الانهيار الاقتصادي ينذر بتحول باكستان النووية إلى دولة "فاشلة"

18 سبتمبر 2023
حكومة تصريف الأعمال ترفع أسعار البنزين والديزل 4 مرات في شهر (فرانس برس)
+ الخط -

فرضت حكومة تصريف الأعمال في باكستان زيادة رابعة على أسعار المنتجات البترولية منذ توليها المسؤولية قبل نحو شهر، في وقت تتصاعد نبرات الغضب من قبل المستهلكين والمنتجين على حد سواء، بسبب الغلاء الذي لا يتوقف، وسط تدهور قيمة الروبية والإجراءات الحكومية لرفع أسعار الطاقة وجباية المزيد من الإيرادات استجابة لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي قدم تمويلاً هزيلاً لإنقاذ البلد من الإفلاس.

وجاء وضع العملة الباكستانية مخيباً للآمال، إذ روجت الحكومة السابقة المنتهية ولايتها القانونية في التاسع من أغسطس/ آب الماضي برئاسة شهباز شريف، لضرورة الاتفاق على قرض من صندوق النقد الدولي في يوليو/ تموز الماضي، ينهي أزمة تدهور الروبية ويدعم قيمتها مقابل الدولار.

لكن سرعان ما بدأت العملة الباكستانية في التدهور بشكل سريع بعد استقرار بضعة أيام، ليكسر الدولار حاجز 328 روبية مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري في السوق المفتوحة، بينما بلغ في التعاملات البنكية 324 روبية، لتسجل العملة الباكستانية أسوأ أداء لها على الإطلاق.

وبينما ترجع حكومة تصريف الأعمال التدهور الحاصل إلى إرث الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد على مدار سنوات ماضية، تمضي في إجراءات يراها محللون تزيد الوضع تفاقماً.

الاقتصاد يتجه نحو الانهيار

يقول الخبير الاقتصادي رفعت الله مسعود لـ"العربي الجديد" إن "باكستان تواجه كارثة اقتصادية... حكومة رئيس الوزراء السابق شهباز شريف كانت تكتفي باتخاذ حلول مؤقتة من أجل الحفاظ على ماء وجهها، لكن ما إن تنحّت وجاءت حكومة تصريف الأعمال حتى ظهر الوجه الحقيقي لاقتصاد باكستان... الجميع يرى ما حل بالعملة الباكستانية وبأسعار الكهرباء والبترول وغاز الطهي".

يرى مسعود أن "القادم أسوأ... العملة الباكستانية بلغت 328 روبية للدولار الواحد، بينما وضع العديد من الدول المجاورة أفضل كثيراً فالعملة الهندية تبلغ 82 روبية مقابل الدولار، والعملة الأفغانية 77 أفغانية للدولار، وحتى العملة السريلانكية قيمتها 320 روبية للدولار، رغم أن ذلك البلد كان يعاني من الإفلاس، وتلك كلها تشير إلى أن الدول المجاورة لباكستان كلها أحسن حالاً من ناحية العملة... اقتصاد بلادنا يتجه فعلياً نحو الانهيار مع الأسف".

وكان شهباز شريف قد قال، قبل تنحيه عن المنصب في التاسع من أغسطس/ آب الجاري، إنّ من أكبر إنجازات حكومته التوصل إلى توافق مع صندوق النقد، وأن "هذا الإنجاز الكبير" جعل الأمور تستقر إلى حد كبير، خاصة في ما يتعلق بقيمة العملة وضبط الأسعار.

وحصلت باكستان على موافقة نهائية من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لتوفير تمويل بقيمة 3 مليارات دولار على مدى تسعة أشهر دعماً لبرنامج الاستقرار الاقتصادي الذي أعدته السلطات، وفقاً لبيان نُشر على موقع الصندوق الإلكتروني في 12 يوليو/تموز الماضي. وسمحت هذه الموافقة بالإفراج الفوري عن نحو 1.2 مليار دولار، بحسب البيان.

لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال أنوار الحق كاكار قال خلال لقاء مع بعض الإعلاميين في 30 أغسطس/ آب الماضي إن تدهور قيمة الروبية، وارتفاع فواتير الكهرباء، وصعود الأسعار بشكل عام، تعكس صورة حقيقية لاقتصاد البلاد، مشيرا إلى أنه "كانت هناك محاولات في الماضي لإخفاء الحقائق واتخاذ خطوات قصيرة المدى هدفها إخفاء الوضع الحالي، بينما يجرى حالياً دفع ثمن ما جرى اتخاذه من قرارات هشة في الماضي".

ورغم إلقاء حكومة تصريف الأعمال المسؤولية على الحكومات السابقة في تدهور الوضع، فإنها تمضي قدماً في تنفيذ اشتراطات صندوق النقد التي يراها كثيرون تزيد من معاناة المواطنين وتدخل قطاعات إنتاجية كثيرة في دوامة من التكاليف المتصاعدة. إلا أن وزيرة المالية في الحكومة الحالية شمشاد أختار اعتبرت خلال اجتماع اللجنة الدائمة للشؤون المالية في مجلس الشيوخ، نهاية الشهر الماضي، أنه في حال عدم تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، سيصبح الوضع أكثر سوءاً وصعوبة.

وكانت إسلام أباد على شفا أن تتخلف عن سداد ديونها قبل الاتفاق الأخير مع صندوق النقد، حيث لم يبق في خزينتها من العملة الصعبة سوى ما لا يكاد يكفي لتغطية شهر واحد من وارداتها السلعية. وتراجعت احتياطيات البنك المركزي إلى 7.93 مليارات دولار في 18 أغسطس/ آب من 8.17 مليارات دولار في نهاية يوليو/تموز، بينما البلاد بحاجة إلى أكثر من 25 مليار دولار لإدارة متطلبات الديون خلال العام الجاري.

