ازدهار سياحة عُمان.. والتركيز الحكومي ينصب على أسواق أوراسيا

29 يوليو 2023
السلطنة تواجه منافسة قوية لكنها تعول على حصتها من سوق السياحة الخليجية (فرانس برس)
+ الخط -

"ازدهار كبير في قطاع السياحة بسلطنة عمان". هكذا خلص التقرير الأخير لـ"بي إم آي" التابعة لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، مشيرا إلى توقعات بأن يكون عدد السياح الإجمالي عام 2023 أكبر من سابقه، وسط تركيز حكومي على أسواق روسيا وآسيا وأوروبا.

وتوقع التقرير مكاسب ثابتة لعُمان حتى عام 2027 وما بعده، حيث ستُدعم الآفاق بعيدة المدى من خلال توجهات التنويع الاقتصادي ومستهدفات رؤية "عمان 2040".

ومن المقدر أن يبلغ إجمالي عدد السائحين القادمين في عام 2023 نحو 3.5 ملايين سائح، بزيادة 20.8% مقارنة بعام 2022، فيما بلغ النمو السنوي المتوقع على المدى المتوسط في الفترة من عام 2023 إلى عام 2027 نحو 7.4% مع استمرار الطلب على السياحة الترفيهية والتجارية، ودعم ارتفاع أسعار النفط للاستثمارات في القطاع السياحي، حسب ما أورد موقع وزارة التراث والسياحة العمانية.

التاريخ العماني يمثل عنصراً حاضراً باستمرار في تسويق المنتجات السياحية

وأكدت الوزارة أنها تولي اهتماما برصد المؤشرات الدولية ذات الصلة بالقطاع السياحي والتي تساعد على فهم اتجاهات السوق وتحليل أداء القطاع السياحي على المستوى العالمي وانعكاساته محليا، وقياس أثر الجهود التسويقية لتحسين عروض الوجهات السياحية وتوجيه الخطط لتعزيز القطاع وتحسين أدائه، إلى جانب زيادة التنافسية في السوق العالمية.

تنوّع وفرص

ويشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن نشاط السياحة في سلطنة عمان يعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، ما يعكس أثرا اقتصاديا مهما، إذ تمثل السياحة أحد مصادر تنويع اقتصاد السلطنة، وتلعب دور البديل النسبي لإيرادات قطاع الطاقة.

كما تلعب السياحة دورا مهما في جذب للاستثمارات، بحسب عايش، وبالتالي فإن هذا القطاع يحظى بأهمية كبيرة، فنجاح عمان في القطاع السياحي يعني أنها انتقلت من الاعتماد على النفط والغاز مصدراً للإيرادات إلى قطاع آخر أكثر حيوية وتنوعا على صعيد نوعية المنتجات، وهو قطاع مستمر على مدار العام.

ويلفت عايش إلى أن تنوع الجغرافيا العمانية يوفر فرصة لتحسين إيرادات السلطنة، وخلق المزيد من فرص العمل، وبالتالي الخروج من هيمنة قطاع اقتصادي واحد إلى قطاعات اقتصادية متنوعة، يجرى فيها استغلال موقع عمان ومساحتها وإطلالاتها البحرية، وتضاريسها الطبيعية.

وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن التاريخ العماني يمثل عنصرا حاضرا باستمرار في تسويق المنتجات السياحية، إذ تتميز السلطنة بتراث فريد يجعلها مؤهلة لمختلف أنواع السياحة، مثل سياحة المغامرات، وسياحة المؤتمرات، والسياحة التاريخية.

وتأتي الاستثمارات في القطاع السياحي العمانية مرافقة للتقدم في تطبيق استراتيجية عمان 2040، وبالتالي فإن التحسن في الإيرادات السياحية يشمل زيادة أعداد السياح من جهة، وبالتالي اعداد العابرين أو المسافرين في المطارات العمانية من جهة أخرى، ما يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات الداعمة للنشاط السياحي ولاستقطاب مزيد من السياح، بحسب عايش.

وينوه عايش إلى أن أكثر من 3 ملايين سائح زاروا عمان في عام 2022، إضافة إلى مرور 8 ملايين سائح عبروا المطارات العمانية، وهو ما مثل انعكاسا للتحديث والتطوير في سياسات التأشيرات الخاصة بزيارة عمان، بعد إعفاء ما يزيد عن 100 جنسية من التأشيرة، والسماح بالإقامة لمدة أسبوعين في عمان بشكل مباشر، ما فتح الآفاق أمام زيارة السلطنة بسهولة والقيام بأنشطة سياحية فيها.

لكن ذلك لا يجب أن يحول الانتباه عن المنافسة الكبيرة التي تواجهها عمان في قطاع السياحة، سواء من السعودية أو من الإمارات، فكلاهما ترصد عشرات المليارات من الدولارات للاستثمارات في هذا القطاع، ولذا فعلى عمان أن تميز نفسها في المنتج السياحي وفي طريقة جذب السياح والمزايا التي يمكن أن يحصلوا عليها عند زيارتهم إلى السلطنة، وفي استثمار الإمكانيات السياحية في محافظات السلطنة المختلفة، حسب ما يرى عايش.

ويقترح عايش تركيز حكومة السلطنة على ابتكار أنشطة سياحية فريدة من نوعها، واصفا ذلك بأنه التحدي القادم أمام عمان كي تميز نفسها عن منافسة سياحية قائمة مع الإمارات وقادمة مع السعودية.

