ارتباك في أسواق مصر والحكومة تنتظر سيولة نقدية لتنفيذ التعويم الرابع

26 ابريل 2023
الأسواق تترقب مستقبل الجنيه وسط توقعات بتعويم جديد للعملة (Getty)
+ الخط -

ارتبكت أسواق الذهب والتجارة والأعمال، عقب عودة الأنشطة الاقتصادية للعمل، بعد إجازة استغرقت أسبوعاً. ووسط أجواء متشائمة، حول مستقبل الجنيه، وتوقع تعويم جديد يدفع العملة المحلية إلى الهاوية؛ فتحت البنوك أبوابها أمام المتعاملين، لترفع سعر الدولار نحو زيادة طفيفة، لم تتعد خمسة قروش.

وعلقت أسواق الذهب أسعار البيع والشراء، انتظاراً لما ستفسر عنه الأسعار المرتقبة للدولار والجنيه، في وقت فتحت معظم محلات الصاغة أبوابها محتفظة بأسعار البيع والشراء التي سادت خلال أيام العيد، والتي دفعت بأسعار الذهب إلى معدلات قياسية، غير مسبوقة، رفعت سعر الغرام عيار 21 الأكثر مبيعاً إلى 2520 جنيهاً، وفاق سعر الجنيه الذهب 20300 جنيه، بينما ظلت الأسعار العالمية، في حدود 2000 دولار للأونصة. 

ارتفعت أسعار الذهب عالمياً لتزيد بنحو 8 دولارات في التعاملات الصباحية، بينما ظلت الأسعار سائدة، كما هي في السوق المحلية.

ويتوقع تجار الذهب أن تواصل أسعار الذهب ارتفاعها متأثرة بحالة الترقب المتوقعة بانخفاض الجنيه، الذي بلغت قيمته في العقود الآجلة نحو 46 مقابل الدولار، وارتفاع الدولار الجمركي على واردات الذهب.

يرفض تجار الذهب الذين تواصل معهم "العربي الجديد" اندفاعهم نحو المضاربة على سعر الذهب، مؤكدين أن أرباحهم تكثر خارج وقت الأزمات والفقاعات العالية للأسعار، مبينين أن حالة الاندفاع نحو الذهب متأثرة برغبة الجمهور في الحفاظ على قيمة السيولة المتوافرة لديهم بالجنيه، وعدم قدرتهم على توظيف الأصول المالية في مشروعات تجارية أو صناعية، تواجه التصاعد الهائل في التضخم وتدهور العملة. 

ساعدت طفرة شرائية في دفع أسعار الذهب إلى أرقام غير مسبوقة، أعلى بما يزيد 27% على المعدلات السائدة على شاشات بورصات الذهب العالمية طوال الأيام الماضية، متأثراً بتوقعات زيادة الفائدة على الدولار، من البنك الفيدرالي الأميركي، الذي يواصل رغبته في التشدد النقدي، لكبح التضخم، مع ارتفاع عائد السندات الحكومية الأمريكية، الأسبوع الماضي لتسجل أعلى مستوى لها، خلال شهر عند 3.367%. 

ينظر المواطنون إلى الذهب والدولار على أنهما أكثر أماناً، من ادخار أموالهم في شهادات بنكية ذات عائد لن تدرّ أكثر من 22%، بينما تجاوز التضخم حدود 40%، ويتوقع استمراره مرتفعاً، فوق حدود 30%، لفترة زمنية تصل إلى عامين.  

وكشفت مصادر بنكية عن الدافع الرئيس الذي جعل البنك المركزي يؤخر التعويم المرتقب، بأن "الحكومة تنتظر سيولة نقدية بالعملة الصعبة، والتوقيت المناسب لتحقيق التعويم، بما يضمن سعر صرف مرن قادر على مواجهة سعر الدولار في السوق الموازية". أكد محللون ماليون لـ"العربي الجديد" أن التعويم الجديد قادم لا محالة، في ظل شحّ الدولار المزمن، وشدة حاجة الحكومة إلى السيولة لسد العجز المزمن بين الصادرات والواردات. 

