استكشاف غاز الأردن: جدل وتشكيك في تصريحات رسمية متفائلة

16 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت الحكومة الأردنية عن وجود مخزون ضخم من الغاز في حقل الريشة، يقدر بـ 9.4 تريليونات قدم مكعب، مما يكفي استهلاك البلاد لأكثر من ستة عقود، لكن خبراء يشككون في دقة هذه المعلومات نظرًا لأن الحقل لا يزال في مرحلة الاستكشاف.
- أشار مختصون إلى أن تصريحات الحكومة جاءت متسرعة، حيث تتناقض مع الإجراءات السابقة مثل استئجار سفن غاز عائمة، مما يثير تساؤلات حول جدوى الاستكشافات في ظل استمرار استيراد الغاز المسال.
- رغم الشكوك، قد تؤدي الاكتشافات إلى زيادة إيرادات الخزينة ومعالجة المشكلات الاقتصادية، لكن الخبراء يحذرون من الإفراط في التفاؤل، حيث أن الوصول للإنتاج التجاري قد يستغرق سنوات.

فتحت تصريحات حكومية حول مخزون الأردن من الغاز الطبيعي الجدل مجدداً حول ماهية الاستكشافات النفطية والغازية التي تمت في البلاد على مدى العقود الماضية ونتائجها، خاصة مع تأكيدها في كل مرة عدمَ جدواها الاقتصادية والتجارية، في الوقت الذي تشهد فيه دول مجاورة مثل السعودية والعراق اكتشافات متوالية، خاصة للغاز.

كما أثارت تصريحات مدير المصادر الطبيعية في وزارة الطاقة الأردنية، بهجت العدوان، في وجود مخزون ضخم من الغاز يكفي استهلاك البلاد لأكثر من ستة عقود، الاستغراب وسط تشكيك خبراء ومختصين حول ما تم تداوله من معلومات، وكذلك عدم تعاطي الشارع الأردني بإيجابية معها استناداً إلى نتائج مسحية سابقة.

وطرح مختصون العديد من التساؤلات حول تلك التصريحات وجدوى احتياطي الغاز، والسؤال الأبرز: "لماذا الآن وليس في السنوات السابقة؟" وهل ما كشف عنه مدير المصادر الطبيعية ينطوي على معلومات صحيحة؟ ما هي الخطوات المقبلة لاستخراج هذا المورد الحيوي الذي يحتاج إليه الأردن لزيادة إيراداته المحلية والتغلب على مشكلاته الاقتصادية وسداد المديونية التي لامست 60 مليار دولار، إضافة إلى الحد من مشكلتي الفقر والبطالة؟

تصريحات تثير الجدل حول الغاز

وكان مدير المصادر الطبيعية في وزارة الطاقة الأردنية، بهجت العدوان، قد قال الأربعاء الماضي إن الدراسات بينت وجود كميات تجارية في حقل الريشة الغازيّ تقدر بـ 9.4 تريليونات قدم مكعب. وأضاف العدوان أن الدراسات تشير إلى وجود كميات تجارية من الغاز في حقل الريشة الغازي.

وبين أن حقل الريشة الغازي، مملوك لشركة البترول الوطنية "الحكومية"، وأن كميات الغاز المستخرجة من حقل الريشة في حاجة إلى إنشاء أنبوب لنقلها من الحقل إلى العاصمة عمّان أو محافظة الزرقاء لاستخدامها تجارياً، بالإضافة إلى ربطه بخط الغاز العربي الذي يمر بالأردن.

وقال وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني، صالح الخرابشة، في تصريحات مساء السبت الماضي، إن دراسة حول عمليات التنقيب في حقل الريشة الغازي سيتم إعلان نتائجها بالتفاصيل والأرقام في غضون أسبوعين. وأضاف أن الحكومة استعانت بشركة "شلمبرغير العالمية" لدراسة حقل غاز الريشة اعتماداً على معلومات المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد الذي قامت به شركة "بريتش بتروليوم".

وبين أن الدراسة تشارف على الانتهاء وتتضمن تقديرات تأشيرية حول احتياطات الغاز ضمن تصنيفات (عليا ودنيا ومتوسطة)، وفي العادة يتم استخدام (التقدير المتوسط) كأفضل تقدير. وقال إن أية معلومات تتعلق بعمليات التنقيب والاستكشاف والكميات والاستخراج معقدة وتخضع لكلف وتتطلب شروحات مستفيضة وتريثاً قبل إصدار الأحكام والنتائج، وسيتم إشراك المواطنين بالمعلومات المتوفرة حال انتهاء الدراسة بصيغتها النهائية خلال أسبوعين.

تشكيك وتساؤلات

واعتبر المختص في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، أن الحديث عن وجود 9.4 تريليونات قدم مكعب من احتياطي الغاز في حقل الريشة كما ورد في تصريحات رسمية، يحمل الحكومة مسؤوليات كبيرة حيث إن هذه الكمية تكفي لتلبية احتياجات الأردن من الغاز لمدة 80 عاماً. وأضاف أن القيمة السوقية لهذه الكمية من الغاز تقدر بحوالي 70 مليار دولار.

