اقتصادات آسيا الخاسر الأكبر من خفض "أوبك+" الإنتاج

11 ابريل 2023
معظم الاقتصادات الآسيوية مستوردة للنفط (فرانس برس)
+ الخط -

توقعت بنوك استثمار ومحللون في قطاع الطاقة أن تكون اقتصادات آسيا المتقدمة وكذلك الناشئة، التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط، الخاسر الأكبر من خفض الإنتاج المفاجئ من قبل تحالف "أوبك+"، الأسبوع الماضي، حيث سيبدأ مستوردو الخام في الشعور بالألم مع وصول سعر البرميل إلى 100 دولار خلال الفترة المقبلة، فيما سيبقى التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا مرتفعاً بعناد ويزيد من تعقيد سياسات أسعار الفائدة للبنوك المركزية، التي كانت الأسواق تأمل في نهاية دورة ارتفاعها قريباً.

وواصلت أسعار النفط ارتفاعها في التعاملات الآسيوية، أمس الاثنين، بعدما سجلت ارتفاعا لافتاً، الأسبوع الماضي، على خلفية قرار "أوبك+" خفض الإنتاج بنحو 1.66 مليون برميل يومياً، اعتبارً من مايو/ أيار المقبل حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول، ليتخطى خام برنت 85.2 دولارا للبرميل ويزيد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي عن 80.8 دولارا للبرميل.

وارتفع الخامان القياسيان بالأساس، الأسبوع الماضي، للأسبوع الثالث على التوالي، ليعودا إلى مستويات لم تشهدها السوق منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وصعد الخام بنسبة 26% عن أدنى مستوى بلغه خلال جلسة التداول في منتصف مارس/ آذار الماضي، عندما فجرت الأزمة المصرفية موجة هروب من الأصول الخطرة وأثارت تكهنات بانخفاض أسعار النفط.

لكن الخفض المفاجئ للإنتاج من قبل تحالف "أوبك+"، الأسبوع الماضي، والذي يضاف إلى خفض سابق بنحو مليوني برميل سار منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دفع بنوك استثمار عالمية إلى توقع ارتفاع الأسعار إلى مستويات بين 90 و100 دولار للبرميل خلال الأشهر المقبلة، بينما كانت قبل قرار "أوبك+" بأيام ترى أن الأسعار ستنخفض على خلفية تداعيات أزمة انهيار بعض البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا الشهر الماضي.

ووفق تحليل لموقع "أويل برايس" الأميركي المتخصص في الطاقة، ستشهد الولايات المتحدة ارتفاعاً في أسعار البنزين، لكنها لن تكون الخاسر الأكبر من خفض "أوبك+" الإنتاج، على الرغم من الضغوط التي ستتعرض لها إدارة الرئيس جو بايدن، التي أمضت ما يقرب من عام في محاولة إقناع الأميركيين بأنها ستعمل على خفض الأسعار في محطات الوقود، بعدما وصل سعر الخام إلى مستوى قياسي في أوائل يونيو/ حزيران الماضي عند 100 دولار للبرميل في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط 2022.

في الأثناء، قال باتريك دي هان، رئيس تحليل البترول في تطبيق GasBuddy الموفر للوقود، إن متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة بلغ 3.54 دولارات للغالون، هذا الأسبوع، وهو أعلى مستوى منذ عيد الشكر (إجازة رسمية ليوم واحد في الخميس الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام في الولايات المتحدة).

وأضاف دي هان أنه من المرجح أن تستمر الزيادات خلال الأسبوعين المقبلين مع احتمال حدوث ارتفاع إلى حوالي 3.65 دولارات لغالون البنزين. ودفع ارتفاع الأسعار أندرو جروس، المتحدث باسم جمعية السيارات الأميركية، إلى التحذير من تبعات ارتفاع أسعار الوقود على الأعباء التي يتحملها السائقون قائلا إن "كلفة النفط تمثل أكثر من 50% مما يتحمله السائقون من أعباء، لذلك قد لا يحصلون على استراحة في أي وقت قريب".

وكان المؤشر العام لأسعار المستهلكين (التضخم) قد تباطئ في الأشهر الماضية بالتزامن مع انخفاض أسعار الطاقة ليستقر عند 6% على أساس سنوي في فبراير/ شباط الماضي، بينما كان قد سجل أعلى مستوى في أربعة عقود عند 9.1% خلال يونيو/ حزيران 2022. لكن قد يرتفع التضخم مرة أخرى بعد إعلان "أوبك+" خفض الإنتاج، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.

ويرى محللون أن إدارة بايدن قد تستمر في نهج السحب من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط، حيث تمتلك الولايات المتحدة حالياً نحو 371 مليون برميل، وفقاً لبيانات وزارة الطاقة، وهي تمثل نصف طاقة احتياطي البترول الاستراتيجي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى السحب التاريخي لـ180 مليون برميل في العام الماضي لترويض أسعار البنزين المرتفعة.

وفي مقابل محاولة الولايات المتحدة امتصاص صدمة ارتفاع الأسعار، سيكون الخاسر الأكبر من خفض "أوبك+" للإنتاج هو اقتصادات آسيا المتقدمة التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط، وكذلك الأسواق الناشئة في جنوب وجنوب شرق آسيا، والتي تعاني أيضا من ضعف مالي بجانب دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا.

وعلى رأس هذه الاقتصادات اليابان وكوريا الجنوبية، والأسواق الناشئة مثل الهند وباكستان في جنوب آسيا، وكذلك الأرجنتين وتركيا وجنوب أفريقيا، وفقاً لبافل مولتشانوف، العضو المنتدب لبنك الاستثمار الأميركي ريموند جيمس.

وقال مولتشانوف لشبكة "سي إن بي سي" إن تخفيضات "أوبك +" وما قد يتبعها من ارتفاع لأسعار الخام يحمل أعباء لكل اقتصاد مستورد للنفط، مضيفا: "ليست الولايات المتحدة هي التي ستشعر بأكبر قدر من الألم مع وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل، بل ستكون البلدان التي ليس لديها موارد بترولية محلية، مثل اليابان والهند وألمانيا وفرنسا". ويقول محللون إن البلدان المستوردة ذات العملات الضعيفة والمالية الهشة ستشعر بآلام أشد بسبب تسعير النفط بالدولار.

وذكر ألبرت بارك، كبير الاقتصاديين لدى بنك التنمية الآسيوي، أن ارتفاع أسعار النفط سيدفع الحكومات لاتخاذ قرارات صعبة بشأن التضخم، موضحا في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" أن معظم الاقتصادات الآسيوية مستوردة للنفط ونتيجة للخفض الأخير المفاجئ في إنتاج النفط من قبل "أوبك+" فقد ترتفع الأسعار.

وأضاف بارك أن ارتفاع أسعار النفط يزيد من تكاليف الإنتاج، ما يزيد بالطبع الضغوط التضخمية، وهو ما يضع الكثير من الضغط على الحكومات لاتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن محاولة السيطرة على التضخم ودعم الانتعاش الاقتصادي.

المساهمون