البنك الدولي: خسائر لبنان تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي وحان الوقت لإعادة هيكلة المصارف
أكد البنك الدولي أنه آن الأوان لإعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، ولفت إلى أنه مع تجاوز الخسائر المالية 72 مليار دولار تعادل أكثر من 3 أضعاف إجمالي الناتج المحلي لعام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق، نظراً لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك، ولا سيما أن أصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من هذه الخسائر.
ولفت البنك إلى أنه بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد، فيما من المرجَّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل إلى أي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمِّق محنة الشعب اللبناني.
جاء ذلك في عدد خريف عام 2022 من تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني المعنون "حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف"، الذي صدر يوم الثلاثاء، ويتناول التطوُّرات الاقتصادية الأخيرة والآفاق والمخاطر الاقتصادية للبلاد، في ظل حالة عدم اليقين المستمرة منذ فترة طويلة، وذلك كله مع تأكيد ضرورة المضيّ قدماً في توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر إنصافاً للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي.
من المرجَّح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق إلى زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4% في عام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ استراتيجية للتعافي. ونظراً لتوافر بيانات أفضل مما كان متوقعاً سابقاً، فإن التقرير يعدِّل تقديراته لانكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2021 إلى 7% (مقابل نسبة 10.4%المقدرة سابقاً). وقد قضى الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي شهده لبنان منذ عام 2018 والبالغ 37.3%، وهو يُعد من بين أسوأ معدلات الانكماش التي شهدها العالم، على ما تحقق من نمو اقتصادي على مدار 15 عاماً، بل ويقوض قدرة الاقتصاد على التعافي.
ورغم تدخلات مصرف لبنان لمحاولة تثبيت سعر الصرف في السوق الموازية على حساب الاحتياطي بالعملات الأجنبية الآخذ في التناقص، فإن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية مستمر (145% خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022)، ما أدى إلى دخول معدل التضخم في خانة المئات منذ يوليو/ تموز 2020، ويُتوقَّع أن يبلغ متوسطه 186% في عام 2022، وهو من بين أعلى المعدلات عالمياً. ويُعد لبنان من أكثر البلدان تضرُّراً من التضخم الذي طرأ أخيراً على أسعار المواد الغذائية التي تتأثر بها بشكل خاص الأسر الفقيرة والمحتاجة إذ تشكِّل نسبة كبيرة من نفقاتها في ظل التآكل الشديد لقوتها الشرائية.
ويرى التقرير أنه مع زيادة الخسائر المالية على 72 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في عام 2021، فإن تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق، نظراً لعدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك؛ فأصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَّرة، كذلك لا تزال الإيرادات المحتملة من النفط والغاز غير مؤكَّدة، ويحتاج تحقيقها إلى سنوات.
ويفتقر تعويم القطاع المالي إلى الإنصاف كذلك، فمن شأن مطالبة عامة المواطنين بتعويض المساهمين في البنوك والمودعين الأثرياء أن تؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من الأسر الأفقر إلى الأسر الأغنى. على أية عملية إعادة هيكلة ذات صدقية أن تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة.
ويتماشى هذا مع أفضل الممارسات العالمية لاستراتيجيات إعادة هيكلة القطاع المصرفي التي تدعو إلى الاعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة. ويُعد الحل المتمثل بخطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي قائمة على ترتيب الدائنين، إلى جانب إجراء إصلاحات شاملة، هو الخيار الواقعي الوحيد أمام لبنان لطيّ صفحة نموذجه الإنمائي غير المستدام.
انخفاض قيمة الليرة مستمر وقد خسرت 145% خلال الأشهر العشرة الأولى من 2022، مما أدى إلى تضخم بخانة المئات منذ يوليو 2020 ويُتوقَّع أن يبلغ متوسطه 186% عام 2022
المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي جان-كريستوف كاريه قال: "إن عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه. كما دعونا مراراً وتكراراً، على لبنان اعتماد حل منصف وشامل على وجه السرعة يعيد الاستقرار إلى القطاع المالي، ويضع الاقتصاد على مسار التعافي".
ويشتمل التقرير على قسمين خاصين. يقيّم القسم الخاص الأول، وهو بعنوان "البلدان المقارنة على مستوى العالم: الأزمة أكبر من مجموع مكوناتها"، مدى حدة الأزمة في لبنان من خلال مقارنتها بمجموعة مختارة من الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات ويخلُص إلى أن أداء الاقتصاد الكلي في لبنان أسوأ من أداء هذه المجموعة المحددة من الدول (زيمبابوي واليمن وفنزويلا والصومال) أو يضاهيها في أحسن الأحوال. ويحلل القسم الخاص الثاني "الدولرة في لبنان" ويخلُص إلى أن الأزمة الحالية ستعزِّز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي.