الاقتصاد التركي في خضم الانتخابات المبكرة

31 يناير 2023
أردوغان خلال افتتاح مشروعات في مدينة بورصة هذا الشهر (الأناضول)
+ الخط -

لم يكن مفاجئاً إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تبكير موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد إلى 14 مايو/ أيار المقبل بدلاً من 18 يونيو/ حزيران، ذلك أن كثيرين من المراقبين توقعوا تقريب الموعد، قبل أن يُلمح أردوغان لذلك سابقاً ثم يعلن عنه رسمياً.

ولم تفت الإدارة التركية كالعادة رمزية الموعد، حيث يتزامن الموعد الجديد مع ذكرى مرور 73 عاماً على فوز الحزب الديمقراطي الذي أسسه في عام 1946 عدنان مندريس وأنصاره المنشقّون عن حزب مصطفى كمال أتاتورك في الانتخابات، قبل أن يُطاح به بعد 10 أعوام في انقلاب عسكري، وهي الانتخابات التي توصف بكونها أول انتخابات حرّة تشهدها تركيا المعاصرة عام 1950.

ورغم أن تقريب موعد الانتخابات لم يفاجئ أحزاب المعارضة لكثرة التلميحات التي سبقتها، فان الأوضاع المعيشية الضاغطة وسط استمرار انخفاض قيمة العملة واشتعال معدل التضخم أضفى المزيد من الاشتعال على الأوضاع الانتخابية على الرغم من فشل المعارضة حتى كتابة هذه السطور في التوافق على مرشح لخوض تلك الانتخابات.

اشتعال التضخم في تركيا

رغم النجاحات الكبيرة التي حققها الاقتصاد التركي خلال الفترة الماضية، وصموده في مواجهة أزمة كورونا، وسرعة تعافيه الملحوظة مقارنة بالعديد من الاقتصادات حول العالم، وصعود معظم مؤشراته الكلية، إلا أن اشتعال موجة تضخمية منذ بداية عام 2021 ثم تأججها بصورة عارمة خلال العام الماضي همش كثيرا تلك النجاحات بل وساهم في تراجع شعبية الحزب الحاكم.

وقد نجحت الحكومة التركية في تحقيق زيادات لافتة في ملف الصادرات، التي ارتفعت من 185 مليار دولار بنهاية عام 2020 إلى 225.4 مليار دولار بنهاية 2021، ثم 255 مليار دولار تقريبا بنهاية العام الماضي، وهي الزيادات التي تبرهن علي المرونة العالية للاقتصاد الإنتاجي التركي وقدراته التنافسية العالية التي استطاعت أن تنفذ إلى أكثر من 105 دول حول العالم، وتحقيق أرقام قياسية لمجموعة من الأسواق الجديدة وفي مقدمتها تجاوز الصادرات إلى أفريقيا نحو 21 مليار دولار، من بينها 13 مليارا تقريبا للشمال الأفريقي.

كما تعافى القطاع السياحي بصورة ملحوظة في أعقاب أزمة كورونا، حيث بلغ إجمالي عدد السياح الذين زاروا تركيا خلال 2021 نحو 30 مليون زائر، بنمو بلغت نسبته 88.08% مقارنة بـ2020، محققا عائدات قدرت بحوالي 24 مليارا و482 مليون دولار، في حين تزايد عدد السياح في العام الماضي إلى ما يزيد عن 40 مليون سائح بعائدات تخطت 35 مليار دولار.

وعلى الرغم من العوائد الضخمة للصادرات والسياحة، فقد استمرت الفجوة التمويلية الكبيرة بالنقد الأجنبي كنتيجة لأعباء خدمة الديون قصيرة الأجل، والتي تقع معظم أعباءها على القطاع الخاص، لتشكل ضغطاً متعاظماً على العملة المحلية، التي انخفضت من 11 ليرة للدولار الواحد بنهاية عام 2021 إلى 18.5 ليرة للدولار الواحد بنهاية 2022، وهو الأمر الذي تزامن مع ارتفاع معدل التضخم من 25% إلى 85% خلال الفترة نفسها.

