عام الأثرياء والأقوياء ... الأسهم الأميركية كسبت 13.1 تريليون دولار في 2020

14 يناير 2021
بناية بورصة نيويورك في حي مانهاتن (Getty)
+ الخط -

افتتحت أسواق المال العالمية السنة الجديدة بتفاؤل كبير، إذ إن ولاية الرئيس دونالد ترامب قد انتهت دون عرقلة كبيرة للانتقال السلس للسلطة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن بعد فوضى اقتحام الكونغرس. وحتى الآن تمكن الحزب الديمقراطي من توظيف جائحة اجتياح الكونغرس لصالحه ضد الحزب الجمهوري وضرب مستقبل تشكيله معارضة تذكر للإدارة الأميركية الجديدة. كما أن اللقاحات المضادة لجائحة كورونا بدأ توزيعها في أميركا وأوروبا، وهنالك تفاؤل بين العديد من صناديق الاستثمار في نجاح اللقاحات وأن يعود النمو للاقتصادات العالمية الكبرى في النصف الثاني من العام الجاري. 

ورغم المجهول الذي يظلل المشهد الاستثماري العالمي، ولكن المؤكد حتى الآن بالنسبة للعديد من مدراء صناديق الاستثمار أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من جائحة كورونا، خاصة في أوروبا وأميركا، وأن النمو الاقتصادي العالمي يعتمد على جرعات التحفيز المالي التي تضخها الحكومات في الاقتصاد وعلى السياسات النقدية الميسرة التي تنفذها البنوك المركزية الكبرى. وبالتالي يرى خبراء أن المناخ الاستثماري يصب في مصلحة الأقوياء خلال العام الجاري، إذ إن الأثرياء سيزدادون ثراءً بسبب مواصلة الحكومات والبنوك المركزية إنقاذ الاقتصادات الكبرى بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه المواطن والديون السيادية المتصاعدة في الاقتصادات الرأسمالية الكبرى.

كما أن هنالك مخاوف من ارتفاع التضخم وتراجع القيم الحقيقية للأصول المستثمرة. ويلاحظ أن عدم الثقة في هذه الأصول والنقود كـ"خزين للقيمة" كان وراء الارتفاع الجنوني في سعر العملات الرقمية التي تقودها بيتكوين، إذ تجاوز سعر بيتكوين 40 ألف دولار خلال الأسبوع الجاري قبل أن يتراجع. في هذا الشأن، يرى مدير الاستثمار بصندوق "رثبون" الأميركي أن هذا العام هو عام الأقوياء والأثرياء، بينما يقول مدير الاستثمار بصندوق "شرودر" البريطاني، ريتشارد سينيت، أن سياسات الدعم المالي والنقدي ستعيد الاقتصادات للنمو في النصف الثاني من العام، ولكنه يعتقد أن اقتصاديات آسيا ستستفيد أكثر من الاقتصادات الأوروبية والأميركية.
على صعيد السوق الأميركي، الذي يعد الأكبر من حيث القيمة السوقية للأسهم المتداولة، مقارنة بالبورصات العالمية، فقد كان العام 2020 عام أرباح قياسية. ارتفعت القيمة السوقية للأسهم المتداولة في بورصة نيويورك إلى نحو 50.8 ترليون دولار، كما بلغ حجم سوق السندات الأميركية نحو 45 ترليون دولار. وحسب بيانات شركة سيبلس الأميركية المتخصصة في أبحاث البورصات والأسهم العالمية، ارتفعت القيمة السوقية للأسهم المسجلة في بورصة نيوريورك للأوراق المالية بين بداية يناير/ كانون الثاني وحتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي خلال العام 2020، بنحو 13.1 ترليون دولار، من 37.689 ترليون دولار إلى 50.8 ترليون دولار. ارتفاع جنوني بلغت نسبته 34.82%، وهو الأعلى في تاريخ البورصة الأميركية. وعادة ما يقود سوق "وول ستريت" حركة الاستثمار وتوجهاتها في أسواق المال العالمية. ولكن هذا الارتفاع الذي تواصل حتى الأيام الأولى من العام الجديد، ربما يتوقف لبرهة خلال العام الجاري.

