- قبل الحادث، كان هناك تفاؤل حذر بشأن تحسن الاقتصاد الإيراني لعام 2024، مع توقعات بنمو إيجابي وانخفاض التضخم وزيادة الصادرات، وخطط حكومية لخفض العجز وتنويع المصادر الاقتصادية.
- الأزمات المتتالية والعقوبات الدولية أدت إلى تدهور العملة الإيرانية، مما زاد من أسعار السلع والفقر والبطالة، وأضافت الاحتجاجات على تكاليف المعيشة ضغوطًا إضافية على الحكومة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الإيراني يتجه نحو المزيد من الأزمات خلال الفترة المقبلة، إثر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث سقوط طائرة كانت تقلّهما رفقة مسؤولين آخرين.
وانعكس الخبر صدمة في سوق العملات المحلي، ليرتفع الدولار مباشرة من 573.5 ألف ريال إلى قرابة 600 ألف ريال. ويأتي هبوط الريال بعد أيام من تعافيه مقابل الدولار، إذ ارتفع سعر صرف العملة الأميركية على خلفية التوترات الأخيرة مع إسرائيل إلى نحو 700 ألف ريال لكل دولار، لكنه بدأ يتراجع مع انخفاض منسوب التوترات.
ويعرف الاقتصاد الإيراني أزمات قاسية جداً، تزايدت حدتها مع العقوبات الأميركية المشددة، التي استهدفت جميع مفاصلها الاقتصادية، بما فيها الاستثمارات الأجنبية. فالعقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني منذ عام 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دفعت الشركات الأجنبية إلى مغادرة إيران خشية تعرضها لعقوبات أميركية ثانوية.
وفي ظل هذه العقوبات التي تحرم إيران عوائد صادراتها النفطية المحظورة التي تحصل بطرق التفافية، يبقى من الصعب تحويل الأموال إلى داخلها للاستثمار. وبلغ معدل التضخم السنوي المنتهي في شهر مارس/ آذار 2024 نسبة 52.3%، وهو أعلى معدل تضخم سنوي منذ 80 عاماً، ممّا يسبب زيادة أعداد الفقراء ويؤثر سلباً على معيشة المواطنين.
وطاولت الآثار قطاع النفط والغاز الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من إيرادات الاقتصاد الإيراني، بحيث تراجعت الصادرات إلى 300 ألف برميل يومياً من نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، ليرتفع الحجم تدريجياً بفعل الالتفاف على العقوبات، واستهدفت إيران في موازنة عام 2024 تصدير نحو مليون و350 ألف برميل من النفط يومياً.
الاقتصاد الإيراني قبل وفاة رئيسي
وفي مطلع العام الحالي، توقع صندوق النقد الدولي أنّ مؤشرات الاقتصاد الإيراني ستشهد تحسناً في 2024 مع تسجيل معدل نمو إيجابي، وانخفاض التضخم، وزيادة الصادرات. وأفادت وكالة "إيسنا" الإيرانية الطلابية، نقلاً عن تقرير الصندوق، بأنّ التقديرات تشير إلى زيادة ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني (GDP) بنسبة 20 مليار دولار هذا العام ليصل إلى 386 مليار دولار بعدما كان في عام 2023 نحو 366 مليار دولار.
كذلك، توقع الصندوق تراجع التضخم في إيران إلى 32.5%، وبلوغ ميزان الحساب الجاري الإيراني 14.1 مليار دولار، فضلاً عن تراجع البطالة إلى 9.6%.
في السياق، قال الخبير الاقتصادي الإيراني، محمد حسين أنصاري فرد، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ صندوق النقد والبنك الدوليين يتوقعان أن تحقق إيران خلال 2024 نمواً بنسبة 2% كحد أدنى. وأشار إلى أنّ ذلك المعدل يعتبر "أمراً جيداً" بالنظر إلى النمو السالب الذي شهدته إيران ووصل في بعض السنوات إلى سالب 10%، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018.
ووفق آخر تقرير لمركز الإحصاء الإيراني الحكومي، فإنه خلال صيف 2023 كانت نسبة أصحاب الشهادات الجامعية من كل العاطلين عن العمل في إيران 42.8%. وقدم رئيسي موازنة عام 2024 على أنها موازنة خفض العجز وتنويع المصادر، مستهدفاً تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8%، واحتواء التضخم وإنهاء العجز الذي وصل في 2023 إلى نحو 400 تريليون تومان (14 مليار دولار).
وزاد حجم الموازنة الإيرانية لعام 2024 إلى 16.7% عما هو عليه هذا العام، وقللت الحكومة الإيرانية الاعتماد على عوائد النفط والغاز في الموازنة نحو 16%، حيث بنت الموازنة على أساس تصدير 1.350 مليون برميل نفط يومياً بسعر 71 دولاراً للبرميل.
واستهدفت الحكومة في الموازنة تحقيق موارد من الصادرات النفطية بقيمة 554 تريليون تومان (أكثر من 19.438 مليار دولار) وفق سعر صرف 28500 تومان لكل دولار، فيما زادت الحكومة الإيرانية العوائد الحاصلة عن الضرائب بنسبة 49.8 %، لتبلغ 122 تريليون تومان (نحو 40 مليار دولار)، مما يعني أن هذا المورد يشكل نحو 52% من إيرادات الموازنة. وأظهرت أرقام الموازنة الإيرانية تراجع عجز الموازنة من 454 تريليون تومان (15 مليار دولار) في 2023 إلى 307 تريليونات تومان (نحو 11 مليار دولار) في عام 2024.
تزايد الأزمة المعيشية
وشهدت العملة الإيرانية هبوطاً قاسياً وتذبذباً طوال فترة رئيسي، ما أثر على ارتفاع أسعار غالبية السلع في السوق. وارتفع سعر صرف الدولار في السوق الإيراني بعد بدء عملية طوفان الأقصى، من 490 ألف ريال إلى 535 ألفاً. وفي محاولة للحد من تراجع الريال، ضخّ البنك المركزي الإيراني وشركات بتروكيميائية إيرانية نحو 371 مليون دولار، لكن العملية لم تنجح في وقف هبوط الريال.
واستهدف الغرب العديد من الشركات الإيرانية وكبار العسكريين بعد اتهام إيران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا، عقب الغزو الروسي قبل عشرة أشهر. لكن طهران تنفي أيضاً هذه الاتهامات.
فضلاً عن ذلك، تعرّضت إيران لحزم عقوبات من أوروبا والولايات المتحدة وكندا وعدة دول أخرى، على خلفية كيفية تعاملها مع الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر/ أيلول 2022 بعد أيام من توقيفها. وقبل ذلك، في يونيو/ حزيران 2022، استقال حجة الله عبد المالكي وزير العمل الإيراني، وسط احتجاجات يومية في أنحاء البلاد على زيادة تكاليف المعيشة شارك فيها موظفون متقاعدون وتجار وعمال.
وقالت وزارة العمل والتعاون والرعاية الاجتماعية حينها إنها ستزيد أجور التقاعد بنسبة 57.4 في المائة إلى 55.8 مليون ريال إيراني (177 دولاراً) في الشهر، لكن من يتقاضون أجور التقاعد قالوا إن هذه الزيادة قليلة للغاية ومتأخرة في مواجهة التضخم المستمر منذ سنوات.