الأوكازيون الشتوي في مصر: تخفيضات حقيقية وجمهور يعرض عن الشراء

11 فبراير 2023
خصومات كبيرة في المحال التجارية (العربي الجديد)
+ الخط -

تزحف صدمة الركود على مبيعات المحلات التجارية، بعد أسبوع من بدء موسم التخفيضات الشتوي. استبقت المحلات الموعد الرسمي السنوي للأوكازيون، بنحو أسبوعين، ليناسب إجازات المدارس والجامعات، التي انتهت أمس، وتوافر الوقت واستعداد الأسر للتجول بالأسواق.

شارك أكثر من 2000 شركة ومحل، بالمرحلة الأولى للأوكازيون، من بين 4 آلاف محل اعتادت المشاركة في مواسم التخفيضات على مدار العام. في جولة لـ "العربي الجديد" بالأسواق على مدار اليومين الماضيين، رصدت سباقا بين المحلات على تقديم تخفيضات حقيقية على ملابس وصلت حديثا، ضمن الإفراجات التي شهدتها البضائع المكدسة بالموانئ، طوال العام الماضي. تراوحت التخفيضات على الملابس ما بين 10% إلى 50% على الملابس، وقليل منها على عروض المواد الغذائية، التي تشهد ارتفاعا كبيرا أسبوعيا، واقتصرت التخفيضات على المنظفات والسلع المعمرة التي تقادمت تكنولوجيا. 

لم تفلح عروض التخفيضات في جذب المشترين، الذين تحدوا الظروف الجوية الباردة وغير الطبيعية، للتجول بالأسواق، وخاصة بالمراكز التجارية الكبرى. بالغت المحلات في حملات الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومداخل المحلات، وكتابة نسب للخصومات، بعضها غير موجود على أرض الواقع، منها "احصل على قطعة ملابس واربح أخرى مجانا"، وأخرى تشير إلى تخفيضات تصل إلى 70%.

يؤكد حسن آدم، بائع سوداني يعمل بإحدى سلاسل مبيعات الملابس التركية رخيصة الثمن، لـ"العربي الجديد"، عدم تحقيق المعرض الكبير الذي يعمل به، نسبة مبيعات معقولة، رغم جودة المنتجات وتناسبها مع ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. يشير آدم إلى أن المحلات بكرت بالمشاركة في الأوكازيون، أملا في التخلص من المخزون الراكد الذي في حوزتها، وبيع ما وصل إليها حديثا من ملابس شتوية، حتى تتمكن من عرض ملابس الربيع والصيف، قبل شهر رمضان المقبل، والتي أفرجت عنها الجمارك، أو تعاقدت المحلات على توريدها من المصانع المحلية، لتواكب احتياجات المواطنين مع فترة الأعياد المقبلة، بعد أسابيع. 

خفض الأسعار

اعتبر إبراهيم العشماوي، نائب وزير التموين للتجارة الداخلية، مشاركة المحلات في الأوكازيون فرصة لتصريف المخزون السلعي، في ظل توافر السلع بكميات كبيرة. ودعا في بيان صحافي المحلات إلى خفض الأسعار، أملا في تحريك الأسواق من حالة الركود، والحد من الخسائر، وزيادة معدلات الإنتاج، وتوظيف رأس المال.

سمحت وزارة التموين، لأول مرة، بمشاركة المحلات اختياريا في الأوكازيون، لمدة أسبوعين، دون دفع رسوم، سعيا للحد من الارتفاع الكبير في الأسعار. وطلب إبراهيم العربي، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، في بيان وجهه لأصحاب المحلات، أن تلتزم بتقديم عروض حقيقية، لتشجيع المواطنين على الشراء، مبينا تراجع المبيعات خلال الأشهر الماضية، مما تسبب في حدوث خسائر فادحة بالمصانع والمحلات. 

وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث دفعت موجات غلاء الأسعار، مع تراجع قيمة الجنيه، حالة السوق في الاتجاه المعاكس. تقول هناء مصطفى، ربة منزل، لــ"العربي الجديد": "بعد عام كامل نشهد لأول مرة تخفيضات حقيقية على الملابس وكثير من مستلزمات المطبخ والمنظفات، أما غير ذلك فالأسعار تتجه للارتفاع".