في هذا الشأن، يرى كبير اقتصاديي مصرف "غولدمان ساكس" جون هاتزيوس، في تعليقات لقناة "سي أن بي سي" الأميركية، أن ارتفاع الأسهم الأميركية سيستمر خلال الأشهر المقبلة بسبب مراجعة المستثمرين لحجم العوائد المتوقع تحصيلها من بعض القطاعات، وتقييم أفضل لسياسة الرئيس بايدن وتداعياتها على السوق. ولكن رغم ذلك يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" ارتفاع مؤشر سوق "وول ستريت" الرئيسي "أس آند بي 500" في نهاية العام الجاري إلى 4300 نقطة من مستوياته الحالية، أي بنسبة 17%. ولكن هنالك بعض القطاعات ربما تستفيد أكثر خلال العام الجاري، وعلى رأسها قطاعات البنوك وشركات الأدوية، وذلك مقابل عمليات تصحيح متوقعة في قطاع التقنية. 
ويرى محللون أن أسهم المصارف الأميركية ستسعيد الجاذبية التي فقدتها في العام 2020. وكانت أسهم المصارف الأميركية قد عانت خلال العام الماضي من ارتفاع المخصصات لتغطية الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها بسبب الإفلاسات العديدة التي ضربت قطاعات السفر والترفيه والفنادق والنفط الصخري. ولكن، حسب بيانات "فاينانشال تايمز"، منذ الإعلان عن نجاح اختبارات لقاح فايزر وبيونتيك، تحرك مؤشر قطاع المصارف الأميركية وكسبت أسهمها في المتوسط ارتفاعاً بلغ 25%. كما ارتفعت أسهمها بنسبة 7.0% في يوم واحد، هو يوم الأربعاء الماضي، وذلك بعدما ظهرت نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا التي منحت الحزب الديمقراطي أغلبية في الكونغرس الأميركي.

وهو ما يعني للقطاع المصرفي الأميركي أن بايدن سيتمكن من إجازة حزمة إنقاذ ضخمة للاقتصاد الأميركي دون معارضة، وسيدعم ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد والأسر التي كانت من بين مصادر الخطر على ربحية القطاع المصرفي من حيث ارتفاع معدل التخلف عن دفع القروض السكنية، كما سيشجع الشركات على التوظيف.

ويقدر أن يضخ الرئيس جو بايدن نحو 4 ترليونات دولار جديدة في الاقتصاد خلال شهر فبراير/ شباط المقبل. 
وتستفيد المصارف الأميركية في العام الجديد كذلك من الفائدة الصفرية على الدولار والسيولة الضخمة المتراكمة لديها والتي تقدرها مؤسسة ائتمان الودائع الأميركية بنحو 3.7 ترليونات دولار. وبالتالي فهي في وضع مريح من حيث السيولة ومن حيث القدرة على تحقيق هامش أرباح كبير من الإقراض، بسبب الفارق بين كلفة التمويل شبه المجانية التي تحصل عليها من بنك الاحتياط الفيدرالي والفائدة التي ستفرضها على المقترضين.

أما العامل الثاني الذي سيدعم أسهم المصارف الأميركية، فهو الدعم الحكومي الكبير الذي ستقدمه الإدارة الأميركية الجديدة للشركات والأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، وهو ما سيعني أن مخاطر الديون المشكوك في تحصيلها ستتراجع عن مستوياتها التي فاقت 100 مليار دولار في العام الماضي. 

ولكن على الجانب السلبي، فإن ربحية المصارف الأميركية في قطاع الخدمات المالية في آسيا والمصاريف التي تحصل عليها من إدارة الاكتتبات ستتراجع خلال العام الجديد، بسبب الحظر على شركات الاتصالات الصينية وفروعها، الذي مرره الرئيس دونالد ترامب وأصبح سارياً منذ يوم الاثنين الماضي.

ويلاحظ أن الصناديق الاستثمارية تمكنت خلال العام الماضي من الانتعاش مستفيدة من الارتفاع الجنوني في أسواق المال الأميركية، إذ ارتفعت أصول صندوق "فانغارد" إلى أكثر من 7 ترليونات دولار للمرة الأولى على الإطلاق، بعدما جذب صافي تدفقات نقدية داخلة بقيمة 186 مليار دولار خلال 2020. وبسبب ضيق القنوات الاستثمارية أصبحت أسواق الأسهم المدعومة من قبل البنوك المركزية، هي الملاذ الوحيد أمام كبار المستثمرين، وبالتالي ضخ المستثمرون أكثر من 200 مليار دولار في ذراع صندوق المؤشرات المتداولة "فانغارد".

وقال المدير التنفيذي تيم بوكلي، في حديث لصحيفة "فاينانشال تايمز"، أمس الأربعاء: "ظل المستثمرون يمنحوننا ثقتهم خلال ظروف السوق الصعبة للغاية خلال العام الماضي"، وبالتالي زادت ثروة عملاء "فانغارد" بمقدار 930 مليار دولار خلال عام 2020. بينما جذبت مجموعة "بلاك روك"، التي تدير أصولاً بقيمة 7.8 تريليونات دولار، صافي تدفقات نقدية بلغت 264 مليار دولا في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي. كما تصاعدت أرباح صناديق التحوط العالمية التي حققت أرباحاً ضخمة جنتها من المضاربة وعدم اليقين خلال الأشهر الأخيرة من العام 2020.

المساهمون