عاد الباعة الجائلون ليحتلوا واجهة أسواق وشوارع الدار البيضاء في المغرب، بعدما قررت السلطات تحرير الأملاك العامة من معروضاتهم التي تبدأ من الخضر والفواكه ولا تنتهي بالألبسة، في ظل الجفاف وارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب والنساء.
فاجأ تحرك السلطات من أجل إخلاء الأسواق الكبيرة في هذه المدينة من الباعة الجائلين الكثيرين، الذين يعتبر بعضهم أن الأمر لا يعدو أن يكون حملة محدودة في الزمن، بينما يعتقد آخرون أن السلطات عاقدة العزم على تقليص حضور الباعة الجائلين الذين يشكلون جزءاً من القطاع غير الرسمي.
غير أن نقاشاً طفا على السطح حول مآل الباعة الجائلين الذين سيُحرمون من ممارسة أنشطتهم في الشوارع. فقد توزعت الآراء بين محبذ لقرار إخلاء الشوارع من الباعة الجائلين وبين متسائل حول فرص العمل البديلة أمامهم في ظل انتشار البطالة.
ويراقب الكثيرون الوضع، حيث يتساءلون عن الكيفية التي ستعالج بها السلطات المغربية هذا الأمر. ويعتقد محمد الذهبي، الكاتب العام (الأمين العام) للمقاولات والمهن، أنه كان يمكن التصدي لعملية تنظيم الباعة الجائلين قبل أن تصبح أعدادهم جد كبيرة.
ويرى الذهبي أنه كان يمكن إعداد أسواق نموذجية يأوي إليها الباعة الجائلون، مع توفير مناطق صناعية لهم واقتراح إعفاءات جبائية، معتبراً أنه يجب استحضار تنوع أنشطة الباعة الجائلين والحلول المقترحة لهم.
ويتصور محمد الهاكش، الرئيس السابق للجامعة (الجمعية) الوطنية للقطاع الزراعي، أن نشاط التجارة الجائلة يشكل ملاذاً للعديد من الشباب والنساء في المدن والأرياف، في ظل انتشار البطالة التي بلغت على الصعيد الوطني 13.5%، حسب المندوبية السامية للتخطيط الحكومية.
ويشير الهاكش إلى أن العديد من الشباب الذين يجدون أنفسهم خارج سوق العمل يبحثون عن مصدر رزق عبر التجارة الجائلة، مؤكداً أن الجفاف مثلاً يشجع على الهجرة من الأرياف نحو المدن بحثاً عن فرص عمل، حيث يجد البعض ملاذاً في التجارة الجائلة.
ويلاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن أعداد الباعة الجائلين تتزايد بوتيرة لا تستطيع السلطات ضبطها، معتبراً أن البطالة والهجرة من الأرياف واختلالات منظومة التعليم تساهم في اتساع دائرة التجارة الجائلة.
ويشير المجلس إلى أنه إذا كانت التجارة الجائلة تشكل منفذاً لتصريف الإنتاج الوطني وقطاعاً يشغل عدداً كبيراً من اليد العاملة ضعيفة التأهيل، فإن انتشارها يفاقم مظاهر الهشاشة في سوق العمل ويشكل منافسة غير مشروعة للقطاع الرسمي، ويضيع على الدولة إيرادات جبائية مهمة.
ويلفت إلى أنه في ظل غياب بيانات رسمية، يجرى تقدير عدد الباعة الجائلين بمئات الآلاف، يستمرون في توسيع دائرة الاقتصاد غير الرسمي الذي يمثل جزءاً واسعاً من النسيج الاقتصادي بنسبة 30%.
ويجد الباعة الجائلون، الذين لم يمارس 80% منهم مهنة من قبل أو عانوا من العطالة، مبررات حضورهم القوي في التجارة بالمغرب بضعف الأنشطة الاقتصادية في الجهات والتوسع العمراني غير المنظم ووجود أنشطة تهريب البضائع وضعف تنظيم القطاعات الاقتصادية والمهن.
وكانت دراسة لوزارة التجارة والصناعة خلصت إلى أن العدد الأكبر من الباعة الجائلين موجود في المدن الكبيرة، مثل الدار البيضاء وطنجة ومراكش ومكناس، مشيرة إلى أن البائع يحتاج إلى 80 دولاراً ليشرع في بيع الخضر والفواكه، وما بين 200 وألف دولار لممارسة التجارة في بضائع أخرى.
ويميل أغلب الباعة الجائلين إلى جعل التجارة الجائلة نشاطاً مستمراً لهم، حيث يتبين أن أكثر من 80% منهم يمارسون التجارة الجائلة منذ خمسة أعوام وأكثر، بل إن ما يقرب من 60% منهم مارسوا نشاطهم منذ ما لا يقل عن عشرة أعوام.