الأموال الساخنة تعود إلى مصر... ومخاوف من "خراب الديار"

19 مارس 2024
الحكومة المصرية حصلت على قروض ضخمة لتخفيف الأزمات الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عادت الأموال الساخنة إلى السوق المصرية بقوة، مع تدفقات نقدية بقيمة 3 مليارات دولار للاستثمار في أذون الخزانة بعائد 32.30%، وسط تراجع قيمة الجنيه ومخاوف من تأثيرها السلبي على الاقتصاد.
- الحكومة المصرية تهدف لجذب 30 مليار دولار من الأموال الساخنة بحلول نهاية 2024، رغم التحذيرات الاقتصادية بأن هذه الأموال تزيد الديون قصيرة الأجل ولا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.
- مؤسسات التصنيف الائتماني مثل غولدمان ساكس وفيتش تتوقع تعزيز السيولة الأجنبية بالقطاع المصرفي عبر تعويم الجنيه ورفع أسعار الفائدة، لكنها تعبر عن قلقها بشأن استدامة الإصلاحات الاقتصادية.

عادت الأموال الساخنة بقوة إلى الأسواق المصرية الأيام الماضية، وسط مخاوف اقتصاديين من تسببها في دفع الاقتصاد المتأزم إلى الهاوية، بعد فشل الاعتماد على تمويل الأموال الساخنة للموازنة العامة، للمرة الرابعة خلال 6 سنوات.

شهدت البلاد تدفقات نقدية بلغت 3 مليارات دولار من حصيلة الأموال الساخنة، المندفعة بقوة للاستثمار في أذون الخزانة للاستفادة من العائد الهائل في معدلات فائدة بلغت 32.30%، والتراجع بقيمة الجنيه أمام باقي العملات، الشهر الجاري.

تندفع الحكومة لجذب الأموال الساخنة، مؤملة تحصيل 30 مليار دولار من عوائدها مع نهاية العام 2024، في تراجع مفاجئ عن "سياسة استراتيجية" كانت وضعتها عقب لجوء محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر إلى سحب 22 مليار دولار من الاحتياطي النقدي بـ"البنك المركزي" والبنوك المحلية، دفعها لمستثمرين أجانب في الأموال الساخنة، بما عرّض الاقتصاد إلى انهيار مفاجئ عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في شهر فبراير/ شباط 2022. 

خراب ديار 

وصف أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، حسن الصادي، عودة الأموال الساخنة للسوق المصرية بأنه "خراب ديار"، داعيا الحكومة إلى استيعاب الدرس الذي تعرضت له البلاد، عندما هرب نحو 22 مليار دولار دفعة واحدة، خلال أيام، بين شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2022، خوفا من التوترات الأمنية التي شهدها المنطقة، بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

قال الصادي لـ"العربي الجديد" إن الأموال الساخنة تدخل الأسواق الناشئة وعلى رأسها مصر، لتحقق أقصى ربحية بأقل وقت ممكن، دون أن تضيف أية ميزة للاقتصاد المحلي، سوى إرباكه بكثرة الديون قصيرة الأجل، وتحصيل ربحية لا تقل عن 30%.

أشار الخبير الاقتصادي إلى تعهد وزير المالية محمد معيط بعدم العودة إلى تمويل الموازنة العامة، من الأموال الساخنة، والبحث عن بدائل لسداد الديون العاجلة، بأخرى طويلة الأجل، عبر المؤسسات الداعمة لوزارة التعاون الدولي، التي تمنح قروضا بفترة سداد تصل إلى 6 سنوات، وفائدة منخفضة، وتسدد على فترات تصل إلى 20 عاما، منوها إلى ضرورة هذه النوعية من القروض في بناء مشروعات تبني اقتصاد تنموي، تحميه من التراجع المباغت، الذي تدفعنا إليه الأموال الساخنة.

وقال معيط في تصريح متلفز، في يوليو/ تموز 2022، عقب الخروج المفاجئ والسريع، لنحو 22 مليار دولار من مصر عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إن الدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى، منوها إلى تسببها في أزمة اقتصادية 3 مرات متتالية أعوام 2018، و2020 و2022.

أضاف معيط: لقد تعلمنا الدرس وستشهد المرحلة القادمة تركيزا أكبر على جذب الاستثمارات المباشرة، بقيمة 10 مليارات دولار سنويا.

