الاقتصاد الإسرائيلي يُنازع

16 أكتوبر 2023
قيمة الشيكل تراجعت بشكل كبير بسبب ضربات "طوفان الأقصى" (Getty)
+ الخط -

ما كاد الاقتصاد الإسرائيلي يُحصي خسائره جرّاء خطة الإصلاحات في الجهاز القضائي، حتى جاءه هجوم حركة حماس على حين غرة ليلخبط حساباته ويفاقم خسائره التي تتجاوز 27 مليار شيكل، أي حوالى 6.8 مليارات دولار، بحسب تقديرات بنك هبوعليم الإسرائيلي، بناءً على تكاليف الحروب السابقة التي خاضتها دولة الاحتلال، كحرب لبنان الثانية عام 2006، وعملية الرصاص المسكوب التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة في 27 ديسمبر/ كانون الأوّل 2008.

حجم الضرر البالغ الذي لحق بالاقتصاد الإسرائيلي جرّاء الهجوم البطولي الذي شنَّته حركة حماس على الكيان الصهيوني بات واضحاً، فقد تراجعت قيمة الشيكل بشكل كبير ولمستويات بداية عام 2016، وأعلن البنك المركزي الإسرائيلي ضخ 45 مليار دولار من احتياطياته الأجنبية لوقف نزف الشيكل، وتلبية الاحتياجات المتزايدة على النقد الأجنبي، وانخفض مؤشِّر الأسهم الإسرائيلي الرئيسي بنسبة 6%، ومن المُتوقَّع أن تُحدِث هذه الحرب عجزاً في موازنة إسرائيل يفوق الـ1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

ستُلقي هذه الحرب الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني بظلالها السوداء أيضاً على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة التي لها فروع ومكاتب ومراكز للبحث والتطوير في دولة الاحتلال الإسرائيلي مثل مايكروسوفت، ألفابت، آبل، أوراكل، وانتل، وسيؤدِّي ذلك -لا محالة- إلى تباطؤ الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الفائقة التي تُعدّ بدورها محرِّك النمو الرئيسي في دولة الاحتلال.

ليزيد الطين الذي يَعلَق فيه الاقتصاد الإسرائيلي بلة، اضطرّ جيش الاحتلال إلى استدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياطي للخدمة من صفوف العاملين في قطاعات التعليم، التكنولوجيا، الرعاية الصحية، الصناعة، السياحة، والقضاء، وبطبيعة الحال سيزداد حجم الضرر الاقتصادي كلما طالت مدّة بقاء جنود الاحتياط بعيداً عن وظائفهم. علماً بأن هذا الاستدعاء هو الأضخم في تاريخ الدولة العبرية.

في الواقع، جرَّت خطّة الإصلاح القضائي المُدمِّرة للديمقراطية الإسرائيلية والمكرِّسة للأوليغارشية وابلاً من الانتقادات على عرّابها وزير العدل الإسرائيلي "ياريف ليفين" الذي سبَّب إطلاق موجة احتجاجات وإضرابات غير مسبوقة شارك فيها العديد من طياري سلاح الجوّ الذين قاطعوا التدريبات العسكرية احتجاجاً على الإصلاح القضائي وأعربوا عن عدم استعدادهم لخدمة نظامٍ ديكتاتوري، الأمر الذي أدَّى بحسب المنتقدين الذين علَّقوا إخفاق الجيش على شمّاعة خطّة ليفين للإصلاح القضائي، إلى تعطيل عمل الجيش وتثبيط قدرته على القيام بمهامه كتوقُّع الهجمات المباغتة والاستعداد لها.

ممّا لا شكّ فيه، أنّ هذه الحرب ستزيد من الأصفار على يمين مبلغ الإنفاق الحكومي المُخصَّص للحملة العسكرية، حيث سيتعيَّن على الحكومة الإسرائيلية اقتراض أموال إضافية في بيئة أسعار فائدة مرتفعة، الأمر الذي ينمّ عن إثقال كاهل الإسرائيليين بمزيد من الضرائب، ولا سيَّما في ظلّ الأزمة الخانقة التي تتخبَّط فيها الولايات المتَّحدة التي لطالما بسطت يديها لحليفتها إسرائيل.

