البنوك المصرية أمام تحديات السيولة: خروج 18 مليار دولار

05 يناير 2024
مقر البنك المركزي المصري (Getty)
+ الخط -

تبدأ البنوك المصرية رد نحو 560 مليار جنيه (18 مليار دولار)، قيمة ودائع وفوائد شهادات الادخار مرتفعة العائد، بمعدل 22.5 و25 في المائة، الأسبوع القادم.

تصرف البنوك المصرية مستحقات الودائع والأرباح خلال الفترة من 5 يناير/ كانون الثاني الجاري إلى أول فبراير/ شباط المقبل، بعد مرور عام كامل على عمليات الإيداع، وسط مخاوف من تسرب قيمة الودائع التي بلغت 460 مليار جنيه (الدولار 30.8 جنيها) لدى البنوك المصرية الحكومية الرئيسية الأهلي ومصر والقاهرة، بالإضافة إلى ودائعها، إلى الأسواق بما يضغط على نسبة السيولة في البنوك ويدفع إلى مضاربات حادة على أسعار السلع والدولار والذهب، في ظل عدم وجود أوعية ادخارية جاهزة لاستقبال الكم الهائل من الأموال خلال فترة الشهر الجاري.

يشير خبراء إلى أن خروج كميات هائلة من السيولة النقدية من البنوك العامة الممول الأكبر للموازنة ومشروعات البنية الأساسية، يعني عدم استفادتها من السيولة، خلال الفترة الماضية، لتظل البنوك بين شقي رحى، أحدهما يمثل ضغوط الحكومة على البنوك المصرية لمساعدتها على مواجهة تصاعد التضخم، أو تعريض البنوك لخسائر في الأرباح نتيجة التزامها برفع معدلات الفائدة عن ودائع غير مستغلة.

البنوك المصرية والفائدة

يستبعد محللون أن تصدر البنوك شهادات ذات عائد مرتفع أعلى من المنتهية مدتها، بعد تثبيت البنك المركزي لسعر الفائدة، خلال الأشهر الماضية، مشيرين إلى خطورة رفع معدلات الفائدة على القطاع الصناعي والزراعي، في ظل استمرار حالة الركود الطاغية على أنشطة الشركات غير النفطية للعام على الثالث على التوالي، بسبب ارتفاع التضخم وندرة الدولار، وارتفاع الفائدة بالبنوك.

يتوقع محللون أن تطرح البنوك شهادات إيداع جديدة، ذات عائد أعلى لتشجيع أصحاب المدخرات على عدم سحب قيمة الشهادات التي تزيد عن 560 مليار جنيه، لحجب السيولة الهائلة وتسربها إلى الأسواق، بما يحد من صعود التضخم وخلق بدائل تمكن المواطنين من الالتصاق بعملتهم الوطنية بدلا من البحث عن الدولار في السوق الموازية.

يشير سمير رؤوف خبير أسواق المال والاستثمار لـ "العربي الجديد" إلى أن حجم الأموال المقدر خروجها من البنوك تتراوح ما بين 300 مليار إلى 400 مليار جنيه، في ظل عدم طرح البنوك لأوعية ادخارية بديلة قبل انتهاء المدة الزمنية للشهادات التي بيعت خلال الفترة من 5 إلى 31 يناير 2023، لافتا إلى أن الجزء المتبقي من الأموال سيظل داخل البنوك لأصحاب المدخرات غير القادرين على توظيف أموالهم بفرص بديلة، وخاصة الذين يعتمدون على دخل شهري من عوائد الشهادات.

قال رؤوف إن الحكومة مطالبة بسرعة التصرف لدفع السيولة الكبيرة نحو الاستثمار في بورصة الأوراق المالية، مؤكدا عدم استفادة البنوك من عوائد استثمارها لقصر الفترة الزمنية لها، وغياب الرؤية لدى الكثيرين وقدرتهم على تدوير أموالهم في مشروعات تخدم الاقتصاد دون أن تدفعه إلى مزيد من معدلات التضخم.

ويعرب رؤوف عن خشيته من توجيه مليارات الجنيهات نحو المضاربة على شراء السلع وتخزينها، بما يرفع الأسعار، ويعمق الخلل بالأسواق والاقتصاد، مبينا أن البنك المركزي لن يتدخل لدفع البنوك لاتجاه أية قرارات بشأن رد الأموال للمودعين أو إعادة توظيفها من جديد. يتوقع خبير التمويل والاستثمار أن تصدر البنوك شهادات بنفس قيمة الفوائد، أو عمل شهادات تصرف على فترات زمنية أطول لتصبح ذات أعلى بنسب متصاعدة.

يؤكد رؤوف أن الأفضل للحكومة أن تحفز المواطنين على الدخول في أنشطة البورصة، بإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية المقرر تطبيقها الشهر الجاري، وعرض طروحات لشركات جديدة، معربا عن مخاوفه من أن تتجه الأموال إلى المضاربة في الدولار أو الأغذية والسلع التي حققت عوائد بنسبة تصل إلى 100 في المائة خلال نفس العام.

يتخوف خبراء من استغلال السيولة في زيادة الطلب على الذهب بهدف الحفاظ على قيمة المدخرات، بينما تؤدي إلى مزيد من المضاربة على شراء الذهب الصاعد عالميا، ورفع سعره محليا عن قيمته بالأسواق الدولية، وزاد سعر الدولار في سوق الذهب عن 55 جنيها، بينما استقر على 52 جنيها في السوق الموازية.

وتشير دراسة حديثة لشعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، إلى نمو الطلب على شراء سبائك الذهب دون المشغولات الذهبية، بنسبة زيادة 87.2 في المائة، وفي الوقت الذي ارتفع فيه سعره عالميا بنسبة 12.4 في المائة، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر/أيلول 2023، صعد بنسبة 74.4 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2022.

عودة التضخم

ويؤكد محللون أن جزءاً ضعيفاً من قيمة الشهادات وعوائدها سيتوجه لشراء العقارات، مدفوعا بتضاعف خامات البناء والأسعار وضغوط تضخم بلغت 80 في المائة عام 2023، وفقا لتحليلات مطورين عقاريين.

كما أعلنت الحكومة أن حصلة بيع شركات وأصول الدولة حتى أغسطس/آب 2023، بلغت 5 مليارات دولار. يأمل محللون أن يتجه جزء من الحصيلة لشراء المواطنين لأصول عامة، مع توقع الحكومة تحصيل 70 مليار جنيه، قبل نهاية العام المالي الجاري 2023 – 2024 بما يعادل 5 مليارات دولار أخرى، من بينها محطة توليد كهرباء من الرياح بجبل الزيت والرياح بالزعفرانة ومحطة التوليد الغازية ببني سويف.

يتوقع الخبراء عودة صعود التضخم لمستويات قياسية جديدة، الذي ارتفع عن مستوى 40 في المائة خلال الربع الثالث من عام 2023، مع زيادة أسعار خدمات النقل والكهرباء والمياه والغاز والوقود وتراجع قيمة الجنيه، مقابل العملات الصعبة، وعدم قدرة الحكومة على ضبط أسعار السلع بالأسواق.

كذلك سجل التضخم 34.6 في المائة في أكتوبر/تشرين الأول، مقارنة بـ 35.8 في المائة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وفقا لجهاز الإحصاء الحكومي، متأثرا بزيادة هائلة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وهي أكبر مكون منفرد في سلة التضخم، بنسبة 64.5 في المائة على أساس سنوي.

المساهمون