وقال مصدر حكومي لموقع "إنتربرايز" الاقتصادي أول من أمس الأحد، إن المستثمرين الأجانب ضخوا ما يزيد عن 3 مليارات دولار في مصر منذ تعويم البنك المركزي للجنيه منذ 11 يوما، وزيادة سعر الفائدة بمعدل 600 نقطة أساس، متوقعا أن يقفز الرقم إلى 30 مليار دولار قبل نهاية العام. 

عوائد الأصول وأذون الخزانة 

وتسعى الحكومة إلى تحصيل نحو 55 مليار دولار، من عوائد بيع الأصول العامة، وقروض من صندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري.

أشار بيان تفصيلي للبنك المركزي إلى بيعه أذون خزانة لأجل عام، بقيمة 217.9 مليار جنيه، بالإضافة إلى 46.8 مليار جنيه لبيع أذون خزانة لأجل 6 أشهر.

أكد المركزي تلقيه عروضا تجاوزت 13 ضعفا قيمة الأذون المباعة لأجل عام، بينما تلقى عروضا تجاوزت أربعة أضعاف القيمة للأذون لمدة 6 أشهر.

بلغ متوسط العائد على أذون الخزانة لأجل عام 32.30%، في بداية الطروحات، ووصل إلى 30.14% الأسبوع الماضي، بينما انخفض متوسط العائد على الأذون لأجل 6 أشهر، من 31.84% إلى 29.91%، خلال نفس الفترة.

يفسر الصادي إقبال المستثمرين الأجانب على شراء أذون الخزانة والسندات بأنهم مدفوعون بالعائد الهائل على رأس المال المستثمر خلال فترة قصيرة لا تتعدى العام.

ونوه إلى أن ربحية المستثمر تبدأ باستفادته من تراجع الجنيه مع تطبيق سعر الصرف الجديد، من 31 إلى نحو 48 جنيها، والثقة في عدم تراجعه خلال العام عن مستوى 45 جنيها، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الفائدة إلى ما يزيد عن 30%، بما يعني قدرته على جني أكثر من 40% من عوائد الاستثمار على الجنيه، وحقه في استرداد قيمة الأرباح ورؤوس الأموال بالدولار، في نهاية المدة.

يشير الصادي إلى أن متوسط الربحية لن يقل عن 37%، خلال العام، بما يدفع المستثمرين إلى تفضيل شراء الأذون والسندات، دون المخاطرة في توجيه أموالهم إلى مشروعات اقتصادية تتميز باستدامة نشاطها، لن تستطيع أي منها توفير نفس معدل الربحية التي تحققها الأموال الساخنة.

يدعو الخبير الاقتصادي الحكومة إلى مقاومة الأموال الساخنة، مؤكدا أنها تهدد اقتصاد الدولة، بمزيد من الأزمات، مشيرا إلى أن التجارب السابقة، أثبتت للحكومة ضرورة الابتعاد عن المال الساخن، وأنه ليس مقبولا بعد الوقوع في أزمة طاحنة بسبب تلك السياسات أن نلدغ من الجحر عدة مرات. 

يقدم البنك المركزي إغراءات للمغامرين في سوق الأموال الساخنة، بإصدار عروض أذون خزانة بمليارات الجنيهات، منذ بدء تعويمه الرابع للجنيه خلال عامين، والذي رفع سعر الدولار مقابل الجنيه رسميا من أقل من 31 جنيها إلى 50 جنيها.

يستفيد البنك المركزي من توصية أصدرتها مؤسسات مالية دولية، منها جي بي مورغان وسيتي بنك الأميركيان، للمغامرين في الأسواق الناشئة، بشراء أذون الخزانة بالجنيه لأجل عام، للاستفادة من العائد الهائل من عوائد أدوات الدين، على الأذون الأطول أجلا لمدة عام. 

قلق من الإصلاحات 

تتوقع مؤسستا التصنيف الائتماني، غولدمان ساكس وفيتش أن يدفع تعويم الجنيه، ورفع أسعار الفائدة، إلى تعزيز السيولة الأجنبية، بالقطاع المصرفي والقضاء على السوق الموازية.

تبدي "فيتش" قلقا بشأن عدم استدامة الإصلاحات الاقتصادية، التي تتبعها الحكومة رغم حصولها على 35 مليار دولار من عوائد بيع مدينة رأس الحكمة لصندوق الثروة الإماراتي، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على تعويم الجنيه، مبدية رفضها التعجل في رفع تصنيف مصر الائتماني، الذي خفضته من B إلى B- منذ شهرين.