تبذل الحكومة جهوداً حثيثة في سبيل استعادة النشاط السياحي منذ جائحة كورونا

ومن منطلق احتلال عمان، العام الماضي، المركز السابع كأفضل وجهة سياحية عالمية، تتوقع وكالة "فيتش" نمو النشاط السياحي في السلطنة بحوالي 7.5% سنويا حتى العام 2027، وزيادة عدد السياح إلى 11 مليونا في عام 2040، غير أن عايش يؤكد ضرورة ألا يكون هذا الرقم هو سقف طموح السلطنة، التي تمتلك مقومات سياحية استثنائية، ويمكنها الوصول إلى هذا السقف في السنوات السبع القادمة، من دون انتظار العام 2040.

المعارض الدولية

ويلفت الخبير الاقتصادي خلفان الطوقي إلى أن جهودا كثيرة لحكومة السلطنة استهدفت استعادة النشاط السياحي منذ جائحة كورونا، التي استغلتها كفترة تخطيط لإعادة التموضع العالمي في مجالات اقتصادية كثيرة، على رأسها السياحة، حسب ما صرح لـ"العربي الجديد".

ومن بين تلك الجهود الجولات في المعارض الدولية، التي شاركت فيها عمان للترويج السياحي، بحسب الطوقي، مشيرا إلى تركيز خاص على استقطاب الروس والصينيين، وإلى أن السلطنة تواجه منافسة قوية لكنها تعول على ارتفاع حصتها من مجمل سوق السياحة الخليجية بشكل تدريجي.

ويشير الطوقي إلى أن استراتيجية السياحة العمانية تهدف إلى اجتذاب السياح من أسواق جديدة، مثل دول أفريقيا والهند وإيران، إضافة إلى الأوروبيين، مشيرا إلى مقومات عديدة تساعد حكومة السلطنة في تحقيق استراتيجية كهذه، على رأسها أن الشعب العماني ودود مع السياح، ويتسم بالانفتاح، إذ إن للعمانيين روابط تاريخية مع شرق أفريقيا والصين وكوريا وسنغافورة منذ أكثر من 700 سنة.

التنوع البشري داخل السلطنة يمثل عنصر جذب سياحي أيضا، حسب ما يرى الطوقي، موضحا أن عمان تضم مواطنين تعود أصولهم إلى شرق أفريقيا بحكم الوجود العماني التاريخي في زنجبار لأكثر من 350 سنة.

تمثل السياحة مستقبلاً اقتصادياً رئيسياً للسلطنة في عصر ما بعد النفط والغاز

ويلفت الطوقي إلى أن المقومات الطبيعية لعمان تمثل عاملا مهما بجذب السياحة أيضا، فبالإضافة إلى وجود شواطئ ممتدة لأكثر من 3 آلاف كيلومتر، تتنوع تضاريس السلطنة بين جبال وصحاري وسهول، فضلا عن اختلاف الطقس من منطقة إلى أخرى، ففي صلالة طقس معتدل هذه الأيام بينما الطقس بارد في الجبل الأخضر والأشخرة ورأس الحد.

الحفاظ على الطابع التراثي أحد أهم عوامل الجذب السياحي لعمان أيضا، بحسب الطوقي، مشيرا إلى أن السلطنة تهتم بهذا الجانب كثيرا، وهو ما يتجلى في معمارية الحصون والمباني والقرى القديمة، مثل نزوى وبهلاء وصور، وهي مناطق مسجلة بلائحة منظمة يونسكو.

ويتوقع الطوقي أن تمثل السياحة مستقبلا اقتصاديا رئيسيا لعمان في عصر ما بعد النفط والغاز، ما يصب في صالح توظيف العمانيين وزيادة دخل الدولة والفرص الاستثمارية فيها ودعم نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى إسناد التنوع الاقتصادي.

الإرث الثقافي

فيما يرى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن تقديرات "فيتش" تعتمد على مؤشرات علمية تدل على تحسن واضح في نشاط السياحة بالسلطنة، وهو ما يعود إلى عدة أسباب، أولها عوامل الطبيعة العمانية، خاصة الشواطئ على بحر العرب، إضافة إلى تجاور المشاريع الكبيرة في السلطنة مع طبيعة ساحرة، كما هو الحال في الدقم وصلالة، حسب ما صرح لـ"العربي الجديد".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويشير عجاقة إلى وجود جزر في مناطق تلك المشاريع، تمثل جذبا طبيعيا للسياح الأجانب على نطاق واسع، فضلا عن سيادة حالة الثبات الأمني والسياسي بالسلطنة ذات الإرث التاريخي والثقافي الكبير.

كما تساهم سهولة لوجستيات السفر إلى عمان في جذب السياح، خاصة وجود السفن السياحية، وتطوير مطار مسقط الدولي ذي القدرة الاستيعابية التي تتخطى 12 مليون مسافر سنويا، بحسب عجاقة، مشيرا إلى أن الرحلات الجوية من وإلى سلطنة عمان زاد بنسبة كبيرة نتيجة جذب سياح من أسواق خارجية، سواء كانت أجنبية أو عربية، خاصة بعد تدهور الأوضاع في لبنان، إذ يفضل كثير من السياح الخليجيين حاليا الذهاب إلى سلطنة عمان، خاصة في ظل قربها الجغرافي من بلدانهم.

غير أن عجاقة يتوقع أن تكون النسبة الأكبر من أي تطور مستقبلي للسياحة بسلطنة عمان مرتبطة بالأسواق العالمية، خاصة الآسيوية منها، لا سيما روسيا واليابان والصين، في ظل الثبات السياسي والأمني الذي تتميز به السلطنة.

المساهمون