تمر الاقتصاديات الكبرى والأسواق العالمية هذه الأيام بحالة توتر شديدة، وعصبية قوية لم تمر بها منذ سنوات، فقادة مجموعة السبع الصناعية الكبرى فشلوا في حسم العديد من القضايا العالقة التي تهدد الاقتصاد العالمي وتنذر بعودة الاضطرابات والركود للأسواق، والحرب التجارية تتصاعد بين الصين والولايات المتحدة خاصة عقب اعطاء دونالد ترامب تعليمات للشركات الأميركية بالانسحاب من الصين.
وإدارة البيت الأبيض مضطربة لعدم حسم معركة التجارة مع الصين لصالحها أو حتى انتزاع نصر ولو وهميا يقنع الناخب الأميركي بالتصويت لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويزيد توتر ترامب وإدارته عقب أي هزة تتعرض لها أسواق "وول ستريت" وتتراجع على أثرها المؤشرات الرئيسية ومنها مؤشر "داو جونز" الشهير.
في سوق الصرف مثلا نجد أنه لا توجد عملة مستقرة، فالدولار من التوقع أن يتراجع إذا ما استمر مجلس الاحتياط الفيدرالي في سياسة خفض سعر الفائدة.
والعملة الصينية اليوان تهتز اليوم لتهبط لأقل مستوى في 11 عاما وتسجل مستوى قياسيا متدنيا في الأسواق الخارجية بعد تصعيد ترامب الأخير في الحرب التجارية والذي هز ثقة المستثمرين والأسواق وأعطاها انطباعا بأنه لا حل في الأفق للأزمة، وأن المعركة الشرسة بين أكبر اقتصادين في العالم ستتواصل وتدفعهما سريعا نحو الدخول في دائرة الركود.
والليرة التركية تنخفض اليوم 1% وتتراجع إلى أكثر من 5.8 ليرات للدولار رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة ومنها تراجع معدل التضخم وزيادة إيرادات النقد الأجنبي، وارتفاع مؤشر ثقة الشركات العاملة بقطاع الصناعات التحويلية، كما تراجع سعر صرف الإسترليني والدولار الأسترالي واليورو والين الياباني وغيرها من العملات.
والمستثمرون الدوليون في حالة توتر شديدة دفعتهم إلى العودة إلى حيازة الأصول الاستثمارية الآمنة وشبه المضمونة كالذهب والمعادن.
ومع زيادة المخاطر الجيوسياسية والحرب التجارية ومخاطر الركود يخرج علينا أكبر بنك سويسري هو " يو بي أس" اليوم ليتوقع حدوث قفزة في أسعار الذهب لتصل الأوقية إلى 1600 دولار قبل نهاية العام الجاري 2019، وهي مستويات لم يصل لها السعر منذ شهر إبريل 2013، وهو نفس توقع بنك غولدن مان ساكس الاستثماري الأميركي.
وفي ألمانيا أظهرت بيانات منشورة اليوم أن ثقة الشركات تدهورت بشكل أكبر من المتوقع في شهر أغسطس/ آب الجاري، متراجعة لأدنى مستوياتها منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، في علامة جديدة على اتجاه أكبر اقتصاد في أوروبا نحو الركود.
وفي البورصات هوت الأسهم الأوروبية والأسيوية اليوم، وتتعرض الأسهم الخليجية وفي مقدمتها السعودية وأبوظبي ودبي منذ أيام لتراجع حاد تأثرا بزيادة مخاطر الاقتصاد العالمي واستعار الحرب التجارية وتصاعد المواجهة بين أميركا وإيران وحرب اليمن. وهبطت بورصة مصر رغم خفض سعر الفائدة بنسبة 1.5%. يوم الخميس الماضي.
اجتماع قادة مجموعة السبع كان الفرصة الأخيرة لوضع حد لمخاطر الاقتصاد العالمي وتأجيل دخوله مرحلة الركود والانكماش، لكن تصلب ترامب وتعنته تجاه الصين وقضايا خلافية أخرى حال دون تحقق هذا الهدف.
ترامب والاقتصاد الأميركي هو الخاسر الأكبر من التطورات الأخيرة، وأصبح احتمال حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة الآن هو أكبر مصدر قلق للأسواق، حسب مؤسسة ستاندرد تشارترد التي أكدت اليوم أن احتمال حدوث ركود أميركي في الأثني عشر شهرا المقبلة ارتفع من 25% إلى 40%.