استنزاف موارد اليمن: معارك مأرب تهدّد الثروة النفطية.. وأزمات معيشية تحاصر الأهالي

05 مارس 2021
طفل يمني نازح يجلس على أكياس من المساعدات الغذائية في مأرب (عبد الله القادري/فرانس برس)
+ الخط -

ضربت أزمات معيشية واقتصادية خانقة محافظة مأرب (شرق اليمن) على خلفية الصراعات العسكرية على تخوم المحافظة الاستراتيجية بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية. كما تعرضت الثروة النفطية والغازية في اليمن والتي تتركز في المناطق الشرقية من البلاد لمخاطر عديدة ومزيد من الاستنزاف.

وحذرت منظمات دولية من موجات نزوح جديدة من المناطق الشرقية للمحافظة التي تركزت فيها المعارك بنسبة كبيرة، إضافة إلى مفاقمة أوضاع السكان والنازحين بشكل عام، مع تردي الخدمات بصورة تهدد قدرات الشركاء والعاملين والمنظمات الإغاثية والإنسانية المحلية والدولية.

في السياق، يفيد الناشط الاجتماعي، في مأرب صلاح الياسري، بأن الوضع مأساوي للغاية، ليس فقط في المناطق التي تتركز فيها المعارك، بل في معظم مناطق المحافظة، مع تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات العامة، إذ تتركز المعاناة بشكل أكبر لدى مئات آلاف النازحين من جميع المحافظات اليمنية الذين تكتظ بهم مأرب.

ويؤكد الياسري لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمات الإغاثية والإنسانية تجد صعوبة بالغة في تقديم المساعدات للسكان والنازحين المتضررين، إضافة إلى أن معارك مأرب سيكون لها تبعات كارثية على الأوضاع الإنسانية والمعيشية لليمنيين بشكل عام وتهدد بتوسيع رقعة الفقر والمجاعة، والأهم مضاعفة مستوى البطالة، إذ استقطبت مأرب وشكلت ملاذا أمناً لإعداد كبيرة من الأيادي العاملة من مختلف المحافظات اليمنية منذ بداية الحرب".

ويهدّد اشتداد هذه المعارك التي توصف بأنها الأعنف منذ بداية الحرب في البلاد، الموارد الرئيسية لليمن، وما هو متوفر من ثروات باتت في مرمى الإهدار بشكل كامل، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".

ويأتي ذلك، إلى جانب تفجير أزمة غذائية حادة، وشح كبير في السلع، وتردي الخدمات العامة، نتيجة إغلاق بعض الطرقات والممرات المؤدية إلى المحافظة، ومضاعفة أسعار غاز الطهو الذي يشهد انخفاضا كبيرا في المعروض منه في الأسواق اليمنية حيث تغطي حقول مأرب معظم احتياجات البلاد من غاز الطهو.

ويقول موزع غاز في محافظة شبوة المجاورة لمأرب، علي عابد، إن ما يدور في مأرب من معارك مستعرة له أضرار كارثية على مختلف الخدمات المعيشية، ليس فقط في مأرب، بل في أغلب المحافظات اليمنية التي ترتبط فيما بينها بعديد المصالح الاقتصادية، إذ تغذي حقول مأرب وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، كثيرا من احتياجات هذه المحافظات بغاز الطهو، ولكن كل ذلك تغير نظراً لتضرر حركة النقل من مواقع الإنتاج في صافر وانقطاع طرق النقل المعتادة واستحداث طرق محدودة وشاقة ومكلفة.

وانعكس ذلك على أسعار الأسطوانة التي زادت من 2500 ريال إلى 3000 ثم ارتفعت إلى 3500 ريال (الدولار = 600 ريال في صنعاء) في بعض المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما تباع في مناطق أخرى خصوصاً في المناطق الريفية ومناطق التماس الواقعة بين طرفي الحرب وكثير من المحافظات الشمالية بأكثر من 5 آلاف ريال.

ويشكو سائقو الشاحنات المحملة بغاز الطهو من تعثر وتوقف المرور والحركة بعد ما تعثر مرورها من مناطق وسط شرق مأرب باتجاه بعض المناطق والمحافظات شمال وجنوب اليمن، فيما يعاني مزارعون من توقف نشاطهم وتسويق محاصيلهم التي تلتهمها نيران المعارك وتكبدهم خسائر جسيمة.

وكانت الحكومة اليمنية تعمل على بلورة خطة لاستغلال الغاز المستخرج من حقول صافر في مأرب لرفد مواردها الشحيحة وإنتاج الطاقة الكهربائية باعتبار شركة صافر تقوم بتصدير الغاز الطبيعي لمشروع بلحاف، وكذلك محطات مأرب لإنتاج الطاقة الكهربائية التي كانت تستهدف استئنافها خلال العام الحالي.

