- جو بايدن، من ناحيته، يعيد السياسات التقليدية ويحقق نجاحات مثل انخفاض معدل البطالة وتنفيذ تشريعات لدعم البنية التحتية والطاقة المتجددة، مع التركيز على زيادة الضرائب على الأثرياء.
- الاقتصاد يشكل محور المنافسة بين ترامب وبايدن في 2024، حيث يعرض كل منهما نهجًا اقتصاديًا مختلفًا، من خفض الضرائب والسياسات الحمائية مع ترامب، إلى دعم البنية التحتية وزيادة الضرائب مع بايدن.
إذا كنت تعتقد أن المتعة التي حظي بها العالم من تعليقات الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب وسلوكياته قد انتهت ولن تعود، فربما كان عليك تغيير وجهة نظرك. إذ ضرب ترامب موعداً لتحدي الرئيس الحالي جون بايدن على البيت الأبيض في الانتخابات القادمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
اعتاد العالم في الفترة بين 2017 و2021 التسمّر أمام منصة "تويتر" سابقاً لمتابعة آخر القرارات التي قد يصدرها رئيس أكبر دولة في العالم، من فصل وزراء، وانتقاد الخصوم السياسيين، وإعلان قرارات حكومية، والتعبير عن رأيه على وسائل الإعلام دون مواربة.
لن ينسى العالم أيضاً السياسات التجارية الحمائية التي أقرّها ترامب عبر فرض الرسوم الجمركية، بالأخصّ على الصين، وإعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية، والانسحاب من اتفاقيات دولية، بما فيها اتفاقية باريس للمناخ، وبناء جدار عازل على الحدود المكسيكية الأميركية لمنع الهجرة غير الشرعية. كل هذا بكفّة وعلاقاته بروسيا وكوريا الشمالية بكفّة أخرى.
وما إن جاء بايدن، حتى أعاد البيت الأبيض للسياسات التقليدية، وعدّل الكثير من القرارات والسياسات التي أقرّها سلفه.
بالعموم، هذه المادة ليست لمناقشة سلوك ترامب وزلّات بايدن التي لم تخلُ فترته هو الآخر من انتقادات حادة على كبر سنّه، بل للتأكيد أنّ الملف الاقتصادي سيكون في صُلب المنافسة بين ترامب وبايدن، من ناحية المناظرات والمواد المرئية والمكتوبة التي ستروّج لحملتي الرجلين.
وهل يكون العالم على مشارف اختبار مواقف اقتصادية جديدة من ترامب في عام 2025 أم الاستمرار في السياسات التقليدية مع جو بايدن؟
الاقتصاد خلال فترتي ترامب وبايدن
بعيداً عن زلّات لسان بايدن وضعف ذاكرته التي ارتفعت أصوات خلال الفترة الماضية ضده، يبدو اقتصاد البلاد في وضع جيد نسبياً وأفضل من دول صناعية غنية حول العالم، بالنظر إلى جملة التحديات والعقبات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
ويُحسب لبايدن استلامه إدارة البلاد بعد مرحلة حرجة دخل بها العالم عقب جائحة كورونا، وما أفرزته من ارتفاع في معدلات التضخم، تطلبت رفع معدلات الفائدة في نهاية المطاف ليدخل الاقتصاد في حالة من الغموض والشك في ركوده أو قدرته على النموّ.
شهد الاقتصاد الأميركي خلال فترة حكم بايدن ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات التضخم لامست مستوى 9% بعد سياسة التيسير النقدي المتبعة التي أقرّت في نهاية فترة ترامب وبداية فترة بايدن، وقدّرت في حدود 5 تريليونات دولار، أي ضُخَّ نحو ربع حجم الاقتصاد الأميركي، وهو سبب كافٍ يدفع الأسعار إلى الارتفاع.
وبين مؤيد ومعارض لسياسات البنك الفيدرالي، أقرّت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية بخطأ تقديراتها بشأن آثار كورونا على الاقتصاد والأسعار. وأقرّ جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي سياسات التشديد النقدي، ورفع معدلات الفائدة لكبح جماح الأسعار وإعادتها إلى المستوى الطبيعي، ليبلغ أعلى مستوى لها عند 5.5%.
بلغ معدل البطالة 3.6% في عام 2022، وهو الأدنى منذ عام 1969 مع متوسط 400 ألف وظيفة شهرياً يتم خلقها، وأنفقت إدارة بايدن أكثر من تريليونَي دولار في الإنفاق الفيدرالي، من بينها تقديم حوافز كبيرة لدعم قطاع الطاقة المتجددة وتدابير خفض الكربون. ومنذ تولي بايدن السلطة انخفض الدخل الحقيقي بعد الضرائب بنسبة 8.8% مقارنة بعام 2021.
وركز بايدن على دعم البنية التحتية، وتعزيز الشبكة الاجتماعية، وأقدم على زيادة الضرائب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والشركات، مع تقليص عدم المساواة في الدخل من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور، وتوسيع الوصول إلى الرعاية الصحية، بالإضافة إلى إعفاء ديون الطلاب. وأحد أبرز التشريعات التي تم أُقِرَّت خلال عهده "خطة الإنقاذ الأميركية" وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف وقانون مكافحة التضخم.