دفعت حالة الترقب الضبابية المستثمرين المصريين والأجانب، إلى انتظار ما ستسفر عنه حالة الجنيه، وما يسمى "التعويم الرابع"، بعد أن انخفض مقابل الدولار إلى 37 جنيهاً في السوق السوداء، و44.6 جنيهاً بالعقود الآجلة، لمدة 12 شهراً، وتوقع تراجعه رسمياً من 31 جنيهاً إلى ما بين 34 إلى 35 جنيهاً عاجلاً، ليصل إلى 44 جنيهاً، بنهاية العام.

يزداد التشاؤم عند بعض المحللين ليقدر قيمة الدولار بنحو 47 جنيهاً، بعد أن بلغ نحو 46 جنيهاً على أسهم البنك التجاري الدولي "سي آي بي" في بورصة لندن 46 للعقود الآجلة، وأنباء عدم موافقة صندوق النقد على المراجعة التي أجراها أخيراً على الموازنة، بما حرم الحكومة الحصول على سيولة بالدولار تمكنها من تليين شرايين الاقتصاد. 

يشير تقرير وكالة بلومبيرغ إلى تراجع شهادات الإيداع المصرية في بورصة لندن، بخصم 31%، منتصف إبريل الجاري، بما يعكس مؤشرات مؤكدة على تراجع سعر الصرف للجنيه، مقابل الدولار والعملات الرئيسية خلال الفترة المقبلة. 

ويبدي المستثمرون تحفظهم من البدء بالاستثمار والعملة تتعرض لحالة تذبذب مستمرة وتراجع في الأسواق الموازية والآجلة، الأمر الذي عطل استكمال التفاوض حول استحواذ الصناديق السيادية من السعودية والإمارات وقطر على شركات الطروحات الحكومية، لاعتبار المستثمرين سعرها غير جاذب للاستثمار في سوق تحيط به المخاطر، يعرضها لتآكل الأصول وزيادة التكلفة، المتعلقة بالبيروقراطية والتباطؤ في دخول الواردات وزيادة سعر الفائدة. 

واستبقت الحكومة عودة المواطنين من إجازة أعياد طويلة، بإعلانها زيادة في دعم السلع الأساسية، ومد شبكة الرعاية الاجتماعية، بتكلفة تصل إلى 526 مليار جنيه، بدلاً من 358 ملياراً، وعدت بصرفها خلال العام المالي الجديد 2023-2024، لرفع مستوى المعيشة، مع رفع قيمة شراء أردب القمح من 1000 إلى 1250 جنيهاً، لحث الفلاحين على تسليم السلع الحيوية للدولة اختيارياً. 

ووعد محمد معيط، وزير المالية في بيان صحافي أصدره اليوم الأربعاء، بزيادة مخصصات القطاع الصحي لتصل إلى 397 مليار جنيه، بزيادة 30.4٪ عن العام الماضي، تشمل توفير العلاج لغير القادرين، وزيادة فئات بدل المخاطر للممرضين والعاملين بالمهنة الطبية، بمبالغ تراوح ما بين 475 جنيهاً و1100، وتصل إلى 1700 جنيه للأطباء وهيئات التمريض العاملين بالطوارئ. 

استبق "معيط" حركة الأسواق أمس، بإصداره بياناً يؤكد فيه إفراج الحكومة عن بضائع بالموانئ، بقيمة 23 مليار دولار منذ شهر يناير/ كانون الثاني 2023 حتى الآن، تشمل سلعاً غذائية ومستلزمات إنتاج وأدوية. يبدي رجال أعمال دهشتهم من تصريحات الوزير، في ظل شكواهم من تأخير الإفراج عن البضائع بالجمارك، وتعلل البنوك بعدم وجود دولار، لدفع مستحقات الجمارك والموردين، وعدم اتضاح مصدر التمويل المفاجئ للواردات الذي أعلنه وزير المالية. 

تخشى الحكومة من تزايد غضب الجماهير، الذين يواجهون أزمة اقتصادية طاحنة، تتصاعد شهرياً، بسبب تراجع القوة الشرائية للجنيه وغلاء الأسعار، وتقليص السلع المدعومة ورفع تكاليف الخدمات والنقل والاتصالات والمياه والغاز والبنزين، مع توقع زيادة قريبة في أسعار الكهرباء. 

