تحت عنوان "أهلا بالمدارس" ينظم مجلس الوزراء معارض وأسواقاً شعبية لبيع الأدوات الكتابية والملابس والأحذية والمستلزمات الدراسية، بأسعار مخفضة، في وقت يعاني المصريون من غلاء فاحش، وندرة في توفير مستلزمات الإنتاج.
تبحث الحكومة عن وسيلة لكسب رضا المواطنين في أيام نحسات، تحاول طمأنتهم على توافر المنتجات، وسعيها إلى خفض مصروفات الأسر التي تئن من ارتفاع الأسعار، فأطلقت أخيراً، مشروعا لتنظيم 50 معرضا رئيسيا في المحافظات، يتولى توفير احتياجات 26.2 مليون تلميذ من الكراسات والحقائب والأقلام والملابس المدرسية، بتخفيضات تتراوح ما بين 10% إلى 50% من قيمتها بالأسواق.
بالغ وزير التموين المصري، علي مصيلحي، في عرض التخفيضات، الذي أكد أنها تصل إلى 70% من قيمة المعروضات. وسط الاحتفاء الرسمي والترويج الإعلامي الموسع لأسواق "أهلا بالمدارس"، لا تتناسب في أحجامها وقدراتها، مع احتياجات ملايين الأسر الباحثة عن فرصة شراء رخيصة.
قامت "العربي الجديد" بجولة بالمعرض وعدد من الأسواق التي حددتها وزارات التجارة والتموين والداخلية والتنمية المحلية، فرصدت إقبالا ملحوظا من أسر تضع نفقات التعليم على رأس أولوياتها، وتخطط بأساليب معقدة، لتوفير التكاليف السنوية لموسم عودة المدارس، فتهدّئ مخاوفها من آثار التضخم المتزايد شهريا.
شملت المعروضات كثيراً من السلع والأدوات المدرسية، بداية من الجوارب، والملابس الداخلية، ومرورا بأجهزة الكمبيوتر، والطابعات، مع ذلك ظلت طاقاتها محدودة العدد، بقاعة تتسع بالكاد لنحو مائتي عارض، أتيحت لكل منهم مساحات تتراوح بين أربعة وعشرة أمتار مربعة.
حشدت الحكومة طاقات مؤسسات رسمية، ومارست ضغوطا على الغرف التجارية، لتظهر المعارض في أبهى صورة، مع ذلك، عكست المعروضات الأمراض التي أصابت الأسواق، مع استمرار منع البنك المركزي ووزارة التجارة الواردات الأجنبية، التي تشمل مستلزمات الإنتاج.
يشم المار بطرقات المعرض، في الملابس المخفضة رائحة القماش القديم، فيعلم بسهولة، أن البضائع من رواكد الأعوام الماضية، رغم ذلك ارتفعت الأسعار بنسب تزيد عن 40% في المنتج تام الصنع محليا، و100% في السلع التي تعتمد على بعض المكونات الأجنبية.
يفسر التجار الأمر بأنهم لم يتمكنوا من استيراد مستلزمات الإنتاج، ويوظفون ما لديهم من أقمشة مخزنة، في إنتاج الزي المدرسي "اليونيفورم" المطلوب بالمدارس الخاصة والعامة. تباع 3 قطع للزي، تشمل القميص والبنطلون والجاكت، ما بين 150 إلى 300 جنيه (الدولار = نحو 19.35 جنيهاً).
تقول المواطنة فريدة محمود لـ"العربي الجديد"، إن أسعار المنتجات المحلية معقولة، لأن الحكومة ألزمت العارضين بقائمة أسعار مخفضة للغاية، وتستدرك قولها، بأن كل المعروضات المستوردة، وخاصة الأدوات المكتبية مرتفعة السعر، بينما المنتجات المحلية، تعيبها قلة الجودة.
علقت إدارة المعرض قائمة الأسعار على المداخل، لتكون مرجعا للمشترين. تبين القائمة الصنف وسعر المنتج، قبل الخصم وبعده، ليطلع الناس على ما سيوفرونه، خلال جولة الشراء. حسب القائمة يبلغ سعر علبة القلم الجاف 12 قلما، قبل التخفيض 30 جنيها، وبعده 20 جنيها، و12 قلم رصاص من 15 إلى 9 جنيهات كما شملت تخفيضات في باقي المستلزمات.
