إحجامه المشار اليه بذرائع واهية، مآلها السرية المصرفية التي تحول دون ذلك على حد زعمه، ولكن يُرَد على هذه المزاعم الواهية بحجج قانونية تنقضها كلياً، تتمثل أولاً، بأن السرية الملحوظة بالقانون اللبناني لا تسري على حسابات الدولة ومصرف لبنان ولا تتناول المال العام، وخاصةً أنَّ الدولة نفسها هي من طلبت التحقيق في هذه الحسابات، بمعنى أنّها رفعت ضمناً السرية المصرفية عنها، وخاصة أن هذه الأموال المودعة في حسابات المصرف المركزي هي أصلاً مكشوفة وغير سرية عملاً بقانون حق الوصول إلى المعلومات.

ويضيف أن السرية المصرفية تشمل فقط أسماء الأشخاص لا حساباتهم، علاوةً على ذلك، يُرجّح دوماً في لعبة المفاضلة بين القواعد القانونية، تطبيق النصوص ذات النفع العام، والتي تتعلق بالانتظام العام على القواعد ذات النفع الخاص والتي تتعلق بالأفراد، وخاصةً أنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية قد أوجب على كل شخص شاهد جريمة أو علم بها، أن يُخبرَ السلطات القضائية المختصة بها تحت طائلة الملاحقة الجزائية، وهو بالتالي ما لا يمكن نسفه بذريعة السرية المصرفية، وخصوصاً متى ما كان الجرم واقعاً على مال عام والذي هو فوق كل اعتبار".

كما تقتضي الإشارة أيضاً، بحسب المحامي عزو، إلى أنّ السرية المصرفية، لا تعني حجب أو كتمان الجريمة المصرفية، وخاصة أنَّه بحال أقدم مسؤولون في المصرف، على ارتكاب جرائم فإنّ أفعالهم تقع تحت قانون العقوبات، ناهيك عن كون السرية تبقى محصورة بقيود الدفاتر والمعلومات المتعلقة بالزبائن، من دون الجرائم التي يرتكبها المصرف في ممارساته المصرفية، إذ إن قانون السرية المصرفية قصد حماية المعلومات المتعلقة بالزبائن دون المرتبطة بالمصرف ذاته، وهو ما يؤدي إلى سقوط موجب السرية المصرفية، أمام موجب الإبلاغ عن الجريمة.

ويؤكد المحامي هيثم عزّو بأنَّ "إحجام حاكم المصرف المركزي عن تزويد شركة التدقيق المالي الجنائي بالمستندات المطلوبة قد يدفع بهذه الشركة إلى الاعتذار عن إكمال المهمة موضوع العقد المبرم بينها وبين الدولة اللبنانية، ما يُشكّل قرينة دامغة عليه بتورّطه في هدر المال العام في ظل انعدام شفافيته، وإحجامه عن التعاون الجدي المطلوب مع الشركة المولجة بالتدقيق في حسابات المصرف الذي يرأسه.

من جهتها، غرّدت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، على حسابها عبر "تويتر" قبيل وصول فريق الشركة، قائلة، إنّ القوانين القائمة تسمح بالتدقيق المالي الجنائي، أما السمسرات القائمة فلا تسمح به، وهذه هي المعادلة، وما عدا ذلك "كلام بكلام". داعيةً، أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان الى تحكيم ضمائرهم والتزام القانون وهم يتحمّلون المسؤولية أمام الحكومة والشعب والتاريخ.

من جانبه، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، إن العقد مع شركة التدقيق الجنائي غير قابل للتنفيذ، وأضاف في تصريح: "سألنا ممثلي مصرف لبنان عن هذا الملف وتبيّن لنا أنه، ومنذ اليوم الأول، كان معروفاً لدى الجميع، أن هذا العقد الموقع مع "الفاريز"، يخضع للقوانين اللبنانية، التي لا تتيح للشركة إمكانية الدخول إلى كل الحسابات، بسبب السرية المصرفية".

وسأل كنعان "كيف يوقّع عقد بقيمة مليوني دولار من دون الأخذ بالاعتبار أنه وفي غياب تعديل قانون النقد والتسليف، لا يوجد إمكانية لإتمام مهام التدقيق الجنائي. وكان من المفترض على من يريد فتح الطريق أمام التدقيق الجنائي أن لا يوقّع عقداً من هذا النوع، ويخسّر الدولة مالياً، ولا يرفع آمال اللبنانيين بمزايدات إعلامية حول إنجاز التدقيق". وتابع: "هل يجوز التسلية بمسألة من هذا النوع؟ إذ إن النتيجة مطلوبة من خلال التشريع الجدّي والعقود الجدّية والنظرة الموضوعية إلى واقع الأزمة اللبنانية، استعادة الثقة ليعود اللبناني ويتعاطى بالشكل المطلوب مع دولته ومصارفه والمصرف المركزي". 

المساهمون