البنك الدولي يرفع توقعات نمو الشرق الأوسط محذراً من المخاطر

09 يناير 2024
العدوان على غزة من المخاطر المرتبطة بالتوقعات الاقتصادية في المنطقة (فرانس برس)
+ الخط -

رفع البنك الدولي توقعات النمو  لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحذر من أن العدوان الإسرائيلي على غزة يزيد ﺣﺎﻟﺔ ﻋدم اﻟﯾﻘﯾن، مشيرا في السياق إلى مجموعة مخاطر.

في التفاصيل، أكد البنك في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر اليوم الثلاثاء، أنه ﺑﺎﻓﺗراض ﻋدم ﺗﺻﺎﻋد اﻟﺻراع، ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ أن ﯾزﯾد ﻣﻌدل اﻟﻧﻣو ﻓﻲ المنطقة إﻟﻰ 3.5% ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻲ 2024 و2025، بعدما وصل إﻟﻰ 1.9% العام الماضي.

عدم يقين اقتصادي في ظل العدوان على غزة

يعتبر البنك أن الصراع المندلع ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻷوﺳط أدى إﻟﻰ زﯾﺎدة ﺣﺎﻟﺔ ﻋدم اﻟﯾﻘﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺟﯾوﺳﯾﺎﺳﻲ، وﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ، ﻛﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺿﻌف اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻣرﺗﺑط ﺑﺎﻟﺳﯾﺎﺣﺔ، ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺟﺎورة.

وذهب إلى أن المنطقة واﺟﮭت في العام الماضي اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺗطورات اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ، تمثلت في ﺧﻔض إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط، وارﺗﻔﺎع ﻣﻌدﻻت اﻟﺗﺿﺧم، وﺿﻌف ﻧﺷﺎط اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺳﺗوردة ﻟﻠﻧﻔط.

وبيّن أنه في اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺻدرة ﻟﻠﻧﻔط، عرف ﻗطﺎع البترول ﺿﻌﻔﺎ ﻣﻠﺣوظﺎ ﺑﺳﺑب ﺧﻔض اﻹﻧﺗﺎج، مشيرا إلى أن اﻟﺗﻘدﯾرات تفيد بأن ﻣﻌدل اﻟﻧﻣو ﻓﻲ دول ﻣﺟﻠس اﻟﺗﻌﺎون اﻟﺧﻠﯾﺟﻲ ﻗد ﺗﺑﺎطﺄ ﺑﺷدة ﻓﻲ ﻋﺎم 2023، ﺑﺳﺑب اﻧﺧﻔﺎض إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط، مؤكدا أن ھذا اﻟﺗﺑﺎطؤ  تجاوز اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻘوي ﻓﻲ اﻟﻘطﺎع ﻏﯾر اﻟﻧﻔطﻲ.

كما أكد أنه ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻷﺧرى اﻟﻣﺻدرة ﻟﻠﻧﻔط، اﻧﺗﻌش اﻟﻧﻣو ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﺗﻲ ﺗم إﻋﻔﺎؤھﺎ ﻣن اﺗﻔﺎق أوﺑك ﻟﺧﻔض اﻹﻧﺗﺎج.

ولاحظ أن اﻟﻧﻣو تباطأ، كذلك، ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺳﺗوردة ﻟﻠﻧﻔط إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﻣﺎﺿﻲ، ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻛس ﺿﻌف ﻧﺷﺎط اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص.

ولفت إلى أن ﺗﺿﺧم أﺳﻌﺎر اﻟﻐذاء ظل ﻣرﺗﻔﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺳﺗﻣر، وﻓﻲ اﻟوﻗت ﻧﻔسه، أدى اﻻﻧﺧﻔﺎض اﻟﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﻗﯾﻣﺔ اﻟﻌﻣﻠﺔ إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع ﻣﻌدل اﻟﺗﺿﺧم اﻟﻌﺎم.

أداء متباين لاقتصادات الشرق الأوسط في 2024

عمد البنك الدولي إلى تعديل اﻟﺗﻧﺑؤات الخاصة بالمنطقة ﺑﺎﻟزﯾﺎدة إلى 3.5%، ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺗوﻗﻌﺎ ﻓﻲ ﯾوﻧﯾو/حزيران الماضي، بما يعكس ﻣﻌدﻻت ﻧﻣو أﻗوى ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺻدرة ﻟﻠﻧﻔط، وﯾدﻋم ذﻟك اﻧﺗﻌﺎش اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻧﻔطﻲ.