ويغطي حقل صافر للنفط والغاز في مأرب احتياجات اليمن من غاز الطهو بنسبة كبيرة، في حين تحمل الشاحنات حوالي 350 ألف أسطوانة من الغاز تصل يوميا لمعظم المحافظات اليمنية سواء الواقعة في النطاق الجغرافي للحكومة المعترف بها أو التي يسيطر عليها الحوثيون، مع ارتفاع حجم الاستهلاك المحلي في اليمن إلى نحو 600 ألف أسطوانة في اليوم، وهو رقم كبير يؤدي عند نشوب أي مشكلة إلى زيادة الطلب ومن ثم يشكل ضغطا كبيرا على الجهات المعنية بالتسويق والتوزيع.

وتركزت الثروة النفطية والغازية في اليمن في المناطق الشرقية من البلاد، خصوصاً في محافظة مأرب وشبوة وحضرموت، إلى جانب ما تتميز به لكونها محافظات نفطية تكتنز ثروات هائلة معظمها لاتزال في باطن الأرض لم يتم استخراجها، بينما تشكل المحاصيل الزراعية التي تنتجها ما نسبته 15% من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن، ومن أهم محاصيلها الزراعية الحبوب والخضروات والفواكه والأعلاف، وفق بيانات رسمية.

وتسببت الحرب والمعارك في ارتفاع كبير لنسبة الفاقد النفطي والغاز المنزلي من احتياطيات قطاع صافر رقم 18.

وقالت مصادر في شركة صافر الحكومية لـ"العربي الجديد" إن "القطاع 18" في مأرب يغطي احتياجات السوق المحلية من غاز الطهو بنسبة تزيد على 90%، حين كان ينتج نحو 30 ألف طن، قبل انخفاض كمية الإنتاج بشكل كبير مؤخرا.

وحسب بيانات رسمية، كان إنتاج القطاع حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014 يصل إلى 35 برميل نفط يوميا، بالإضافة إلى 30 ألف برميل غاز طهو، ومليار و200 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي كان يصدر إلى ميناء بلحاف أي ما يعادل 200 ألف برميل نفط مكافئ.

وحذر خبراء اقتصاد من تبعات المعارك الكارثية التي قد تسرع بحدوث مجاعة شاملة في جميع المحافظات والمناطق اليمنية، إضافة إلى تأثير هذه المعارك على مؤتمر المانحين المنعقد مؤخراً وعدم حصول اليمن على الدعم المطلوب الذي قدرته الأمم المتحدة بنحو 3.85 مليارات دولار>

الباحث الاقتصادي علي جميل، يشير إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، تتعلق بالتكاليف المالية لهذه المعارك التي يحتاج إليها الطرفان لتمويل معاركهم، والتي تنعكس وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، على فرض المزيد من الجبايات والإتاوات والاختناقات المعيشية والتجارية ومضاعفة أزمات الوقود بشكل كبير كما هو حاصل حالياً في أغلب المناطق اليمنية.

تركزت الثروة النفطية والغازية في اليمن في المناطق الشرقية من البلاد، خصوصاً في محافظة مأرب وشبوة وحضرموت

 

ويؤكد جميل أن هذا الأمر قد يؤدي إلى مفاقمة الأوضاع المعيشية ليس على السكان في محافظة مأرب والمناطق والمحافظات المجاورة لها بل سيشمل جميع المناطق اليمنية المصابة حالياً بالشلل التام بسبب ما يدور في مأرب من معارك وقتال مستعر، إضافة إلى توسيع فجوة الأمن الغذائي في البلاد ومستويات الفقر والجوع ليشمل جميع المناطق اليمنية، في ظل تحذيرات أممية من توسع الجوع وحالات سوء التغذية وظهور بؤر جديدة للمجاعة، إذ استمرت الحرب بهذه الحدة.

وبدأت تأثيرات ذلك بالظهور حالياً من خلال انعدام مشتقات الغاز ومضاعفة أسعاره كما حاصل في صنعاء، وبدء موجة جديدة من ارتفاعات أسعار الوقود في عدن كما يشير إلى ذلك مواطنون وسائقو سيارات ومركبات، إضافة إلى ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية تركزت في الدقيق خصوصاً في صنعاء والذي أدى إلى زيادة في أسعار الخبز وأقراص الروتي من 20 ريالا إلى 25 ريالا.

كما اصدرت سلطات الحوثيين في صنعاء تعميما على مكاتب التخليص الجمركي ومفوضي التجار والمستوردين، يتضمن رفع نسبة الجمارك المحصلة من 30% إلى 50% ، تشمل جميع السلع المستوردة الواصلة عبر ميناء عدن، باستثناء بعض السلع المحددة مثل الدقيق والسكر والأدوية والزيوت والبقوليات.

المساهمون