وهو الأمر الذي يوضح أن المكون الرئيس لمعدل التضخم في تركيا يعود لانخفاض قيمة العملة المحلية، وربما يفسر ذلك التراجع شديد المحدودية لمعدل التضخم في أعقاب الثبات النسبي لليرة في الأشهر الأخيرة، وأيا ما كانت أسباب التضخم فإنه يعد أهم الأسباب الداعية لاشتعال حدة المنافسة في الانتخابات القادمة.

إجراءات حكومية متسارعة

أحسنت الحكومة التركية بمسارعتها لخفض الآثار السلبية لاشتعال التضخم على مواطنيها من خلال العديد من الإجراءات الهامة، والتي يأتي في مقدمتها الرفع المتتالي للحد الأدنى للأجور، الذي ارتفع في مطلع العام الحالي إلى 8 آلاف و506 ليرات لعام 2023 (نحو 455 دولارا)، وبذلك فإن الزيادة في الحد الأدنى للأجور بلغت 100% مقارنة بشهر يناير/ كانون الثاني من العام الماضي و54.66% مقارنة بشهر يوليو/ تموز. ويحسب للحكومة التركية قدرتها على فرض تلك الزيادة على القطاع الخاص، كما يحسب لها وعدها بزيادة جديدة في مارس/ آذار القادم، إذ لم تنجح في خفض معدلات التضخم الحالية.

كما أقدمت الحكومة على العديد من الإجراءات للتخفيف من حدة التضخم على مواطنيها، ومن بينها تخفيض معدلات الضرائب على العديد من السلع الأساسية، وتخفيض أسعار الكهرباء للمنازل، وتقديم دعم كبير لفواتير الغاز المنزلية، بالإضافة إلى الاهتمام بسلاسل التجزئة التعاونية التابعة للدولة والتي تقدم السلع للمواطنين بأسعار مخفضة، والتي أكد أردوغان افتتاح 1500 فرع جديد منها خلال العامين الحالي والمقبل.

ورقة الاقتصاد على طاولة الانتخابات

لا شك أن المستوى المعيشي للمواطنين يعكس رؤيتهم لأداء الحكومة، الأمر الذي يعني أن اشتعال معدلات التضخم لفترة طويلة ينعكس سلبا على صورة الحزب الحاكم عند المواطنين، ولذلك فان المعارضة التركية لم تدخر جهداً في استغلال تلك الورقة التي ألقتها الظروف العالمية على الطاولة، لا سيما في ظل فشلها المتتالي في الحصول على أي أغلبية خلال الأعوام العشرين الأخيرة.

ورغم نتائج الاستطلاعات الأخيرة التي توضح التراجع النسبي لشعبية الحزب الحاكم خلال الفترة الأخيرة والتي يقف من خلفها الاقتصاد ومعدلات التضخم بصورة أساسية، فإن ذلك لا يعني بأي حال التحسن الكبير لأوضاع المعارضة، حيث لا يزال الخلاف واضحا على اختيار المرشح الرئاسي في ظل فارق واسع بين شعبية أي من المرشحين وشعبية أردوغان.

كما أن المعارضة التي أخفقت في إطلاق لفظ تحالف على تجمعها السداسي، الأمر الذي يدل على أن ما بينها لا يعدو كونه تنسيقا عالي المستوى لم تطرح أي مشروع اقتصادي بديل لمشروع الحزب الحاكم الذي من الواضح أنه يسبقها دائما بمشروعاته في كافة المجالات ومبادراته الخدمية والتطوعية التي لا تتوقف.

من المؤكد أهمية الملف الاقتصادي في خضم معركة الانتخابات التركية القادمة، وأن المعارضة ستستغل هذ الملف ما أمكنها ذلك، ولكنه من الواضح أن الإدارة التركية لا تزال تمسك جيدا بزمام الأمور في إطار ما قدمته وتقدمه لمواطنيها من إجراءات عملية تخفف من حدة التضخم، وهي الإجراءات التي لم تتوقف عند حدود الوعود المعسولة، التي اعتاد الحكام على تقديمها.

المساهمون