ويتوقع البنك الدولي أن ﯾرﺗﻔﻊ ﻣﻌدل اﻟﻧﻣو ﻓﻲ دول ﻣﺟﻠس اﻟﺗﻌﺎون اﻟﺧﻠﯾﺟﻲ ﻟﯾﺑﻠﻎ 3.6% ﻓﻲ 2024 و3.8% ﻓﻲ 2025.

ويترقب أن ﯾﻧﺗﻌش اﻟﻧﻣو في السعودية ﺑفعل زﯾﺎدة إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط وﺻﺎدراته رﻏم ﺗﻣدﯾد اﻟﺧﻔض اﻟطوﻋﻲ ﻓﻲ إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط إﻟﻰ ھذا اﻟﻌﺎم.

وﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑﻠدان اﻷﺧرى اﻟﻣﺻدرة ﻟﻠﻧﻔط، ﻣﺛل اﻟﺟزاﺋر واﻟﻌراق، يتوقع أن ﺗﺳﮭم زﯾﺎدة اﻹﻧﺗﺎج مطلع 2024، ﻓﻲ ﺗﺳرﯾﻊ وﺗﯾرة اﻟﻧﻣو.

ويراهن على أن ﯾرﺗﻔﻊ ﻣﻌدل اﻟﻧﻣو في البلدان المستوردة للنفط ﻟﯾﺻل إﻟﻰ 3.2% ھذا اﻟﻌﺎم و3.7% ﻓﻲ ﻋﺎم 2025.

ويترقب أن ﯾرﺗﻔﻊ ﻣﻌدل اﻟﻧﻣو ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺑﻠدان، ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﯾﺑوﺗﻲ واﻟﻣﻐرب وﺗوﻧس، ﻟﻛن اﻟﺑﻠدان اﻟﻘرﯾﺑﺔ ﻣن اﻟﺻراع ﺳﺗﻛون أﻛﺛر ﺗﺿررا.

ويرجح أن ﯾؤدي اﻟﺻراع إﻟﻰ ﺗﻔﺎﻗم ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﺗﺿﺧم في مصر، وﺗﻘﯾﯾد ﻧﺷﺎط اﻟﻘطﺎع اﻟﺧﺎص، وزﯾﺎدة اﻟﺿﻐوط ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎﺑﺎت اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺑﺳﺑب ﺗراﺟﻊ ﻋﺎﺋدات اﻟﺳﯾﺎﺣﺔ وﺗﺣوﯾﻼت اﻟﻣﺻرﯾﯾن ﻓﻲ اﻟﺧﺎرج. ويتوقع أن ﯾؤﺛر اﻟﺻراع ﺳﻠﺑﺎ في ﻗطﺎع اﻟﺳﯾﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷردن.

وتشير تقديرات البنك إلى أن النمو انتعش في المغرب، على الرغم من الزلزال الذي وقع في سبتمبر/أيلول، مع تعافي القطاع الفلاحي.

في مصر، تشير تقديرات البنك الدولي إلى تباطؤ النمو في السنة المالية 2022-2023 (من يوليو/تموز 2022 إلى يونيو/حزيران 2023) بسبب القيود المفروضة على الواردات، وتراجع القوة الشرائية للأسر، وتباطؤ نشاط الشركات وأنشطة الأعمال.

انكماش اقتصاد غزة والضفة الغربية

ويرى البنك أن اﻵﻓﺎق اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺿﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﻗطﺎع ﻏزة ﯾﻛﺗﻧﻔﮭﺎ ﻗدر ﻛﺑﯾر ﻣن ﻋدم اﻟﯾﻘﯾن، ﺣﯾث ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ أن ﯾﻧﻛﻣش اﻟﻧﻣو ﺑﻧﺳﺑﺔ 6% ﻓﻲ ﻋﺎم 2024، ﺑﻌد اﻧﻛﻣﺎشه 3.7% ﻋﺎم 2023.

ويضيف أن اﻟدﻣﺎر اﻟﮭﺎﺋل ﻟﻸﺻول اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻲ ﻏزة، سيؤدي إﻟﻰ اﻧﻛﻣﺎش ﻛﺑﯾر ﻟﻠﻧﺷﺎط اﻻﻗﺗﺻﺎدي. ﻛﻣﺎ ﺳﯾؤدي العدوان إﻟﻰ ﺗﻔﺎﻗم اﻷوﺿﺎع اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺗردﯾﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ اﻟﺿﻔﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ.

