اسلمي يا قدس

16 فبراير 2023
المقدسات الإسلامية تتعرض لانتهاكات متكررة من الاحتلال الإسرائيلي (Getty)
+ الخط -

دُعيتُ إلى القاهرة لكي أشارك بصفتي الشخصية في مداولات الجامعة العربية حول إمكانيات مساعدة القدس وأهلها لكي يتعزز صمودهم وثباتهم على أرضها، ويتمكنوا من صد المحاولات الإسرائيلية لزعزعة وجودهم فيها ديمغرافياً وحضارياً وثقافياً واقتصادياً وسكناً. وقد وُضِع جدول أعمال اللقاء ليغطي ثلاثة محاور رئيسية، وهي المحور السياسي والمحور القانوني والمحور الاقتصادي.

حضر اللقاء السياسي الذي استغرقت خطابات رؤساء الوفود الحاضرين فيه أكثر من نصف اليوم المقرر لذلك المؤتمر، وتحدث فيه ثلاثة رؤساء دول، وهم: الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي عقدت الجلسة برئاسته، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين.

بدا واضحاً أن الرؤساء الثلاثة حرصوا على الظهور موحدين في موقفهم ومتضامنين. خطاب الملك عبد الله الثاني ركز على ضرورة دعم فلسطين، والقدس خاصة. وحرص على تأكيد التمسك بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

أما الرئيس المصري، فقد أعاد تأكيد النقاط الواردة في خطاب الملك، معلناً كذلك رفض مصر لسياسات هدم المنازل والاعتقالات والقتل الممنهج، والسجون وغيرها.

أما الرئيس الفلسطيني، فقدم أطول خطاب، وحرص فيه كل الحرص على تقديم الأمثلة الحقيقية على ممارسات إسرائيل، محذراً من العودة إلى العنف، ومبدياً منتهى القلق من ممارسات الحكومة الحالية، وبخاصة المتطرفين منهم، ومؤكداً أن الفلسطينيين لديهم بدائل للمقاومة، وأن العنف الإسرائيلي سيأتي بعنف بالمقابل.

وتوالت خطابات الوفود العربية المحتجة على الممارسات الاسرائيلية. وأبدت وفود الدول الخليجية حرصها على دعم أهل القدس، وتقديم العون لهم في وجه ما يلاقون. وقد كانت كلمة الوفدين السعودي والكويتي أطول من غيرها وأشمل.

ولم تقتصر الكلمات على رؤساء الوفود للدول الأعضاء في الجامعة العربية، بل ألقيت خطابات من مندوبي مجلس التعاون، ومنظمة الدول الإسلامية، ومن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، التي دعت الأطراف إلى التهدئة عبر الفضاء الإلكتروني وأن تغيير الوضع القائم في القدس من طرف واحد أمر مخالف للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة.

ومن الواضح أن الجلسة السياسية أظهرت موقفاً موحداً من الانتهاكات الإسرائيلية في القدس، واستعداداً لدعم الجهود الفلسطينية للثبات والصمود. وكذلك أظهرت أن رؤساء الدول الثلاثة قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة من الاستياء الشديد من الحكومة الإسرائيلية وتصرفاتها. وأنهم قد يتخذون مستقبلاً موقفاً أشد حدة وإجراءات لتخفيف العلاقات مع إسرائيل أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

أما الوفد الفلسطيني، فقارب عدده حوالى 80 شخصاً، منهم 50 أتوا من مدينة القدس. وقدموا صورة جيدة عن مجريات الأمور في مدينتهم، مؤكدين أنهم جاهزون ومستعدون لتقديم كل ما يلزم من تضحيات وأعمال للصمود. وأكدوا أنهم لا يريدون معونات مجانية، بل تبرعات لدعم مشاريع في مجال الأوقاف وصيانة الممتلكات المقدسية، ولكنهم طالبوا بإنشاء صندوق لدعم المشروعات الاستثمارية والتنموية في القدس.

وقد كان لي شرف رئاسة الجلسات الأربع التي عقدت لبحث عدد من المقترحات الاقتصادية والمالية. وأدرت الاجتماع بطريقة تتجنب العواطف والتدخل في التفاصيل. وأصررت على أن يكون المشاركون في الجلسات إيجابيين، ومحددين.

وتناول البحث عدداً من القطاعات المهمة في القدس مثل السياحة، والإسكان، والزراعة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز دور الشباب والمرأة لخلق وظائف حتى لا يهاجر الشباب.

وعند الحديث عن السياحة، تقدم مطران الروم الأرثوذوكس بمداخلة هامة عن ضرورة تعزيز المسيحيين بالذات في القدس وبيت لحم، وعدم السماح لإسرائيل باتخاذ أي إجراءات لتهجير المسيحيين خارج القدس. وأكد أن الأسرة الهاشمية الحاكمة في الأردن هي الجهة الوحيدة التي يعترفون بها وصية على الأماكن المقدسة المسيحية، مؤكداً أن كنيسة الروم الأرثوذوكس هي أقدم الكنائس المسيحية كلها.

وأكد الحضور ضرورة أن تصدر فتوى دينية إسلامية لزيادة أعداد الزوار من المسلمين لمدينة القدس، ودعم أهلها الفلسطينيين حفاظاً على هويتها العربية والإسلامية ودعماً لوجود الفلسطينيين هناك.