وحافظت إدارة بايدن على إدارة علاقاتها مع الصين حيث ركزت على تعزيز القدرات الأميركية في المنافسة معها في مجالات التكنولوجيا والصناعة والبنية التحتية، والتعاون معها من جانب آخر في مجالات التغيير المناخي ومكافحة جائحة كورونا ومنع انتشار الأسلحة النووية وقضايا أخرى.
بالنظر إلى هذه التحديات، لا يزال الاقتصاد الأميركي يسجّل نمواً ونجا من فخّ الركود، وسط زيادة في معدلات الصادرات والوظائف، وتحسّن في أسواق الأسهم، التي أظهرت نمواً ملحوظاً مع ثورة الذكاء الاصطناعي، ودخول شركات نادي التريليونات في القيمة السوقية، بينها: آبل، ومايكروسوفت، وأمازون، وألفا، وأخيراً أنفيديا.
في المقابل، انقسمت فترة إدارة ترامب للاقتصاد إلى ما قبل جائحة كورونا وما بعدها، حيث شهد الاقتصاد الأميركي نمواً متواصلاً في الناتج المحلي حتى عام 2019، مدعوماً بتخفيضات ضريبية والإنفاق الحكومي.
شملت إجراءات ترامب تخفيضات ضريبية كبيرة على الأفراد والشركات، ما أدى إلى زيادة الدخل الحقيقي للأسر الأميركية وتوفير مليارات الدولارات من خلال تخفيض تكاليف الامتثال التنظيمي. كذلك شهدت معدلات البطالة انخفاضاً حاداً وصل المؤشر إلى أدنى مستوياته في 50 عاماً قبل الجائحة، إذ أضيفت نحو 7 ملايين وظيفة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك أكثر من نصف مليون وظيفة في المجال الصناعي.
وعملت إدارة ترامب على سياسات الطاقة من خلال تحفيز حالة الاستقلال الطاقي وتعزيز الإنتاج المحلي من النفط والغاز، ما ساهم في صعود الولايات المتحدة في سلَّم الدول المنتجة للطاقة. وأثارت السياسات الحمائية التي اتبعها ترامب قلقاً بين الشركات والأفراد، وعدّل اتفاقيات التجارة الحرة لأميركا.
الاقتصاد في نظر الناخبين
عند المقارنة بين إنجازات الرئيسين ترامب وبايدن في المجال الاقتصادي، نجد أن كلاً منهما تبنّى نهجاً اقتصادياً مختلفاً، وقد شهد كلا النهجين نجاحات وتحديات عدّة.
ففي إدارة ترامب الآتي من خلفية ليبرالية، وبيئة الأعمال والمليارديرات، ركزت إدارته كثيراً على خفض الضرائب وتخفيض اللوائح التنظيمية، والسياسات الحمائية من خلال دعوة الشركات الأميركية في الخارج للعودة إلى أميركا، وتوقيع اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول، وساعدت سياساته على تعزيز النمو الاقتصادي ومؤشرات الوظائف.
أما في إدارة بايدين، فكان التركيز على دعم البنية التحتية وتوسيع الشبكة الاجتماعية، مع التمويل من خلال زيادة الضرائب على الأفراد ذوي الدخل المرتفع والشركات. وشهد عهده تحسينات في معدلات التوظيف ونموّ الناتج المحلي الإجمالي رغم التحديات المتعلقة بالتضخم وتداعيات جائحة كورونا.
وعليه، فإن الناخبين المهتمين بالنمو الاقتصادي والسياسات الليبرالية، وخفض السياسات الضريبية وتعزيز الحمائية الاقتصادية وزيادة القيود على المنتجات والشركات الأجنبية في أميركا، وتخفيف القيود واللوائح على الشركات المحلية والأفراد ذوي الدخل المرتفع، ولا يعطون اهتماماً للتدخل في الأزمات الدولية وإرسال الجنود الأميركيين للدفاع عن البلدان الأخرى، سيعطي هؤلاء الناخبون أصواتهم لدونالد ترامب.
بالمقابل، إن الناخبين المهتمين بالرعاية الصحية والبنية التحتية والسياسات الاشتراكية ودعم طبقة العمّال والطبقة الوسطى والفقراء، وفرض ضرائب على الشركات وأصحاب الدخل المرتفع، واستقبال المهاجرين، والاستمرار في السياسات التقليدية لأميركا حول العالم من ناحية التعاملات التجارية وسلوكها مع الأزمات الدولية، سيعطي هؤلاء الناخبون أصواتهم لبايدن.
وسيبقى ارتفاع معدلات التضخم والفائدة أحد المؤشرات المهمة لمراقبة مزاج الناخبين وترجيح أصواتهم، فكيف سيتعامل كلا المرشحين مع مشكلة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وانخفاض القوة الشرائية، وارتفاع تكاليف اقتراض الأموال للعقارات والمواد الاستهلاكية، ومن الفريق الاقتصادي الذي سيُختار من قبل الإدارتين، فإما تفضيل الاستمرار بالسياسات الاقتصادية التقليدية مع بايدن، وإما الذهاب مع ترامب وخوض غمار تجربة اقتصادية جديدة.