لطالما اعتبر المسؤولون الأميركيون والعديد من المشرِّعين إسرائيل شريكاً حيوياً في منطقة الشرق الأوسط، وقد عكست حزم المساعدات الأميركية لإسرائيل منذ إنشائها في عام 1948 ذلك بوضوح لا يقبل الشكّ ولا الريبة.

وبحسب تقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونغرس Congressional Research Service في بداية شهر مارس/ آذار 2023 تحت عنوان U.S. Foreign Aid to Israel، فقد بلغت المساعدات الخارجية الأميركية لإسرائيل 146.26 مليار دولار (منها 34.347 مليار دولار كمساعدات اقتصادية) خلال الفترة الممتدّة من 1948 إلى 2020، و3.8 مليارات دولار في عام 2021، و4.8 مليارات دولار في عام 2022، و3.8 مليارات دولار في عام 2023، ما يجعل مجموع المساعدات الأميركية التي حصلت عليها إسرائيل 158.66 مليار دولار.

بينما تفيد بيانات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID Data بأنّ إجمالي المساعدات التي التزمت أميركا تقديمها لإسرائيل خلال الفترة الممتدّة من 1948 إلى 2023 يُقدَّر بنحو 260 مليار دولار.

عند النظر إلى الجزء المملوء من الكوب، يمكن الجزم بأنّ الدعم الأميركي لن يستمرّ على الوتيرة نفسها لذلك السخاء السابق، ويرجع الفضل في ذلك إلى سلسلة الأزمات المتلاحقة التي أعقبت جائحة كورونا، ونوبة التضخُّم التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، وفاتورة التمويل الأميركي للحرب في أوكرانيا الباهظة التي باتت تزاحم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل.

فقد أرسلت الولايات المتّحدة لأوكرانيا 66.2 مليار دولار على شكل مساعدات منذ بداية الغزو الروسي، حيث ينقسم هذا المبلغ إلى مساعدات عسكرية بقيمة 43.1 مليار دولار، مساعدات اقتصادية بقيمة 20.5 مليار دولار، ومساعدات إنسانية بقيمة 2.6 مليار دولار، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 4 أغسطس/ آب 2023 تحت عنوان: "نظرة على حجم الإنفاق الأميركي لدعم الدفاع في أوكرانيا" A look at the amount of U.S. spending powering Ukraine’s defense.

ولعلّ صورة حاملة الطائرات الأميركية The USS Gerald R. Ford المتَّجهة إلى شرق البحر الأبيض المتوسِّط التي عُرضت مراراً وتكراراً على شاشات التلفزيون واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي أبلغ وسيلة لإظهار دعم الولايات المتَّحدة لحليفتها الأزلية إسرائيل.

وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ إسرائيل ما زالت غير قادرة على الدفاع عن نفسها رغم كل ما صُرِف عليها، وأنّ الولايات المتَّحدة تؤكِّد وجودها في المنطقة لحماية مصالحها في حال امتداد الصراع إلى نقطة خطيرة تجرّ إيران، وهو السيناريو الذي قد يرفع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل ويخفِّض النمو العالمي إلى 1.7% ويقتطع حوالى تريليون دولار من الناتج العالمي، بحسب تقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس.

وبطبيعة الحال، هناك سيناريو آخر أكثر قتامة من الأوّل، وسيتحقَّق في حال تحوَُل هذا الصراع إلى مغناطيس يجتذب تدخُّل روسيا، لتنتقل بذلك الحرب الدائرة في آسيا وتجد مستقرّاً لها في منطقة الشرق الأوسط المنتجة للطاقة.

خلاصة القول، إذا كانت المرارة التي يتجرَّعها الاقتصاد الإسرائيلي ستزول خلال أشهر، فإنّ الصدمة التي تمخَّضت عنها عملية طوفان الأقصى ستبقى خالدة في التاريخ.

المساهمون