ألقت الحرب الإجرامية الإسرائيلية على قطاع غزة بظلالها على أداء الموازنة العامة للأردن للعام المقبل 2024 وتوجيهها بالشكل الذي يمكن الاقتصاد المحلي من مواجهة آثار وتبعات الحرب وزيادة الإنفاق العسكري ومخصصات شبكة الأمان الاجتماعي في إطار مساعي تخفيف حدة الظروف الراهنة على الأوضاع المعيشية للمواطنين إضافة إلى ارتفاع التضخم.
وأقرت الحكومة الأردنية، الأسبوع الماضي، أكبر موازنة في تاريخ البلاد بحجم بلغ لأول مرة 12.37 مليار دينار (17.5 مليار دولار)، وضمن مؤشرات متفائلة من جهة ارتفاع الإيرادات المحلية لمستويات غير مسبوقة، وقدرة الاقتصاد على استيعاب تبعات الحرب على غزة وارتفاع الأسعار عالميا وصولا إلى تخفيض العجز المالي والمديونية العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تعكس الموازنة ارتفاع واضحا في حجم الإنفاق العسكري وذلك استجابة لمتطلبات المرحلة وتعزيزا لقدرات الجهاز الأمني والعسكري، حسب تصريحات حكومية.
ويرى مراقبون أن موازنة الأردن للعام المقبل وإن كانت تعبر عن تفاؤل الحكومة بتحقيق معدلات نمو متواضعة قياسا إلى حجم الصعوبات التي لا تزال ماثلة، إلا أن تطورات الأوضاع في المنطقة لا تبدو محفزة لبناء توقعات إيجابية في ضوء تداعياتها السلبية على قطاعات أساسية تشكل الدعامة الأساسية للاقتصاد الأردني، بخاصة السياحة وقطاعات العقار والتجارة والاستثمار.
وحسب مراقبين، فإن التهديدات التي تحيط بالأردن تشكل عوامل ضاغطة على اقتصاده من ناحية الحاجة لزيادة النفقات الدفاعية وتعزيز الأمن الداخلي والتصدي لأي محاولات تستهدف تهجير فلسطينيي الضفة الغربية في سياق سيناريوهات لم تعد مستبعدة في ضوء سياسات حكومة الاحتلال المتطرفة ومساعيها لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
وزير المالية الأردني محمد العسعس، أكد أن إحدى الفرضيات الأساسية التي تمت مراعاتها عند إعداد مشروع موازنة الدولة للعام المقبل 2024، ظروف المنطقة والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكذلك العمل على تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية لحماية الشرائح الفقيرة من أي تداعيات قد تحدث.
وقال العسعس إن الفرضيات التي بنيت عليها الموازنة أخذت بعين الاعتبار تباطؤ النمو العالمي بسبب الجهود العالمية المبذولة لخفض التضخم واستمرار الوضع الإقليمي على ما هو عليه، وسيتم التعامل مع التطورات التصاعدية على المشهد الحالي إقليميا وانعكاساتها المالية وفقًا لمعطياتها.
وأضاف أن الحكومة قامت برصد المخصصات المالية لدعم القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية لتمكينها من أداء واجباتها المناطة بها بكفاءة واقتدار.
كما تم رصد المخصصات المالية اللازمة في مشروع قانون الموازنة لدعم السلع الغذائية الاستراتيجية ودعم أسطوانة الغاز إضافة إلى زيادة مخصصات المعونة الوطنية لتمكينها من استيعاب عدد أكبر من الأسر المستحقة للدعم.
كما تضمن مشروع القانون رصد مخصصات أكبر لخدمة الدين العام الذي ارتفعت خدمته بسبب ارتفاع الفائدة عالميا وفقا لسياسة كبح التضخم الذي ينتهجه الفيدرالي الأميركي.
وقال الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تبدو متفائلة للأداء الاقتصادي في العام المقبل وذلك من خلال ارتفاع حجم الإنفاق العام بشقية الجاري والرأسمالي والزيادة المتوقعة في حجم الإيرادات المحلية اعتمادا على العوائد الضريبية والحد من التهرب الضريبي، وفي الوقت ذاته التأكيد على عدم زيادة الضرائب.
وأضاف أنه يجب أن تكون الموازنة العامة المقبلة متحفظة إزاء الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة واحتمال توسعها بدخول أطراف إقليمية وما سينجم عنها من تداعيات على الاقتصاد الأردني، ولا سيما تباطؤ الاستثمارات وتراجع الحركة السياحية وربما توقفها تبعا للتطورات.
كما أن الحكومة، بحسب مرجي، مطالبة بحماية الشرائح الفقيرة والقطاعات الاقتصادية المتضررة من الحرب لتمكينها من تجاوز الظروف الراهنة، ومن ذلك العمل على توفير السيولة المحلية بأسعار فائدة منخفضة.
وقال إن الإنفاق العسكري ربما تحتاج الحكومة لرفعه بنسبة أكبر لمواجهة أي تطورات وتعزيز الأمن.
وارتفعت النفقات الرأسمالية بحسب بيانات الموازنة بنحو 11.8% عن مستواها في عام 2023 لتصل إلى نحو 1.729 مليار دينار، وهو الأعلى تاريخيا، حيث شكلت مخصصات مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة تحديث القطاع العام ما نسبته 20.2% من هذه النفقات.
وشكلت مشاريع الجهاز العسكري وجهار الأمن والسلامة 16.9% ومشاريع تنمية وتطوير البلديات ومشاريع اللامركزية 18%، فيما شكلت مخصصات باقي المشاريع نحو 45% من إجمالي النفقات الرأسمالية.
وزير المالية قال إن هذه الموازنة هي الرابعة للحكومة التي لا تشمل رفعا للضرائب أو الرسوم على التوالي وبأعلى إنفاق رأسمالي في تاريخ البلاد، وتم رفع مخصصات الحماية الاجتماعية، وأن مشروع الموازنة لعام 2024 يستهدف تعزيز تقدم سير العمل في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.
كما أكد على الاستمرار الحكومة بمبدأ تعزيز الاعتماد على الذات في تغطية النفقات الجارية من الإيرادات المحلية لتصل إلى 90%.