تراهن الحكومة على التزام المواطنين الصبر، وتركن إلى خوفهم من انفراط العقد الأمني في ظل أوضاع جيوسياسية ملتهبة من حولهم في السودان وليبيا، بينما تسير في اتجاه خاطئ نحو إنفاق مليارات الجنيهات على نقل مقارّ الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة ومزيد من القروض لمشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية أو يمكن تأجيلها. 

ويبدي خبراء تخوفهم من حدوث موجة جديدة في أسعار الغذاء ومستلزمات الإنتاج، متأثرة هذه المرة بضغوط محلية، وبخاصة سعر الصرف، بعد تراجع أو ثبوت أسعار الأغذية عالمياً، وفقاً لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة" الفاو"، الذي سجل انخفاضاً بنسبة 20.5٪، في مارس الماضي، عن ذات الفترة من عام 2022.  

الخطر الذي يهدد الحكومة، عدم امتلاكها بدائل لحلول اقتصادية ناجعة، واعتمادها على "روشتة" صندوق النقد الدولي، الذي يتهمها بالتخلي عن التزامات قطعتها من أجل التوصل إلى اصلاح هيكلي للاقتصاد، يضمن تخارج الدولة من 79 نشاطاً اقتصادياً وخدمياً، ويترك مساحات واسعة للقطاع الخاص، يتولى قاطرة التنمية. 

توقع محللو وكالة "ستاندرد آند بورز" أن يواصل الجنية تراجعه مع خفض النظرة المستقبلية لمصر إلى سلبية، وأن يصل انخفاض الجنيه إلى نحو 53٪ من قيمته، في يونيو المقبل، عما كان سائداً عليه في بداية السنة المالية الحالية 2022-2023، على أن يستمر بالتراجع بمعدلات أقل خلال السنوات المقبلة.

تصنف الوكالة مصر عند مستوى "بي آي" بسبع درجات أعلى من مستوى التخلف عن السداد، رغم ارتفاع احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى 34 مليار دولار. 

تتفق "ستاندرد آند بورز" مع خبراء صندوق النقد الدولي، الذين أجلوا حسم منح الحكومة الدفعة الثانية من قرض بقيمة إجمالية قيمته 3 مليارات دولار، في عدم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي التزمتها مصر، نهاية العام الماضي، تشمل طرح شركات حكومية أمام المستثمرين الأجانب وفي البورصة المحلية، وتطبيق سعر الصرف المرن. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تشير الوكالة إلى أن التأخر في تطبيق سعر الصرف المرن والإصلاحات الهيكلية زاد من الضغط على الجنيه، والمخاطر الاقتصادية، التي تظهر في التخفيضات الحادة بقيمة العملة، وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، بما أدى إلى تخفيض نظرتها إلى مصر من مستقرة إلى سلبية، مع وجود مخاوف من خطر اضطرابات داخلية. 

سجلت الوكالة مصر كثالث أعلى حصة إيرادات مالية من بين 137 دولة، توجه لخدمة مدفوعات فوائد الديون، تصل إلى 40% من إيرادات موازنة تعاني من تخمة في الدين العام تصل إلى 70%، من الناتج الإجمالي. 

يتوقع محللو الوكالة حاجة الدولة إلى 17 مليار دولار بنهاية يونيو 2023، و20 مليار دولار أخرى عام 2024.

وصنفت وكالات"موديز" و" فيتش" وستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية، بما دفع المستثمرين بأدوات الدين المصرية المقومة بالعملات الصعبة إلى بيعها بأقل من قيمتها، وشكلت السندات ذات آجال الاستحقاق المختلفة 9 من أسوأ 10 إصدارات أداء في الأسواق الناشئة الجمعة الماضية. يظهر مؤشر بنك "جي بي مورغان" مخاوف المستثمرين من قدرة الدولة على تحمّل عبء الديون في المرحلة المقبلة. 

المساهمون