قلق من انتفاضة شعبية

ويقول الخبير الاقتصادي ميا محمد عثمان لـ"العربي الجديد": "نعم بلادنا لا تسير نحو الإفلاس بعد التوافق مع صندوق النقد الدولي، لكننا نتغاضى عن مشكلة رئيسية أخرى هي أنه عندما تخسر العملة الباكستانية قيمتها تقفز الأسعار وتزيد أعباء المواطن الذي لن يتحمل ما يحصل، وبالتالي قد ينتفض، وحينها ستواجه بلادنا مشكلة أكبر". وفقدت الروبية نحو 32.5% من قيمتها مقابل الدولار في أقل من ثمانية أشهر هذا العام.

وحول تبعات تهاوي العملة، يقول التاجر الباكستاني حبيب الرحمن لـ"العربي الجديد" إن "تأثيرات تدهور قيمة العملة تطاول التجار والمواطنين على حد سواء، نستورد البضائع بالدولار ونبيعها محلياً بالروبية، ومع التراجع المتواصل للعملة الباكستانية تتعرض تجارتنا للخسارة، بينما لا نعرف ماذا سيحدث بعد أسبوع أو شهر".

ويؤثر تراجع الروبية على تكاليف الاستيراد وتسعير السلع الأساسية، لاسيما الوقود. ورفعت حكومة تصريف الأعمال أسعار البنزين والديزل بنسبة 8.5% و5.6% على الترتيب، اعتباراً من يوم السبت الماضي، ليصل سعر لتر البنزين إلى 331.38 روبية، والديزل إلى 329.18 روبية للتر، فيما حذر قادة أعمال من تداعيات الارتفاع الهائل في أسعار المنتجات البترولية، موضحين أن من شأنه أن يزيد من التضخم غير المسبوق، ويزيد من بؤس الرجل العادي ويخلق قضايا خطيرة للصناعة بسبب التكلفة المرتفعة غير المحتملة لممارسة الأعمال التجارية.

وقال رئيس غرفة التجارة والصناعة في كراتشي، محمد طارق يوسف، في بيان، وفق صحيفة داون، أمس الأحد:" أصبح من المستحيل تقريبًا تشغيل الصناعات بهذه التكلفة العالية.. هذا هو الارتفاع الرابع على التوالي في أسعار المنتجات البترولية، حيث جرى رفع سعر البنزين، خلال فترة حكومة تصريف الأعمال وحدها، بأكثر من 58 روبية للتر الواحد، الأمر الذي سيخلق الكثير من المشاكل للاقتصاد المتعثر بالفعل" مشيراً إلى أنه جرى تقليص الإنتاج من قبل العديد من الوحدات الصناعية إلى حد كبير بسبب ارتفاع التكلفة.

بدوره، أشار رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية عرفان إقبال شيخ، في بيان له، إلى استيراد النفط الروسي الأرخص من الأسواق العالمية بنحو 40%.

قرارات تغذية التضخم

وتنعكس التداعيات بشكل أعمق على حياة المواطنين. إذ وصل معدل التضخم إلى 29.6% والبطالة إلى 8%، وصعد سعر الفائدة إلى 22%، ما ألحق أضراراً بالغة بحياة عشرات ملايين الأشخاص.

وتشكل الزيادات المتواصلة لأسعار الكهرباء والغاز والبنزين والديزل عاملاً قوياً في تغذية التضخم، كما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الصناعي. وتسببت القفزات المسجلة في فواتير الكهرباء في خروج تظاهرات في العديد من المدن الكبرى في الأيام الماضية.

ولا يستبعد محللون أن تقع البلاد في مستنقع الركود التضخمي خلال العام المالي الحالي (بدأ في يوليو/تموز). ويظهر تقرير لمكتب الإحصاء الحكومي، أنه خلال عام واحد، ارتفع متوسط أسعار دقيق القمح بنسبة 131.3%، يليه الشاي بنحو 95.2%، والأرز البسمتي المكسور بنسبة 88.8%، ومسحوق الفلفل الحار 86%، والأرز بنسبة 84% والسكر 74.7% والدجاج 58.6%.

يعرب أحد رموز مدينة بشاور وهو الضابط المتقاعد من الجيش عبد الولي عزيز لـ"العربي الجديد" عن رغبته في الرحيل إلى أي بلد آخر حتى لو كان أفغانستان أو بنغلادش، لأنّ الحياة أصبحت صعبة للغاية في باكستان، موضحاً: "الكهرباء على سبيل المثال تنقطع لساعات طويلة وفي نهاية الشهر جاءت الفاتورة 35 ألف روبية (113 دولار) بينما في السابق كنا ندفع هذا المبلغ أو أقل منه على مدار عام كامل، وكانت الكهرباء أحسن حالاً".

يضيف عزيز:" كذلك زادت أسعار الوقود والغاز، وهناك اختفاء في بعض السلع، مثل السكر، في بعض المناطق، والحكومة تأتي لتشرح لنا أسباب الأزمة، نحن لا تهمنا الأسباب، عليها تقديم حلول... المواطن مرغم على أن ينتفض لأن الحياة صعبة، والأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة بدلاً من أن تقوم بحل الأزمات والملفات الأساسية تستمر في الصراع على السلطة، ولا أتوقع تحسن الوضع، بل نسير نحو التمزق والانهيار الكامل، إننا نفتخر بأننا دولة نووية لكن ليس لدينا كهرباء ولا غاز، ومعدلات الفقر والبطالة ترتفع يومياً... أصبحنا دولة فاشلة".

المساهمون