تظهر "فيتش" تشككا في وفاء الحكومة بالتزاماتها نحو تحقيق سعر صرف مرن مستدام، وهو الأمر الذي تكرر عقب تعويم الجنيه باتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي للمرة الأولى للتعويم عام 2016.

وأشارت إلى ارتفاع مخاطر الديون وقدرة مصر على تحملها، وأن يظل وضع الاقتصاد المصري صعبا في عام 2024-2025، بسبب ارتفاع معدل التضخم السنوي وضعف معدلات النمو واستمرار التحديات المالية الملحة وتجاوز تكاليف الفائدة 50% من إيرادات الموازنة العامة للعام المالي المقبل.

تأمل ستاندرد تشارترد أن يؤدي التعويم والفائدة المرتفعة إلى جذب تدفقات استثمارية تتجاوز 50 مليار دولار، بينما تتحفظ غولدمان ساكس على الأرقام متوقعة بلوغ تلك الاستثمارات نحو 33.5 مليار دولار، قبل أن تتراجع إلى 12.9 مليار دولار العام المقبل.

يحجم المستثمرون عن شراء السندات، لانخفاض العائد والمدة الزمنية، التي تمكنهم من تحقيق معدلات أرباح عالية أسوة بما يجنونه من أذون الخزانة، بما دفع الحكومة إلى إعادة بحث نوع أدوات الدين المحلية المفضلة لدى المستثمرين، لتحديد أداة الدين التي ستعتمد عليها بشكل أكبر في الفترة المقبلة، والتي تسعى إلى إطالة أمد متوسط أجل الدين من 3 إلى ما بين 4- 5 أعوام.

تسعى الحكومة إلى استئناف المفاوضات مع شركة المقاصة الأوروبية "يوروكلير" التي توقفت نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لإتمام اتفاق يقضي بتسوية الديون المحلية في أوروبا، بما يسمح بوجود السندات المقومة بالجنيه في متناول المستثمرين الأجانب، ويسمح بتدفق المزيد من الأموال الساخنة.

ترفض "يوروكلير" تطبيق الحكومة قانونا يفرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية وعوائد المعاملات في سوق الأوراق المالية. 

مطالب برلمانية 

يطالب برلمانيون وخبراء الاقتصاد أن تفعل الحكومة قانون سبق أن أصدره البرلمان، يفرض ضريبة أرباح رأسمالية على معاملات سوق الأوراق المالية، مع تطبيق ضريبة الدخل على المستثمرين في الأموال الساخنة.

تظهر "فيتش" تشككا في وفاء الحكومة بالتزاماتها نحو تحقيق سعر صرف مرن مستدام، وهو الأمر الذي تكرر عقب تعويم الجنيه باتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي للمرة الأولى للتعويم عام 2016


يعتبر الصادي ضريبة الدخل على الأموال الساخنة أمرا غير كاف للحد من خطورتها، منوها إلى أن فرض ضريبة دخل تقدر بنحو 40%، وهي الحد الأقصى على "الملاهي الليلة"، لن يؤثر في إجمالي العوائد المتوقعة للمستثمرين بالأموال الساخنة.

تبرر الحكومة رغبتها في تشجيع الأموال الساخنة، للإسراع في تمويل العجز المتصاعد بين الصادرات والواردات، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

تدلي الحكومة والبنك المركزي بتصريحات متضاربة حول حجم الأموال التي وجهتها لصالح الموردين والمستثمرين، للإفراج عن البضائع المحتجزة بالموانئ. حدد وزير المالية المبلغ المدفوع بنحو 1.7 مليار دولار، بينما قال محافظ البنك المركزي حسن عبد الله إن المبالغ المنصرفة بلغت 3 مليارات دولار.

ويأتي لجوء الحكومة المصرية للأموال الساخنة رغم حصولها على تدفقات مالية ضخمة من مشروع "رأس الحكمة" بالإضافة إلى عقد اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض بـ8 مليارات دولار، وذلك بزيادة 5 مليارات عما كان يجري الحديث عنه في السابق وهو 3 مليارات دولار، وأخيرا وقع الاتحاد الأوروبي أول من أمس، مع مصر اتفاقيات تمويلية بقيمة 7.4 مليارات يورو.