واعتبر الشوبكي أن تصريحات الحكومة جاءت متسرعة لعدة أسباب، أبرزها أن حقل الريشة لا يزال في مرحلة الاستكشاف ولم يصل بعد إلى مرحلة التطوير والإنتاج، وأن التقديرات المتعلقة باحتياطي الغاز عادةً ما تتم في المراحل المتقدمة من تطوير الحقل، وهو ما يتيح للبلد المالك لهذا الحقل عرضه على الشركات للاستثمار.

وبين أن التصريحات الحكومية تتناقض مع بعض الإجراءات السابقة، مثل استئجار سفينة غاز عائمة ثانية والتي ستزيد من التكاليف الحكومية، والتي تُضاف إلى تكلفة السفينة الأولى التي تقدر بـ 60 مليون دولار سنوياً.

ولفت إلى أن هذه الزيادة في التكاليف لاستيراد الغاز المسال غير مبررة إذا كان هناك غاز محلي في الأردن، وأن استمرار استئجار السفينتين يكلف الدولة مبالغ طائلة، حيث إن السفينة العائمة الأولى كلفت لغاية الآن قرابة 495 مليون دولار، وهو ضعف ثمن السفينة بالكامل.

وأشار الشوبكي إلى أن حقل الريشة بحسب الكشوفات الرسمية، ينتج حالياً 16 مليون قدم مكعب من الغاز، وهو ما يشكل 3% فقط من حاجة الأردن اليومية التي تصل إلى 350 مليون قدم مكعب، وأن التصريحات المتتالية حول حقل الريشة في السنوات الماضية بخصوص إمكانيات الإنتاج لم تظهر على أرض الواقع.

وقال إن الحكومة قبل أربع سنوات صرحت بقدرتها على إنتاج 2000 برميل من النفط يومياً من حقل حمزة، لكن اتضح أن الإنتاج لا يتجاوز 200 برميل فقط ولم يتم محاسبة المسؤولين عن هذه التصريحات.

أما الخبير في قطاع الطاقة، هاشم عقل، فقال لـ "العربي الجديد" إن التصريحات التي أعلنتها الحكومة إيجابية وتبشر بالخير للمواطن ومختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية وغيرها.

وأضاف أن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة إيرادات الخزينة والمساهمة في معالجة مشكلات البلاد الاقتصادية، وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية وتخفيض عجز الميزان التجاري من خلال ارتفاع حجم الصادرات، إضافة إلى توفير فرص العمل بالشكل الذي يحد من الفقر والبطالة.

وقال عقل إن الاستكشافات الغازية، في حال تحققها، ستؤدي حتماً إلى زيادة الجاذبية الاستثمارية للأردن، خاصة للقطاع الصناعي من خلال تخفيض كلف الإنتاج وزيادة تنافسية المنتجات المحلية، ذلك أن استخدام الغاز في الصناعة يوفر حوالي 50% من كلف الإنتاج التي تذهب معظمها إلى أسعار الطاقة المستخدمة، إضافة إلى انخفاض كلف الطاقة على المواطنين وكل القطاعات.

وأوضح أن عمليات الاستكشاف، في حال ثبوت الجدوى التجارية، تحتاج إلى فترة قد تصل إلى 3 سنوات، وفي المحصلة ستوفر مبالغ كبيرة للأردن وستساهم في انتعاش الوضع الاقتصادي.

إفراط في التفاؤل

بدوره، قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد" إن واحدة من أكبر مشكلات الأردن الاقتصادية تتمثل في عدم توفر النفط والغاز وقلة الثروات الطبيعية الأخرى، حيث إن فاتورة الطاقة تزيد سنوياً عن 7 مليارات دولار، إذ يتم تأمين احتياجاتنا النفطية ومن الغاز الطبيعي من مصادر مختلفة.

وأكد أهمية عدم الإفراط في التفاؤل، حيث إن موضوع الاستكشافات للنفط والغاز في الأردن ليس بالجديد، وإنما يعود لعدة عقود، وفي كل مرة تكون "الكميات غير تجارية"، في الوقت الذي ينبغي فيه التركيز أيضاً على الاستفادة من احتياطي البلاد الضخم من الصخر الزيتي.

وأضاف أن الوصول إلى الإنتاج التجاري للغاز يعني تحولاً اقتصادياً ومالياً مهماً للأردن من ناحية التوفير في فاتورة الطاقة من النفط والغاز، وتخفيض كلف توليد الكهرباء، وتأمين احتياجات القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى من الغاز لغايات توفير التيار الكهربائي، وهذا بدوره يخفض كلف الإنتاج وينشط بيئة الأعمال ويزداد إقبال المستثمرين لإقامة المشاريع المختلفة في الأردن.

وختم عياش: "هذه الاكتشافات ستجعل الحكومة أكثر اعتماداً على الذات، وسنصل خلال سنوات قليلة إلى موازنات بدون عجز مالي وتسديد المديونية تدريجياً، وتقليل الاقتراض الداخلي والخارجي، وكذلك ارتفاع الإنفاق الرأسمالي وصولاً إلى معدلات نمو تتناسب واحتياجات الأردن التنموية".

المساهمون