وقال المتحدثون من أهل المدينة إن الاستثمارات فيها تنطوي على فوائد للمستثمرين، فالعقار والإسكان والمشروعات السياحية، وإعادة ترميم الممتلكات العربية والإسلامية داخل القدس مجدية اقتصادياً.

وقد دعا أحد الباحثين المقدسيين إلى ضرورة تعزيز ما سمّاه "الاستثمار المقاوم" لفرض الأمر الواقع على الحكومة الإسرائيلية، ودعا إلى دعم مشروعات الإسكان في العيسوية، والعيزرية، والشيخ جراح، وفرض وجود المباني على إسرائيل.

وقال رئيس جمعية برج اللقلق الموجودة داخل أسوار القدس الشريف إن إسرائيل فشلت في تفريغها من أهلها وبناء مساكن للمستوطنين فيها. وقد اضطرت المحكمة الإسرائيلية إلى تثبيت الحق الفلسطيني هناك، وإن الجمعية تواجه صعوبات مستمرة، ولكنها جاهزة لتقديم كل ما يلزم من دعم وجهد لحماية كل ما هو فلسطيني هناك. وجرى حديث موازٍ عما يمكن عمله من شراكات مع المستثمرين العرب من القطاع الخاص العربي، وخاصة شركات الاستثمار السياحي والإسكاني.

وأكد الحاضرون أن الخدمات التعليمية والصحية قادرة على خلق فرص عمل إضافية لفئات الشباب من الجنسين. وفي هذا المجال، اقترحت المحامية ديمة السمان العمل على إطالة اليوم الدراسي، حتى لا يبقى التلاميذ خارج المدرسة مكشوفين للمحاولات الإسرائيلية لتغيير هويتهم الثقافية والدينية بواسطة الوسائل والمواقع الإلكترونية الحديثة.

وأكدت أن إطالة اليوم الدراسي تمكِّن المدرسة من تزويد الشباب بالثقافة العربية والإسلامية، وإكسابهم مهارات مفيدة لهم في تحسين قابلية توظيفهم وتدعم مقدراتهم الإنتاجية، لكن تحقيق هذا كله يتطلب دعم موازنات المدارس لكي توفر كذلك وسائل نقل الطلاب من بيوتهم وإليها حتى يتجنبوا مخاطر الذهاب إلى المدارس والعودة منها على الأقدام.

أما اللجنة القانونية، فقد قدمت العديد من المقترحات التي ركزت على أمرين: الأول ذو طابع سياسي لشرح الأساليب التي يمكن أن يلجأ إليها الفلسطينيون قضائياً مثل محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وحتى المحاكم في بعض الدول. وقد نوقش اقتراح في هذا المجال يدعو الدول العربية والصديقة إلى إعلان المقاطعة ضد مؤسسات وأشخاص إسرائيليين يمارسون أعمالاً عدائية ضد الفلسطينيين عامة وأهل القدس خاصة.

وفي هذا المجال، تبين أن بعض المشروعات الإسرائيلية الكبرى قد منحت امتيازات إبان عهد الانتداب البريطاني، ومنحت ليهود. وقد قاربت هذه المدد على الانتهاء، ما يعطي فرصة للجانب الفلسطيني لكي يترافع من أجل إنهاء الامتياز. وفتح الفرص أمام الفلسطينيين لكي يمتلكوا هذا الامتياز عند تجديده، والبحث عن شركاء جدد لدعم هذا المطلب.

أما الجانب الآخر، فهو تعزيز الموقف الفلسطيني في الأراضي المحتلة والقدس لكي يحصلوا على كل التصاريح والضمانات المطلوبة، وأن يفوتوا على إسرائيل أي فرص لإيقاف تنفيذ هذه المشروعات مثل الإسكان، والزراعة، والمنشآت السياحية.

وفي الخلاصة، تبين من المشاركين المقدسيين خاصة أن هناك فرصاً ممتازة ومجالاً أوسع من أجل دعم صمودهم، وتعزيز قدراتهم على النمو والمجابهة.

وفي الواقع، إن البحث الذي جرى، قدّم تفاصيل من أجل التنمية في الأراضي الفلسطينية، وهذه المشاريع تختلف في طبيعتها عمّا هو مقترح من خلال المشروعات الإقليمية.

ولكن هذا لا يعني عدم استفادة الفلسطينيين من المشروعات الإقليمية التي ستقام بين بعض الدول العربية. وهذا ما أكده الملك عبد الله الثاني حين قال إن غياب أفق لحل القضية الفلسطينية لا يعني إغفال دعم الأهل هناك وربطهم بالمشروعات الإقليمية العربية حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم واستقلاليتهم وهويتهم الحضارية. وقُدّم اقتراح من أجل خلق وحدة متابعة تحت إشراف الجامعة العربية، تتولى مراقبة تنفيذ المقترحات الاقتصادية والإنمائية، وتقديم تقارير بشأنها، من أجل اتخاذ مواقف موحدة حيال الإجراءات الإسرائيلية الساعية لإفشال تنفيذ هذه المشروعات. الندوة لنصرة القدس كانت جيدة ومشجعة، وروح الحاضرين من أهل القدس كانت عالية وجاهزة.

المساهمون