كشف تقرير رسمي حصلت عليه "العربي الجديد " عن مخاوف الأردن من تفاقم مشكلة نقص المياه، خاصة مع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب لأغراض التنمية الاقتصادية، بينما يقف الاحتلال الإسرائيلي وراء الأزمة لسيطرته على مجاري مياه نهري الأردن واليرموك والتحكم بهما، فيما يحصل الجانب الأردني على كميات محدودة، بينما يدفع ثمن الاحتياجات الإضافية إذا وافق الاحتلال على صرفها.
وذكر التقرير الذي أعدته وزارة المياه الأردنية، أن مسألة ازدياد عدد السكان بشكل طبيعي أو غير طبيعي بسبب الهجرات وما يصاحب ذلك من زيادة في الطلب على المياه لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية، في ظل محدودية المصادر المائية يفاقم من مشكلة التزويد المائي لجميع الأغراض، ويقلل من حصة الفرد ما لم يعالج الأمر من خلال تطوير مصادر مائية غير تقليدية ورفع كفاءة استخدام المياه.
وبحسب وزارة المياه، يُعتبَر الأردن أفقر دول العالم مائياً، نظراً لموقعه الجغرافي ضمن المناطق الجافة، خاصة أن معظم مساحة البلاد مناطق صحراوية أو هامشية قليلة الأمطار.
وتشكل حصة الفرد من المياه أقل من 0.8% من الحصة العالمية، إذ لا يحصل الفرد على أكثر من 100 متر مكعب سنوياً من المياه، بينما حصص الفرد في الدول المجاورة للأردن تزيد على نحو 1300 متر مكعب سنوياً.
97 % من نهر الأردن يقع في الأردن وسورية ولبنان والأراضي المحتلة عام 1967، بينما 3% فقط من حوضه في الأراضي التي تحتلها إسرائيل عام 1948.
وفيما ترجع الحكومة أسباب شح المياه إلى الاعتماد كثيراً على المياه الجوفية وتراجع تساقط الأمطار وتدني كمية المياه السطحية، يقول الخبير العالمي في قطاع المياه، سفيان التل، لـ"العربي الجديد" إن إسرائيل هي السبب الرئيسي وراء مشكلة شح المياه في الأردن، لسيطرتها على مجاري مياه نهري الأردن واليرموك والتحكم بهما، فيما يحصل الجانب الأردني على كميات محدودة من مياه نهر الأردن.
وأكد التل أن الخطير في اتفاقية السلام أيضاً، أنها منحت الاحتلال الإسرائيلي حق استخدام الآبار التي حفرتها في وادي عربة خلال احتلاله عام 1967 مع إلزام الأردن بعدم اتخاذ أو السماح بأي إجراء من شأنه تقليل إنتاج الآبار ويؤثر بنوعية المياه فيها، وهذا ما يفسر عدم موافقة الحكومة الأردنية لمواطنيها على حفر آبار للمياه في تلك المنطقة.
و قال المتحدث الرسمي باسم وزارة المياه، عمر سلامة، إن حصة الأردن من مياه نهري الأردن واليرموك تبلغ حوالى 55 مليون متر مكعب سنوياً، وللأردن الحق في طلب شراء كميات إضافية من إسرائيل، وفقاً لمعاهدة السلام الموقعة بين الجانبين.
وأضاف سلامة لـ"العربي الجديد" أن الأردن طلب أخيراً الحصول على كميات إضافية فوق هذه الحصة، وتلقى خطاباً رسمياً من سلطات الاحتلال الإسرائيلي يتضمن موافقتها على بيع كميات تبلغ 8 ملايين متر مكعب.
وتعد المياه الجوفية المصدر الرئيسي لمياه الشرب والاستعمالات الأخرى في الأردن، بنسبة تصل إلى 56% من جميع الاستخدامات، فيما تُعَدّ المياه السطحية المصدر الرئيسي للري في منقطة وادي الأردن، وهي تُستعمَل للأغراض البديلة بنسبة 31%، والنسبة الباقية تُغطى من خلال مصادر المياه غير التقليدية، مثل مياه الصرف الصحي المعالجة، والتحلية، بينما تعاني مصادر المياه الجوفية من الاستنزاف المستمر.
وأعرب الخبير المائي التل، عن استغرابه منح الاحتلال الإسرائيلي حقوقاً مائية في أنهار عربية لا تحاذي حدود الأراضي المحتلة عام 1948 إلا بنسب ضئيلة.
وقال إن نهر الأردن البالغ طوله قرابة 360 كيلومتراً يقع 97% منه في الأردن وسورية ولبنان والأراضي المحتلة عام 1967، ويقع 3% فقط من حوضه في الأراضي التي تحتلها إسرائيل عام 1948.
وبحسب الدراسات، فإن 75% من التغذية المائية للنهر تأتي من الأردن وسورية ولبنان، فيما يأتي الباقي من الأراضي المحتلة. كذلك إن حوض نهر اليرموك يقع بالكامل في سورية والأردن بنسبة 80% للأولى، و20% للثانية، وبالتالي لا يصح منح إسرائيل حصصاً مائية في نهر اليرموك الذي لا يقع أي جزء منه داخل الأراضي المحتلة عام 48.
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن الأردن يواجه اليوم معضلة كبيرة لتأمين المياه للمواطنين وللاستخدامات كافة، وخاصة الاقتصادية والزراعية، في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب محلياً بسبب الزيادة الاستثنائية في عدد السكان التي تعود للهجرات من البلدان المجاورة، وفي المقابل تراجعت كميات المياه الجوفية والأمطار.
وأضاف عايش لـ"العربي الجديد" أن المشاريع الاستراتيجية التي يمكن أن تشكل حلاً لجزء كبير من المشكلة لا تزال متعثرة، وخاصة مشروع ناقل البحرين الذي يقوم على ربط البحر الأحمر بالبحر الميت وتحلية المياه لمصلحة الأردن لتغطية النقص الحاصل في مناطقه الشمالية.
وأشار إلى أن إسرائيل تقف وراء تعثر هذا المشروع الاستراتيجي لدخولها طرفاً فيه، وقد تستخدمه كأداة ضغط على الأردن لتحقيق مكاسب سياسية.
وأكد أهمية الاستعجال في تنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه الذي يُعَدّ بديلاً، وقالت الحكومة إنه مشروع أردني بالكامل، ولاعلاقة لأي طرف آخر به، ويهدف إلى تحلية مياه البحر الأحمر في مدينة العقبة جنوباً بطاقة تصل إلى 500 مليون متر مكعب ونقلها بواسطة خط ناقل وطني جديد للمياه بطاقة 350 مليون متر مكعب خلال المرحلتين الأولى والثانية لتزويد جميع مناطق الأردن ومحافظاته بمياه الشرب بالشراكة مع القطاع الخاص، بكلفة مقدرة بحوالى ملياري دولار.
وقال رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، عدنان الخدام، لـ"العربي الجديد" إن نقص المياه من أهم المشكلات التي تواجه المزارعين، وخاصة مع تراجع تساقط الأمطار في السنوات الأخيرة، فيما تنتج معظم المحاصيل الزراعية في منطقة وادي الأردن، وتحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
وأضاف الخدام أن بعض المزارعين صرفوا النظر عن الزراعة بسبب نقص المياه وعدم السماح لهم بحفر الآبار الجوفية لتوفير احتياجات مزارعهم.
وفي ظل تحديات نقص المياه والمخاوف من تقلص المساحات المزروعة، يواجه الأردن خطر انحسار الأمن الغذائي، ما يزيد من الضغوط التي يواجهها البلد منذ سنوات.