غير أنه يعتبر أنه إذا ھدأت ﺣدة اﻟﺻراع، ﻓﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ أن ﺗﺳﮭم ﺟﮭود إﻋﺎدة اﻹﻋﻣﺎر ﻓﻲ اﻧﺗﻌﺎش اﻟﻧﻣو ﻟﯾﺻل إﻟﻰ 5.4% ﻓﻲ ﻋﺎم 2025.

مخاطر محدقة باقتصادات الشرق الأوسط

ويرصد البنك الدولي المخاطر التي تتهدد اقتصادات المنطقة، حيث تتمثل، بشكل خاص، في  اﺷﺗداد العدوان على غزة، وﯾﺷﻣل ذﻟك اﻵﺛﺎر واﻟﺗداﻋﯾﺎت ﻏﯾر اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺟﺎورة وارﺗﻔﺎع أﻋداد اﻟﻼﺟﺋﯾن.

ويعرض للكوارث الطبيعية التي تتعرض لها المنطقة، حيث ﯾﺳﺗﻣر ﺗﻐﯾر اﻟﻣﻧﺎخ ﻓﻲ زﯾﺎدة ﻣﻌدﻻت ﺣدوث وﺷدة اﻟظواھر اﻟﻣﻧﺎﺧﯾﺔ اﻷﺷد ﺿررا.

وينبه إلى أنه وﻓﻲ اﻟﺑﻠدان اﻟﻣﺻدرة ﻟﻠﻧﻔط، إذا اﻧﺧﻔﺿت أﺳﻌﺎر اﻟﻧﻔط أو ﺿﻌف اﻟطﻠب ﻋﻠيه، ﻓﻘد ﯾﻛون اﻹﻧﺗﺎج ﻣﺣدودا، وﻗد ﯾطول أﻣد ﺧﻔض اﻹﻧﺗﺎج، بينما ﺳﯾؤدي ﺗﺷدﯾد اﻷوﺿﺎع اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ إﻟﻰ إﺿﻌﺎف آﻓﺎق اﻟﻧﻣو في البلدان المستوردة للنفط، ﺑﺳﺑب اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻣوﯾل اﻟﻛﺑﯾر ﻣن ﻣﺻﺎدر ﺧﺎرﺟﯾﺔ.

توقعات النمو الاقتصادي العالمي

وفي ظل ارتفاع أسعار الفائدة، والتضخم المستمر، وتراجع التجارة، وتراجع النمو الاقتصادي الصيني، سيتباطأ الاقتصاد العالمي للعام الثالث على التوالي عام 2024.

هذه هي الصورة التي رسمها البنك الدولي، الذي توقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.4% فقط هذا العام. وسيكون ذلك أقل من نمو بنسبة 2.6% عام 2023، و3% في عام 2022، و6.2% في عام 2021، وهو ما يعكس التعافي القوي من الركود الوبائي في عام 2020.

تشكل التوترات العالمية المتصاعدة، الناشئة بشكل خاص عن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس والصراع في أوكرانيا، خطر نمو أضعف. يعرب مسؤولو البنك الدولي عن قلقهم من أن البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لا تستطيع تحمل تكاليف القيام بالاستثمارات اللازمة لمكافحة تغير المناخ والفقر.

قال إندرميت غيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، في بيان إن "النمو على المدى القريب سيظل ضعيفا، ما يترك العديد من البلدان النامية- وخاصة الأكثر فقرا- عالقة في فخ يتمثل في مستويات الديون التي تصيب بالشلل وصعوبة الحصول على الغذاء نحو واحد من كل 3 أشخاص".

في السنوات الأخيرة، أثبت الاقتصاد الدولي مرونة بشكل مدهش في مواجهة الصدمات تلو الأخرى: جائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، وتجدد التضخم العالمي، وأسعار الفائدة المرهقة التي فرضتها البنوك المركزية في محاولة للسيطرة على زيادات الأسعار.

ويقول البنك الدولي الآن إن الاقتصاد العالمي نما في عام 2023 بمعدل نصف نقطة مئوية أسرع مما توقعه في يونيو الماضي، ويخلص إلى أن "خطر الركود العالمي قد انحسر".

المساهمون