الاقتصاد بين عامي 2021 وَ2022

11 فبراير 2021
كورونا تسبب للعالم في خسائر فادحة تفوق أربعة تريليونات دولار (فرانس برس)
+ الخط -

دُعابة مصرية طريفة تقول إن إحدى السيدات تزوجت عشرين واحداً، فتعجب المستمعون وسألوا: كيف حصل هذا؟ وأضافوا: لا يمكن؟ فأجابت الست: "هي تزوجت عشرين واحداً، لكن طلقت عشرين اثنين".

وها نحن نحلم أن عام 2021 سنرى فيه تحولاً واضحاً عّن العام السابق 2020، حين شغل العالم، وما يزال، بقصة جائحة كورونا وتحوراتها وسلالاتها، ما تسبب للعالم بخسائر فادحة تفوق أربعة تريليونات دولار، أو أكثر حسب تقديرات المؤسسات الدولية. وسببت ارتفاعاً في نسبة البطالة في أنحاء المعمورة كلها. وتعطيلاً لكل أهداف التنمية المستدامة للقرن الحادي والعشرين، والتي أُقرّتها الأمم المتحدة في عام 2015.

وحتى في دولة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وهي أغنى دولة ولربما أقواها وأكثرها نفوذاً، نرى أن عدد العاطلين الإضافيين عن العمل قد وصل في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وحسب تصريحات وزيرة الخزانة الجديدة، جانيت يلين، إلى أكثر من عشرة ملايين شخص، وأن شهر يناير لم يضف فرص عمل جديدة إلا بعشرات الآلاف، مخيباً آمال كثير من المحللين وحساباتهم.

ارتفاع أسعار النفط

ولكن هذه الأخبار السيئة لم تحل دون ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية الذي كسر سعره لمزيج برنت الخام حاجز الستين دولاراً لأول مرة منذ سنة أو أكثر، مشفوعاً باتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أخيرا على تقليل الإنتاج النفطي.

ولَم تحل الأخبار السيئة أيضاً دون ارتفاع الأرقام القياسية للأسهم في البورصات العالمية، ودون تحسّن سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، ولكن أسعار الذهب والمعادن تراجعت.

موقف
التحديثات الحية

 

ولماذا يحصل هذا؟

السبب اعتقاد الجميع أن أرقام البطالة السيئة سوف تحفز إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن على عدم الإصرار على الوصول إلى اتفاقٍ بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، ما قد يؤجل إقرار مشروع قانون التحفيز الاقتصادي، ويكتفي بالمطالبة بالموافقة على إقرار حزمة التحفيز بأغلبية بسيطة.

وإذا لجأ الرئيس بايدن إلى الأغلبية البسيطة للحزب الديمقراطي، لتمرير هذه الصفقة مع عدد قليل من الجمهوريين، وقرّر إصدار قرارات رئاسية هو مخوّل بأخذها من أجل الإسراع في إنفاق بعض بنودها، فإن الخبر نفسه سيُحدِث حركةً في أسواق الولايات المتحدة، وقد يتسرب جزء من هذه الحركة إلى أسواق العالم الأخرى، خصوصا أن قيمة هذه الحزمة تبلغ حوالي نحو تريليوني دولار.

وإذا طُبق برنامج التطعيم ضد كوفيد 19 وسلالاته بفاعلية حتى نهاية فصل الربيع، فإن النصف الثاني لعام 2021 قد يشهد حركةً في الأسواق العالمية، بحكم التفاؤل بقرب السيطرة على هذه الجائحة المكلفة. ونظراً لأن الإدارة الأميركية الجديدة تفضل الدبلوماسية على المماحكة، والحوار على المواجهة، فإن مناطق كثيرة في العالم ربما تشهد تهدئة وابتعاداً تدريجياً عن الحروب.

انتعاش باهظ الكلفة

إذا صَحَّتْ كل هذه التوقعات، فإن عام 2021 سيكون مليئاً بزغاريد الأفراح بالانتعاش. والسؤال الأكبر: هل سيكون الانتعاش الاقتصادي العالمي، مَهْمَا بلغت نسبته عام 2021، باهظ الكلفة على الاقتصاد العالمي في العام 2022؟ وهل سيتحول الفرح والعرس الانتعاشي في العام الحالي 2021 على حساب التنهدات والدموع لما قد يقع عام 2022؟ ولماذا هذا التخوّف؟ وما هي دواعيه ومبرّراته؟

يتذكّر بعض منا ما حصل بعد حرب أكتوبر عام 1973، حينما هدّد عاهل السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز بحجب تصدير النفط عن الأسواق الدولية إبّان تلك الحرب إن استمرت. لقد ارتفع سعر النفط بعدها، وظل يرتفع حتى وصل إلى أكثر من 20 دولاراً للبرميل في مطلع العام 1975، بينما لم يزد سعره عن دولارين وعشرة سنتات للبرميل الواحد في نهاية العام 1973.

لقد أدّت تلك الزيادة إلى دخول الاقتصاد العالمي دورة اقتصادية سُميت بالكساد التضخمي (stagflation)، وهرع اقتصاديون كثيرون مرموقون إلى أوراقهم وأقلامهم لمحاولة تفسير اجتماع ظاهرة البطالة والتضخم في آن واحد. اعتقد هؤلاء أن التضخم والبطالة يسيران باتجاهين متعاكسين سلبيين، أي أن ارتفاع نسبة التضخم يؤدّي إلى إنقاص نسبة البطالة، والعكس صحيح. وقد وضّحَ هذه العلاقة منحنى فيليبس (Phillips curve)، نقلاً عن الاقتصادي البريطاني إدموند ستروثر فيليبس Edmund Strother Phelps والحائز على جائزة نوبل الذي وضع هذا المنحنى في مقالة شهيرة له عام 1957.

موقف
التحديثات الحية

 

مخاطر السيولة

وبسبب تبني دولٍ كثيرة موازنات بعجز، وإنفاق مزيد من الأموال لتحفيز الاقتصاد، خصوصا الدول ذات العملات القابلة للتحويل، فإن غياب تهديد كوفيد 19 سيعني بداية النشاط، ولكن السيولة الفائضة في الاقتصاد العالمي، والتي تجمعت في مصائد هنا وهناك، سوف ترفع عنها الحواجز، وستنطلق كالسيل العرمرم في أوصال الاقتصاد العالمي، رافعة درجة حرارة الأجساد الاقتصادية. وسيكون فائض السيولة سبباً في رفع الأسعار، وإحداث معدلات تضخّم متسارعة.

وبسبب زيادة الطلب، والسعي إلى التخلص من النقد ذي القيمة المتناقصة بسبب ارتفاع الأسعار، فإن التضخم سوف يتسارع، وستجد أن أسعار الفوائد سوف ترتفع من أجل كبح الإنفاق، ما يعني أن العالم قد يدخل في دورة تضخمية عالية تفضي، في نهاية الأمر، إلى إحداث تراجع اقتصادي قد يتزامن مع التضخم.

يحذّر اقتصاديون من تحدّيات عام 2022، ما يسمح للمسؤولين عن الاستقرار الاقتصادي في دول كثيرة باتخاذ إجراءات استباقية ناعمة في السياسات المالية والنقدية والتجارية، وهذا يتطلب تضافر الجهود من خلال المنظمات المالية والتجارية العالمية.

المساهمون