تشير هناء مصطفى إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه الأسر، تجبرها على ترشيد النفقات وتحديد الأولويات التي ترتكز حاليا على شراء الطعام واحتياجات المدارس والتعليم، أما غير ذلك فتؤكد أن جميعها أصبح من الكماليات التي لا تتعلق بها الأسر المتوسطة، ولا يعرف الفقراء طريقها، إلا عبر المساعدات التي يتكفل بها الأفراد أو المؤسسات الخيرية التي تنشط لإغاثتهم من الجوع والعوز. 

تراجع الجنيه

لجأت بعض الأسر إلى شراء ملابس للأطفال تتراوح قيمة الطقم منها ما بين 200 إلى 400 جنيه، خوفا من عدم قدرتها على توفيرها، في المستقبل القريب، مع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار يوميا. 

فقد الجنيه قيمته في يد المصريين، حيث انخفض أمام الدولار من 16 جنيها في فبراير/ شباط 2022 إلى 30.5 جنيها في فبراير/ شباط الجاري. وسجل مؤشر التضخم السنوي في أسعار المستهلكين، ارتفاعا بلغ 26.5%، من يناير/ كانون الثاني 2022 إلى يناير/ كانون الثاني الماضي. وأكد المؤشر الصادر عن الجهاز المركزي ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات بنحو 48%، بسبب زيادة أسعار الحبوب والخبز بنسبة 65%، واللحوم والدواجن 59.7%، والأسماك 56.7%، والألبان والجبن 60.3%. كما ارتفعت أسعار الوجبات الجاهزة، بنسبة 43.1%. 

يتوقف المؤشر عند زيادة بسيطة في زيادة أسعار الملابس والأحذية رصدها بنسبة 17.1%، بما يخالف الواقع تماما. في جولة "العربي الجديد"، أرقام حقيقية عن معدلات الأسعار، تتجاوز نسبة 100% على الملابس المحلية والأسماك والألبان والبيض خلال العام، تصل إلى 200% على الملابس المستوردة، ومنتجات اللحوم والأجبان.

عكست حالة الركود أوضاعها على تراجع الطلب من المصانع والشركات غير النفطية التي تعاني من زيادة تكاليف مستلزمات الإنتاج، بأعلى معدل في أربع سنوات ونصف، بسبب انخفاض قيمة الجنيه الذي أدى إلى زيادة رسوم الاستيراد بالدولار.

عقب إعلان المؤشر ارتفاع التضخم من 21.3% في ديسمبر/ كانون الأول 2022 إلى 26.5% في يناير الماضي، يتوقع المصنعون مزيدا من الانحدار نحو الركود، مع ضعف القوة الشرائية للمواطنين، وعدم اليقين في المستقبل، وتوقع تدني الرواتب، وزيادة معدلات البطالة بين أرباب الأسر. 

وأدى نقص الدولار إلى صدمات اقتصادية يومية يعيشها المواطنون وتعصر المستثمرين، في وقت يتوقع مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره مؤسسة ستاندرد آند بورز شهريا، أن تتفاقم تحديات الشركات مع الركود والتضخم والاستغناء عن العمالة، لمدة 12 شهرا مقبلة، لتصل إلى ثالث أدنى مستوى لها على الإطلاق، وأن تؤدي المشكلات المتعلقة بالتوريد والأسعار إلى إعاقة الطلب بشكل أكبر. 

يبحث التجار عن طوق نجاة يعيد إليهم المستهلكين، الباحثين عن الطعام بأسعار معقولة، وملابس تسترهم بالقليل، بينما تظل وعود الحكومة بالقضاء على موجات الغلاء، كما يراها المواطنون مجرد تصريحات وردية، لا تتخطى عتبات مكاتب قائلها.

يؤكد المستهلكون التزام الحكومة بما اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي بالإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ، وتشجيع المصانع على استئناف نشاطها المعطل منذ عام، ولكنها لم تحل المعضلة الكبرى التي تحرمهم من متعة الشراء، وهي إنقاذ الجنيه من الغرق في سوق العملات، وعدم التزامها بتعويض المواطنين، لمواجهة حالة تضخم مستعصية وغلاء يحرمهم من التسوق ويدفع الأسواق إلى الركود.