يرجع الاختلاف في السعر إلى مستوى الجودة، ونوعية القماش المستخدم، وبالنظر إلى المنتجات جميعها والقائمة المعلنة رسميا لا تصل قيمة التخفيضات إلى ما ذكره وزير التموين بأنه يصل إلى 70%.
يؤكد ممثل عضو الغرفة التجارية بالقاهرة، ومسؤول شعبة الأدوات المكتبية، أحمد أبو جبل، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة لم تسمح بإدخال أية منتجات جديدة من الخارج منذ شهر مارس/ آذار الماضي. ويرجع عضو الغرفة التجارية، عمر السمدوني، ندرة السلع بالسوق المحلي، إلى أن المستوردين ما زالوا يقفون في طوابير أمام البنوك بانتظار دورهم في فتح الاعتمادات المستندية، مؤكدا أن تعنت البنوك في فتح الاعتمادات، يحول دون دخول بضائع جديدة للأسواق.
كشفت أزمة المستثمرين مع الحكومة والبنوك عن أسباب الارتفاع الكبير في أسعار مستلزمات المدارس، خاصة في المراكز التجارية الكبرى، التي كانت تجذب عادة الطبقة المتوسطة، لشراء مستلزمات المدارس لتلاميذ المدارس التجريبية واللغات والأجنبية.
رصدت "العربي الجديد" سلعة واحدة منها حافظة أقلام، تباع في المعرض الشعبي بنحو 75 جنيها، بينما في مركز تجاري كبير بـ 150 جنيها، وتزيد تلك النسبة في الحقائب، والألوان والأقلام والكراسات المستوردة.
يؤكد ممثل عضو الغرفة التجارية بالقاهرة، ومسؤول شعبة الأدوات المكتبية، أحمد أبو جبل، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة لم تسمح بإدخال أية منتجات جديدة من الخارج منذ شهر مارس/ آذار الماضي.
يشير أحد تجار التجزئة إلى حالة ارتباك الأسواق، بسبب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الذي يبلغ حاليا 25 جنيها في السوق السوداء، وهي القيمة التي يحدد التجار على أساسها سعر بيع وشراء بضائعهم حاليا، ولو كانت مخزنة، من العام الماضي. ويذكر تاجر التجزئة أن الحكومة ترفع شعار "لا استيراد لسلع لها بديل محلي" ولكن في ظل عدم وجود صناعة محلية إلا لنسبة غالبة للورق وقلم الرصاص فقط، فإن جميع المستلزمات المدرسية تحتاج إلى مكونات تصنيع من الخارج، هي التي تدفع السوق إلى مزيد من الارتباك، بينما يخضع الجمهور لحالة العرض القليل والطلب الكبير.
في جولة بأسواق الموسكي والفجالة وسط العاصمة (القاهرة)، حيث المراكز التقليدية لتجارة الكتب والأدوات المدرسية، بدا واضحا إقبال أغلبية الناس على الشراء من الأسواق الشعبية، التي أصبحت جاذبة ما يمثل شعبا، يعيش ثلثاه تحت خط الفقر أو يحصل بالكاد على الحد الأدنى للدخل، وفقا لمعدلات الدخل اليومي المحددة من قبل البنك الدولي والأمم المتحدة.
تحولت المراكز التجارية، من تقديم تسهيلات في الأسعار ونوعية جيدة ومتنوعة للسلع، إلى مصدر لمتطلبات تلاميذ الطبقة العليا. يقول التاجر أحمد عبد الحافظ إن المنتجات الشعبية أصبحت الأكثر مبيعا، لأن الناس لا تستطيع شراء المستورد إن وجد، لتضاعف سعره مرات. اتضحت الصورة في أسواق "أهلا بالمدارس" وما يشابهها في العاصمة والمحافظات، بأن موسم دخول المدارس أصبح يعبر عن ضعف الطلب على منتجات الشركات وفقا لمؤشر مديري الشركات، منذ مارس/ آذار الماضي، ويعكس حال المصريين، الذين أصبحوا يحيون بين طبقة شعبية واسعة ينهشها الغلاء، وأخرى أقلية قادرة على الشراء من المراكز التجارية ولو بأغلى الأسعار.