تواجه الأسر اليمنية مخاطر واسعة تهدد بإضعاف قدراتها على الصمود في وجه عاصفة التردي الاقتصادي والأزمات المتلاحقة التي استنزفت مختلف ما كان متاحاً من سبل العيش ومصادر الدخل، في ظل انحدار كارثي يطاول معظم قطاعات الإنتاج.
وتشهد معظم المحافظات وخاصة المناطق الريفية في اليمن تدهوراً كبيراً في مختلف الخدمات العامة وانهيار مصادر الدخل وتناميا كارثيا لمخاطر الجفاف، في ظل انخفاض تدريجي للثروة الحيوانية بسبب ما تمر به البلاد من أوضاع صعبة على مختلف الأصعدة.
وحذر خبراء اقتصاد من توسع فجوة الفقر والبطالة في اليمن وتمدد الأزمة الإنسانية لتشمل معظم السكان، في البلاد التي تعاني من صراع طاحن منذ سبع سنوات مع انسداد أفق الحلول السلمية وتصاعد الحرب بصورة خطيرة وكارثية منذ مطلع العام الحالي.
البنك الدولي، من جهته، دق ناقوس الخطر في تقرير حديث من انكماش الاقتصاد اليمني والذي وصل إلى أكثر من 40% منذ عام 2015.
وأكد أن ذلك تسبب في حرمان أربع من كل عشر أسر يمنية من وجود مصدر دخل منتظم، وارتفاع مستويات الفقر إلى أكثر من 80%. ولهذا بات دعم الشعب اليمني الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، من خلال مشاريع تعمل على خلق فرص العمل.
الخبير الاقتصادي منصور البشيري، يتحدث لـ"العربي الجديد"، عن خطورة استمرار الحرب الدائرة في البلاد وتسببها في تفاقم الأزمات الاقتصادية بما يصعب من احتواء تبعاتها على اليمنيين الذين لم يفقدوا فقط رواتبهم وأعمالهم ومصادر الدخل المتاحة بل وقدراتهم على تحمل ما يواجهونه من ترد معيشي كارثي.
ويرى البشيري أن السبب الرئيسي في الأزمات المعيشية وتلاشي فرص العمل وتمدد الفقر والبطالة هو الانكماش الاقتصادي الذي دخل مستويات تنذر بالمزيد من التدهور على كافة المستويات.
ويشكو المواطن صالح حسان من سكان صعدة ويعمل في مجال المقاولات من تقلص فرص الأعمال المتاحة في المقاولات، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء بصورة مضاعفة منذ العام الماضي.
ويتخذ تلاشي فرص الدخل المتاحة أشكالا عدة ليشمل المناطق الريفية التي تعاني من تهاوي سبل العيش التقليدية التي تميزها كمناطق ريفية نتيجة إهمال للأراضي الزراعية، وتراجع الاهتمام بتربية المواشي بسبب الإقبال الموسمي عليها.
وما يتوفر من المساحات المزروعة والثروة الحيوانية ساهم كثيرًا في إنعاش الدخل للكثير من الأسر الريفية المنتجة التي تجتهد في تحسين سبل عيشها من خلال تربية الحيوانات من الأبقار، والأغنام، والماعز، والدواجن، والنحل.
وترصد "العربي الجديد"، من محافظة حجة شمال غربي اليمن ترديا كبيرا في معيشة السكان وتوسع رقعة الفقر وتهاوي الخدمات العامة بشكل كبير في المناطق التي تعرف بـ"التهامية".
العامل الزراعي، موسى العاصمي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الأعمال في القطاع والحقول الزراعية انخفضت كثيرًا خلال الفترة الماضية، فبعد أن كان يعمل على الأقل خمسة أيام في الأسبوع بأجر يومي يصل إلى 3 آلاف ريال (الدولار = نحو 600 ريال في صنعاء)، أصبح بالكاد يعمل ليومين في الأسبوع مع انخفاض في الأجر إلى 2000 ريال.
ويشير المواطن عوض العلي، من سكان محافظة حجة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحادة التي تعاني منها المناطق الريفية تجبر سكان هذه المناطق على بيع ممتلكاتهم من الماشية لتوفير سيولة مالية وشراء ما أمكن من احتياجاتهم المعيشية الضرورية.
وتحذر الأمم المتحدة من تفاقم حالة الأمن الغذائي في اليمن، حيث أصبح ملايين الناس غير قادرين على تحمل تكاليف الغذاء، ناهيك بتراكم الأزمات المعيشية التي تجتاح مناطق يمنية وكتلة سكانية كبيرة، وتهدد بتوسع رقعة الجوع بصورة تصعب السيطرة عليه.
في حين يعبر المزارع في صعدة، ماجد حسن، في حديثه لـ"العربي الجديد" عن تذمره من تصاعد ارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي وأسعار الوقود وصعوبات النقل والتوزيع لمنتجات أراضيهم الزراعية.
العامل الزراعي، موسى العاصمي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الأعمال في القطاع والحقول الزراعية انخفضت كثيرًا خلال الفترة الماضية
بدوره، يؤكد تاجر مستلزمات زراعية، عبد الله الأسود، على مواجهة المزارعين والعاملين في مجال الثروة الحيوانية صعوبات في تربية مواشيهم والحفاظ عليها. ويشير الأسود في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بصورة قياسية خلال سنوات الحرب الماضية وبنسبة تتجاوز 500%.
ويشدد خبراء اقتصاد على ضرورة العمل على بناء نظام حماية اجتماعية شاملة لحماية الفئات الفقيرة في اليمن من تبعات الانكماش ودعم القطاعات الإنتاجية التي توفر فرص عمل منتظمة للأسر التي قد فقدت هذه المصادر التي كانت متاحة.
الخبير في الاقتصاد الاجتماعي، كمال القرمي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك توسعا في الكتلة السكانية التي تقطن مناطق بعض المحافظات التي تفتقد للكثير من الخدمات العامة بفعل الصراعات، وفي المقابل حدث تدهور واضح في سبل معيشة كما هو حاصل في المناطق الريفية التي كانت الثروة الحيوانية مصدر دخلها وغذائها الرئيسي، إذ إن كثيرا من سكان هذه المناطق أصبحوا عاجزين عن زراعة أراضيهم الزراعية وتوفير أعلاف لمواشيهم.